كشفت دائرة المحاسبات (جزء من السلطة القضائية)، أن تونس ستسدد، بداية من عام 2021 وحتى عام 2025، دفعات قروض بقيمة ألف مليون دولار سنوياً، وهو ما يعكس معضلة الدين الخارجي، الذي تورطت فيه الحكومات المتعاقبة في البلاد بعد 2011.
مؤشرات مخيفة
وتقدر الإحصائيات، نصيب كل فرد تونسي، من الديون الخارجية، للدولة، في حدود ثمانية آلاف دينار، (2.6 ألف دولار)، ومن المتوقع أن تبلغ نسبة المديونية وفق مشروع قانون المالية لعام 2021، نسبة 90 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، أي حوالى 100 مليار دينار (30.3 مليار دولار).
وتحتاج تونس هذا العام (2021)، حوالى 6.5 مليار دولار من القروض، بينها قروض خارجية في حدود 4.5 مليار دولار، وقروض داخلية في حدود ملياري دولار.
وتكشف هذه المؤشرات حجم الأزمة المالية، التي تتخبط فيها البلاد، وهو ما دفع عدداً من المختصين في الاقتصاد، إلى دق ناقوس الخطر، محذرين من إفلاس الدولة وانتهاك سيادتها الوطنية.
تداعيات كارثية
في هذا الوقت، اعتبر وزير المالية السابق حسين الديماسي لـ"اندبندنت عربية" أن الإجراءات التي كان من الممكن اتخاذها للتحكم في المديونية قد تأخرت كثيراً، وأصبح من الصعب اتخاذها الآن، للتعاطي مع التداعيات الكارثية للدين، مشيراً إلى تنامي النفقات العمومية للدولة التونسية، على حساب الاستثمار، واستبعد أن تستعيد المالية العمومية عافيتها وتوازنها، باعتبار تراكم الديون القديمة داعياً إلى صياغة برنامج واضح، من خلال إرادة سياسية للتحكم في هذا النزيف، وترشيد النفقات من أجور ونفقات الدعم.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتساءل الديماسي عن كيفية تعبئة موارد موازنة الدولة هذا العام، لافتاً إلى أن تونس في حال إفلاس غير معلنة، إذا ما تواصل الوضع كما هو عليه الآن، ومن دون الدخول في إصلاحات قوية. وخلُص وزير المالية السابق، إلى أن عدم الاستقرار السياسي عمق أزمة تونس الاقتصادية، مشيراً إلى وجود الكفاءات القادرة على وضع برنامج للإنقاذ الاقتصادي، والتفاوض مع الجهات المانحة لإعادة النظر في حجم الديون.
استنفار اقتصادي
من جهته، رأى الباحث وأستاذ الاقتصاد في الجامعة التونسية آرام بالحاج أن التداين يمثل معضلة كبيرة، بعد أن وصلت تونس إلى المؤشرات الخطيرة، محذراً من سيناريوهات مخيفة، ولافتاً إلى أن الطبقة السياسية غير واعية لخطورة الوضع، وهي مستمرة في صراعاتها في ظل غياب حوار وطني سياسي اقتصادي واجتماعي جدي، وشدد على أن التأخر في إعداد قانون مالية تكميلي، دليل على تخبط الحكومة، وعدم قدرتها على مسايرة الوضع، وإيجاد حلول جذرية لمشكلات الاقتصاد والمالية العمومية، بينما شبح الإفلاس يطل برأسه.
ودعا بالحاج إلى حال "استنفار اقتصادي"، والدخول في عملية إصلاح عميقة يكون لها ثمن سياسي باهظ من خلال تجميع كل القوى الوطنية حول رؤية اقتصادية واضحة عبر حوار وطني يمكن تونس من الخروج من الأزمة والتحكم في التداين، وتتمحور مخرجاته حول التسريع في جلب اللقاح لإنقاذ الموسم السياحي، وإعداد خطة لاستقطاب تحويلات التونسيين في الخارج، والدخول في مفاوضات مع الشركاء، بقصد تحويل جزء من الديون إلى استثمارات.
ودعا أيضاً إلى تنشيط الاقتصاد الوطني، وإرساء هدنة اجتماعية مقابل التعهد بتجميد الأسعار، ثم الانطلاق الجدي في عملية الإصلاح، بدءاً بمنظومة الدعم، ومروراً بالمؤسسات العمومية وصولاً إلى النظام الجبائي، والإدارة العمومية.
تونس في حال إفلاس غير معلنة
وعبرت الصحافية المختصة في الشأن الاقتصادي جنات بن عبدالله عن أن الدولة التونسية في حال إفلاس غير معلنة، مشيرة إلى أنها فرطت في قرارها الوطني، وفي سيادتها الوطنية، من خلال ارتهانها إلى الخارج، وتحديداً إلى الجهات المانحة، مع تجاوز حجم التداين الخارجي مستويات غير مسبوقة، وأكدت بن عبدالله، أن تونس، لم تُحسن التعاطي مع جائحة كورونا، لافتة إلى أنه كان من الأجدر، التخلص تدريجاً من التداين الخارجي، والتعويل على الموارد الذاتية، وتقليص العجز، وتدعيم الاستثمار، من خلال التخفيض في نسبة الفائدة، وعبرت عن تخوفها من أن تعجز الدولة التونسية عن تسديد التزاماتها المالية مع الجهات المانحة، أو تلتجئ لتسديد ديونها على حساب النفقات الأساسية للدولة، أو ربما تقليص أجور الموظفين، وتخفيض الدعم على المواد الأساسية والمحروقات، وبالتالي المس من المقدرة الشرائية للمواطن التونسي المتدهورة أصلاً.
تخطي الصعوبات
وكان رئيس الحكومة هشام المشيشي أكد في أكثر من مناسبة أن تونس قادرة على تخطي كل الصعوبات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي تمر بها حالياً إذا تم وضع مصلحة البلاد فوق كل اعتبار.
كما سبق وأكد وزير الاقتصاد والمالية ودعم الاستثمار علي الكعلي أن وضعية المالية في تونس صعبة منذ سنوات، مضيفاً، "على الرغم من صعوبة الوضع المالي، فإن مداخيل الدولة ودفوعاتها تسير بصفة طبيعية، وفق ما جاء في قانون المالية لعام 2021".
وعجزت الحكومات المتعاقبة على ابتكار حلول جديدة تُغني البلاد عن تبعات الدين الخارجي في وقت تتكدس الديون الخارجية على الدولة، أصلاً وفوائد، وسط حال من عدم الاستقرار السياسي، والركود الاقتصادي.