عادت القبضة الحديدية بين واشنطن وبكين لتتخذ من الجزائر ساحة لمعركتهما، حيث تشعل قضية مسلمي الإيغور "حرب" بيانات بين سفارتي البلدين في الجزائر التي تلتزم الصمت، على الرغم من أنها باتت في صلب "التوتر" بعد إقحامها ضمنياً في الصراع.
ويتساءل الشارع عن الأسباب التي جعلت الصين والولايات المتحدة تتخذ من الجزائر مسرحاً لحربهما "الباردة"، بعد تبادل البيانات "المتوترة" بين سفارتيهما على خلفية تنظيم السفارة الأميركية جلسة نقاش لمتابعيها، مع روشان عباس، ناشطة من الإيغور مقيمة في الولايات المتحدة، قدمتها بصفة "المديرة التنفيذية في منظمة الحملة من أجل الإيغور"، ومنحت اللقاء عنوان "أين أختي؟ قصة إيغور أميركية تبحث عن العدالة"، الأمر الذي أثار حفيظة الصين التي علقت على الخطوة عبر تمثيليتها الدبلوماسية بالجزائر.
وقالت السفارة الصينية، في منشور لها على موقع "فيسبوك"، إن "السفارة الأميركية في الجزائر استضافت مواطنة أميركية قد غادرت الصين منذ أكثر من 20 عاماً، وتحصل على أموال من الحكومة الأميركية، وتتمتع بخبرة وافرة بالتعاون مع عدة وزارات ووكالات استخبارات أميركية كضيفة رئيسية لأنشطتها، فقصدها واضح جداً"، مضيفة أنه وفقاً لتقارير سابقة من موقع "المنطقة الرمادية" الأميركية، وغيرها من وسائل الإعلام الأميركية، فإن الضيفة روشان عباس، تعد الناشطة المفضلة في مجال حقوق الإنسان لوكالة الأمن القومي الأميركية، وأشارت إلى أن منظمة "حركة الإيغور" التي أسستها روشان عباس، هي "منظمة يمينية يمولها الكونغرس الأميركي والصندوق الوطني للديمقراطية الأميركي، سعياً لتخريب الصين".
وجاء في تعليق السفارة الصينية، أنه "كان ينبغي أن تركز السفارة الأميركية على تعزيز التعاون مع الدولة التي تعمل فيها الجزائر، لكنها دائماً ما تفكر في كيفية تشويه سمعة الدول الأخرى، والتدخل في شؤونها الداخلية، إنه أمر محير"، وختمت أنه "لم ننسَ مقولة مشهورة لوزير الخارجية الأميركي السابق مايك بومبيو، نحن نكذب، ونخدع، ونسرق، ولدينا دروس خاصة لتعليمها، فكيف يمكننا أن نصدق كلام للسيدة روشان عباس، وهي مفضلة لدى وكالة الأمن القومي الأميركية؟".
في المقابل، أكد المتحدث باسم سفارة الولايات المتحدة الأميركية بالجزائر، خالد ولفسبرغ، في تصريح إلى "اندبندنت عربية"، أن "بلاده تتطرق بانتظام لانتهاكات حقوق الإنسان، وترقي الحرية الدينية في جميع أنحاء العالم".
وشدد أنه في 22 مارس (آذار) الحالي، "دعت الولايات المتحدة إلى إنهاء قمع الإيغور، وهم في الغالب مسلمون، وأعضاء الأقليات العرقية والدينية الأخرى في شينغيانغ". وقال ولفسبرغ، "كانت المناقشة على الإنترنت عبر مواقع التواصل الاجتماعي لسفارة الولايات المتحدة بالجزائر حول الإيغور، واحدة من مناقشات عدة مماثلة حول العالم".
كبح جماح الصين في الجزائر
وتعليقاً على اتخاذ واشنطن وبكين للجزائر كساحة لمعركتهما، أبرز أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، مبروك كاهي، في تصريح لـ"اندبندنت عربية"، أن الأمر متعلق بخروج الصين عن حدودها التقليدية - بحر الصين الجنوبي - واقترابها من الضفة الأطلسية الغربية عبر محور طريق الحرير، الذي تعتبر الجزائر إحدى دعائمه عبر ميناء الحمدانية بشرشال، في وسط البلاد، موضحاً أن حرب البيانات دليل على محاولة أميركا التأثير على هذا المحور بافتعال قضية حقوق الإنسان المتعلقة بمسلمي الإيغور، على الرغم من أن موقف الجزائر واضح ومبني على احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية.
وتابع كاهي أن أميركا تريد كبح جماح الصين في الجزائر من خلال محاولة التأثير وجرها للعبة البيانات "لكن باعتقادي أن صانع القرار في الجزائر له من الحكمة ما يجعله ينأى بنفسه من الدخول في معركة بيانات، ويحافظ على تشبيك العلاقات بين الصين اقتصادياً وأميركا أمنياً"، مبرزاً أن "مسألة الإيغور تناقش في مجلس حقوق الإنسان بجنيف في إطار السيادة الصينية، والجزائر مع حقوق الإنسان وضد توظيف هذا الحق لضرب مصالح دول أو تنفيذ استراتيجيات خفية". وقال إن علاقة الجزائر مع أميركا هي سيئة، خصوصاً بعد إعلان الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب الاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء الغربية، وتماطل الإدارة الحالية في إعلان موقفها بشكل جدي.
