شهد الملف الليبي نشاطاً دبلوماسياً دولياً ملحوظاً في اليومين الماضيين لدعم الخطوات الإيجابية التي قطعتها الأطراف المحلية نحو التوصل لحل سياسي شامل ونهائي لأزمة البلاد برعاية أممية، بعد سنوات علت فيها أصوات المدافع على دعوات السلام، قبل أن تنتصر الأخيرة في الأشهر الماضية بتشكيل حكومة موحدة للبلد الذي مزقته الصراعات الدامية لسنوات.
وتزامنت دعوة الرئاسة الأميركية لمجلس الأمن لبذل جهود أكبر لنزع فتيل الأزمة الليبية بشكل نهائي، وإعلان الاتحاد الأوروبي استعداده للمشاركة في مراقبة الوقف الدائم لإطلاق النار إذا طلب منه ذلك، مع أنباء عن بدء تركيا قريباً في سحب المقاتلين الأجانب الذي جلبتهم للمشاركة في النزاع الليبي استجابة للضغط الدولي الذي تزايد عليها، أخيراً، في هذا الشأن.
مساع متزامنة في عواصم كبرى
في واشنطن، حث الرئيس الأميركي جو بايدن الممثلين الدائمين لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة على التحرك السريع لحل الأزمات الإقليمية بينها الأزمة الليبية.
وبحسب بيان للبيت الأبيض، الجمعة، شدد بايدن خلال لقاء مع الممثلين الدائمين على "ضرورة تحرك جاد لمجلس الأمن الدولي بشأن عدد من الأزمات الإقليمية، في كل من بورما، وإثيوبيا، وليبيا، وسوريا، واليمن".
وأكد الرئيس الأميركي أن "بلاده تريد إظهار قيادة عالمية قائمة على القيم وإعادة التواصل مع المؤسسات الدولية، بخاصة الأمم المتحدة".
ومن روما، قال الممثل الأعلى للسياسة الخارجية والأمنية في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، إن "الاتحاد الأوروبي مستعد للتعاون لمراقبة وقف إطلاق النار في ليبيا"، موضحاً أن "الأمر متروك للأمم المتحدة لطلب دعم أوروبا بهذا الشأن".
وأضاف بوريل، خلال مؤتمر صحافي في مقر عملية إيريني الأوروبية بروما، "متأكد أن الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء سيكونان على استعداد للنظر في هذا الطلب، فيما ينبغي على الأمم المتحدة أن تطلب ذلك".
وفي شأن تعيين مبعوث أوروبي إلى ليبيا، أكد بوريل أنه سيُقدم مقترح في هذا الخصوص خلال أيام"، مبيناً أن "المشكلة تتمثل في وجود العديد من المرشحين الممتازين، فيما ينبغي اختيار واحد منهم فقط".
وتابع بوريل، "الوجود العسكري وتدفق المرتزقة على الأراضي الليبية تزايدا في العام الأخير"، معتبراً أن "بعثة إيريني حققت نتائج ملموسة في رصد انتهاكات الحظر المفروض على ليبيا، الأمر الذي أسهم في الخطوات الإيجابية التي حققها الليبيون بتشكيل حكومة وحدة وطنية". وكان الاتحاد الأوروبي مدد قبل أيام فترة عملية "إيريني" البحرية لمراقبة السواحل الليبية عامين إضافيين حتى عام 2023.
دعم سياسي وعسكري من روما
وفي المؤتمر الصحافي ذاته، الذي عقده جوزيب بوريل بروما، قال وزير الخارجية الإيطالي لويجي دي مايو، إن "التطورات المشجعة في ليبيا خلال الأسابيع الأخيرة تفسح المجال أمام تفاؤل حذر، وإن بلاده تدعم بقوة عملية الانتقال السياسي وإعادة التوحيد المؤسساتي الجارية حالياً في ليبيا".
من جانبه، جدد وزير الدفاع الإيطالي، لورينزو غويريني، التأكيد على أن "ليبيا أولوية استراتيجية لبلاده"، مؤكداً "متابعة التعاون العسكري التقني والتركيز على التدريب، وكذلك الدعم لإزالة الألغام للأغراض الإنسانية". وأشار، في مقابلة صحافية إلى "أهمية التعاون العسكري مع ليبيا كي تعود بلاده للعب دور ريادي، ومد يد العون لدعم مؤسساتها مع احترام السيادة الوطنية الليبية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ارتياح جزائري
وفي سياق المواقف الإقليمية من التطورات الأخيرة في الملف الليبي، التي اتسمت جلها بالإيجابية والدفع نحو التسوية السياسية، عبر وزير الخارجية الجزائري، صبري بوقادوم، عن "ارتياح بلاده لوجود حكومة وحدة وطنية، ومجلس رئاسي، مُمثل لكل مناطق ليبيا"، مجدداً معارضة بلاده لـ"وجود أي قوات أجنبية على الأراضي الليبية".
