في خطوة قد تُفاقم الأزمة السياسية في تونس، وتعمق الهوة بين الرئاسات الثلاث، أبلغ رئيس الجمهورية قيس سعيد عبر رسالة رئيس البرلمان راشد الغنوشي رفضه التوقيع على التعديلات التي أدخلها البرلمان على قانون المحكمة الدستورية. واستند سعيد إلى جملة من الحجج القانونية، أهمها المتعلقة بالمواعيد الدستورية.
ورفضُ سعيد التوقيع على هذه التعديلات وإرجاعها إلى البرلمان لإعادة النظر فيها، قد يؤخر تركيز المحكمة الدستورية في تونس، التي أخفق البرلمان خلال السنوات الماضية في انتخاب أعضائها بسبب التجاذبات والصراعات السياسية.
وتباينت المواقف إزاء قرار رئيس الجمهورية، فهناك من اعتبر أنه يعمق الأزمة السياسية، في مقابل من يرى أن رئيس الجمهورية مارس صلاحياته الدستورية في تأويل الدستور.
التلاعب بالمحكمة الدستورية
يؤكد المتخصص في القانون الدستوري، رابح الخرايفي، أن "من حق رئيس الجمهورية الرد"، إلا أنه يعتبر أن "أسس الرد ضعيفة لأنه اعتمد على الفصل 148 من الدستور، الذي ينص على ضرورة تركيز المحكمة الدستورية خلال سنة من الانتخابات، أي سنة 2015". ويصف الخرايفي ذلك باللوم وليس بالرد.
ويشير الخرايفي إلى استعمال رئيس الجمهورية في رده عبارتي "علمياً" و"غير بريء"، موضحاً أن عبارة "علمياً" لا تُستعمل في القانون الدستوري. ويلفت إلى أن "رئيس الجمهورية يخاطب البرلمان وليس الطلبة في الجامعة". أما "تأويل" عبارة "غير بريء" فيدخل "في باب النيات".
وفي إجابة عن سؤال حول إمكانية امتناع رئيس الجمهورية من ترشيح أعضاء المحكمة التي خولها له الدستور، أو رفضه ختم القانون المتعلق بإحداث المحكمة، يؤكد الخرايفي أن ذلك إن وقع فهو تعطيل للقوانين.
ويعتقد الخرايفي أن "سعيد مستفيد من عدم وجود المحكمة الدستورية، بعدما كان الائتلاف الحاكم لفترة مدتين نيابيتين مستفيداً من غيابها". ويلفت إلى أن "رئيس الجمهورية، في ظل غموض النصوص القانونية، هو من يؤول الدستور، وهي القراءة التي لها صبغة ملزمة لمؤسسات الدولة".
ويتوقع الخرايفي "استفحال الأزمة حتى بمصادقة مجلس نواب الشعب على بقية أعضاء المحكمة"، مشيراً إلى إمكانية رفض رئيس الجمهورية تركيبتها لعدم احترامها مبدأ التناصف (بين الرجال والنساء)، وهو مبدأ دستوري".
صلاحية دستورية
في المقابل، تعتبر أستاذة القانون العام وعضو الجمعية التونسية للقانون الدستوري، هناء بن عبدة، أن "رئيس الجمهورية مارس صلاحياته الدستورية، بحسب الفصل 81 من الدستور في رد مشروع تعديل قانون المحكمة الدستورية، وهو ما يعني أنه ليس راضياً على هذا التعديل بالنزول بانتخاب أعضاء المحكمة الدستورية إلى ثلاثة أخماس عوض الأغلبية الحالية، وهي الثلثان".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتضيف أن "رئيس الجمهورية ارتكز على المواعيد الدستورية، لتركيز المحكمة"، معتبرة ذلك خرقاً للدستور من جانب البرلمان، خصوصاً أنه تم في فترة سابقة انتخاب عضو أول للمحكمة الدستورية، وبقي ثلاثة أعضاء على البرلمان انتخابهم.
وتلفت إلى أن "رئيس الجمهورية رفض انتخاب بقية الأعضاء على أساس قانون جديد مختلف عن القانون الأول، الذي بمقتضاه تم انتخاب العضو الأول للمحكمة الدستورية".
وتعتقد بن عبدة أنه "كان في إمكان رئيس الجمهورية الطعن في تنقيح قانون المحكمة أو ممارسة حق الرد، وقد خير حق الرد"، مؤكدة أنه دعا البرلمان إلى انتخاب جميع أعضاء المحكمة الدستورية بالقانون نفسه".
وتستبعد بن عبدة أن يمتنع رئيس الجمهورية عن ختم قانون المحكمة الدستورية بعد استكمال انتخاب أعضائها، أو أن يرفض تعيين بقية الأعضاء وفق ما ينص عليه الدستور.
وفي توصيفها للوضع الراهن قالت بن عبدة، "نحن لسنا في أزمة باعتبار أن حق الرد متاح دستورياً"، معتبرة "أن الغاية من رد سعيد هو تعزيز الأغلبية لمرور القوانين".
الخلافات تعصف بالمحكمة
وكان البرلمان صادق على مشروع قانون أساسي يتعلق بتنقيح وإتمام القانون الأساسي المتعلق بالمحكمة الدستورية.
ولجأ البرلمان إلى إدخال تعديلات على قانون المحكمة بعدما فشل خلال ثمان مناسبات في استكمال انتخاب أعضائها، إذ انتخب عضواً واحداً من أصل أربعة جراء خلافات سياسية.
والمحكمة الدستورية هي هيئة قضائية وقع إقرارها بموجب دستور 2014، وتتكون من 12 عضواً، أربعة منهم ينتخبهم البرلمان، وأربعة يختارهم المجلس الأعلى للقضاء، (مؤسسة دستورية مستقلة)، وأربعة أعضاء يعينهم رئيس الجمهورية.
وتراقب المحكمة مشاريع تعديل الدستور والمعاهدات ومشاريع القوانين والنظام الداخلي للبرلمان، وتبت في استمرار حالات الطوارئ والنزاعات المتعلقة باختصاصي الرئاسة والحكومة.
فصل جديد تشهده الأزمة السياسية في تونس بعد إرجاع مشروع قانون تعديل المحكمة الدستورية إلى البرلمان من قبل رئيس الجمهورية، ووسط توازنات هشة في البرلمان، مما قد يحول من دون استكمال انتخاب بقية الأعضاء بالأغلبية المعززة التي يطالب بها رئيس الجمهورية، وهو ما سيفتح الباب أمام تعقيدات سياسية أخرى في البلاد.