إزعاج وانزعاج
المدير التنفيذي لمنظمة "صوت حر" الحقوقية، ومقرها جنيف، محمد خدير، رأى في تصريح لـ"اندبندنت عربية"، أن ما يحدث يكشف عن ترويج واشنطن لفكرة "الصينيون يكرهون المسلمين"، وهي تستهدف إزعاج الصين في الجزائر بزحزحة مكانتها الاقتصادية ليس إلا، مشيراً إلى أن هناك معركة اقتصادية وجيواستراتيجية في الجزائر، خاصة أن الولايات المتحدة منزعجة من منحى التسلح الجزائري في ظل ما تقدمه الصين من قطع ومعدات متطورة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ليست المرة الأولى
ليست المرة الأولى التي تكون فيها الجزائر إحدى ساحات المعركة الأميركية الصينية، حيث عرف شهر ديسمبر (كانون الأول) 2020، أزمة بين البلدين بلغت حد تبادل التهم حول اضطهاد المسلمين، بعد أن نقلت السفارة الأميركية على "فيسبوك"، مقالاً من موقع "شير أميركا" التابع لوزارة الخارجية الأميركية، جاء فيه "أخبر اثنان من أصحاب المطاعم الأميركية الموقع حول الوجبات التي يقدمانها، وكيف يقومان بتوعية الزبائن أيضاً حول الاضطهاد المستمر، الذي يمارسه الحزب الشيوعي الصيني منذ عقود، ضد طائفة الإيغور في مقاطعة شينجيانغ في الصين".
وردت السفارة الصينية، أنه وفقاً لبيانات الاستطلاع التي أصدرها مركز "بيو" للأبحاث الأميركي، هناك 75 في المئة من المسلمين الأميركيين يشددون على أن التمييز العنصري موجود وبشكل خطير ضد المسلمين في المجتمع الأميركي، موضحة أن تجاهل الحقائق وتشويه سمعة الآخرين لخدمة الأهداف الذاتية وزرع بذور الشقاق، أمر يأتي بالأضرار، ونثق بأنه محكوم عليه بالفشل، واعتبرت أن التصرف مسيء، ويعتبر تدخلاً في شؤون الصين الداخلية.
الأمم المتحدة
وفي أغسطس (آب) عام 2018، أفادت لجنة حقوقية تابعة للأمم المتحدة بأن الصين تحتجز نحو مليون مسلم من الإيغور في معسكرات سرية بتركستان الشرقية، غير أن الصين عادة ما تقول إن المراكز التي يصفها المجتمع الدولي بـ"معسكرات اعتقال"، إنما هي "مراكز تدريب مهني، ترمي إلى تطهير عقول المحتجزين فيها من الأفكار المتطرفة".
وتفيد إحصاءات رسمية بوجود 30 مليون مسلم في الصين، منهم 23 مليوناً من الإيغور، فيما تقدر تقارير غير رسمية عدد المسلمين بقرابة 100 مليون.
بين دعم بكين والتضامن مع الإيغور
وقامت 37 دولة من بينها الجزائر، في يوليو (تموز) 2019، بتوجيه رسالة إلى الأمم المتحدة تدعم فيها بكين، وذلك رداً على رسالة مماثلة وجهتها 22 دولة غالبيتها غربية، تهاجم فيها سياسة الصين في إقليم شينجيانغ، وحملت الرسالة التي كشفت عنها الصين في اليوم الأخير من الدورة الـ41 لمجلس حقوق الإنسان في جنيف، أن الدول الموقعة "أخذوا علماً بالأضرار الهائلة التي تسبب بها الإرهاب والتوجه الانفصالي والتطرف الديني لكل المجموعات الإثنية في شينجيانغ"، وتابعت أنه "في مواجهة التحدي الخطير للإرهاب والتطرف، اتخذت الصين سلسلة إجراءات لمكافحة الإرهاب والتطرف في شينجيانغ، وخصوصاً عبر إنشاء مراكز تعليم وتدريب مهنية"، مشددة على أن "الأمن عاد إلى المنطقة".
وفي حين عبرت الجزائر الرسمية عن دعمها للصين لعدة اعتبارات، تتضامن أحزاب وجمعيات خاصة من التيار الإسلامي، مع مسلمي الإيغور في إقليم شينجيانغ.
وفي السياق، أشار أستاذ القانون الدولي إسماعيل خلف الله، في تصريح لـ"اندبندنت عربية"، إلى أن تعاطي وتفاعل السلطة والهيئات الأخرى، وخاصة الأحزاب وجمعية العلماء المسلمين الجزائريين، مع موضوع الإيغور، قد بلغ حد توجيه رسائل للسفير الصيني بالجزائر بهذا الخصوص، وقد يكون هذا السبب الرئيس لاتخاذ الجزائر ساحة حرب البيانات بين واشنطن وبكين، مستبعداً لجوء السلطة الجزائرية إلى إصدار بيان بخصوص ذلك، لأن التراشق بين السفارتين على "فيسبوك"، يدخل ضمن النشاط العادي لكل سفارة موجودة بالجزائر.