وشدد بوقادوم، في تصريح صحافي، على "أهمية ضمان الأمن في ليبيا عبر توحيد المؤسسات الأمنية"، مشيراً إلى أن "حل الأزمة الليبية، كان يجب أن يتم منذ البداية، بحل شرعي للسلطة". وكشف رئيس الدبلوماسية الجزائرية عن "زيارة مرتقبة لوفد ليبي إلى الجزائر"، مؤكداً أن "بلاده تعمل يومياً مع شركائها الليبيين وأن هناك تحركات جزائرية لا يُعلن عنها".
هل تسحب أنقرة المقاتلين الأجانب؟
وفي تطور لافت قد يحل آخر الإشكالات العالقة في طريق حل كامل للأزمة في ليبيا، والمتعلق بسحب القوات الأجنبية من البلاد، أفادت مصادر للمرصد السوري لحقوق الإنسان بأن "أوامر جاءت للمقاتلين السوريين الموالين لأنقرة في ليبيا بالبدء في تجهيز أمتعتهم وأنفسهم تحضيراً لعودتهم إلى سوريا".
وقال المرصد، في بيان نشره عبر موقعه الرسمي، الجمعة، إن "هذه الخطوة تأتي في ظل التهدئة الملحوظة للخطاب التركي تجاه عدد من الدول العربية على رأسها مصر، التي كان الملف الليبي إحدى أبرز نقاط الخلاف بينها وبين أنقرة". وأشار إلى أن "عودة المقاتلين الأجانب المولين إلى تركيا في ليبيا متوقفة منذ منتصف نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، لكن من المرتقب بدء عودتهم خلال الأيام القليلة المقبلة".
كوبيتش يجمع الدعم
في المقابل، اختتم المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى ليبيا، ورئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، يان كوبيش، زيارة رسمية لمدة يومين إلى برلين، في إطار جولته الدولية الهادفة إلى تعزيز دعم المجتمع الدولي لليبيا بما في ذلك دعم السلطة التنفيذية الجديدة المؤقتة.
ونشرت البعثة الأممية في بيان، نتائج الزيارة قائلة، إن "كوبيتش التقى خلالها عددا من المسؤولين الألمان على رأسهم وزير الخارجية، هايكو ماس، وحث الطرفان جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة على الوفاء بالتزاماتها التي تعهدت بها خلال مؤتمر برلين".
وذكر البيان أن "المبعوث الأممي ووزير الخارجية الألماني اتفقا على ضرورة الإسراع في تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار، بما في ذلك انسحاب المرتزقة والقوات الأجنبية، واحترام حظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة".
وتعهدت برلين بحسب البعثة بـ"دعم السلطات التنفيذية الجديدة، وضمان التنفيذ الكامل لاتفاق وقف إطلاق النار، وصولاً لإجراء الانتخابات الوطنية في 24 ديسمبر (كانون الأول) المقبل، على النحو المنصوص عليه في خريطة طريق ملتقى الحوار السياسي الليبي".
زخم طبيعي
ويرى الصحافي الليبي عمر الجروشي، أن "التحركات الدولية المتسارعة لدعم واستثمار المكاسب التي تحققت بالمسار السياسي الليبي، أخيراً، أمر طبيعي، باعتبار الأزمة الليبية في السنوات الأخيرة تجاوزت النطاق المحلي، وأصبحت أزمة دولية بامتياز مع تدخل كثير من اللاعبين الدوليين والإقليميين في سياقها".
يضيف، "يكفي أن نتذكر أن سفينتين، واحدة فرنسية وأخرى تركيا، كانتا على وشك الاحتكاك ببعضهما البعض عسكرياً في مياه المتوسط، بسبب خلافات حول الأزمة الليبية، وبالتالي تعزيز السلام الليبي هو تعزيز للسلم الدولي، بعد أن أصبحت أزمة ليبيا من معاول زعزعتها في السنوات الأخيرة، في البحر المتوسط على الأقل".