انتقد العشرات من المشرعين الأوروبيين في بروكسل جهود الصين لـ "إسكات" النقاد الأوروبيين من خلال العقوبات، وتعهدوا بعرقلة صفقة الاستثمار بين الجانبين، بينما تظل الإجراءات سارية.
وفي مناظرة داخل البرلمان الأوروبي الأربعاء الماضي، ندد أكثر من 30 عضواً بالعقوبات التي فرضتها بكين الشهر الماضي، وهي تحركات استهدفت مجموعة من المسؤولين المنتخبين والسفراء والأكاديميين ومراكز الفكر، وحذروا الصين من أن صفقة الاستثمار "مجمدة". كما استهدف المشرعون مسؤولي المفوضية الأوروبية، لزعمهم بأنهم أعطوا الأولوية للعلاقات التجارية مع ثاني أكبر اقتصاد في العالم على حساب حقوق الإنسان.
وتبدو اتفاقية الاستثمار الموقعة في ديسمبر (كانون الأول) من قِبل قادة الصين وأوروبا، كأنها في حالة من الموت السريري مع تعالي أصوات المشرعين الرافضين لها في الكتلة الأوروبية.
ولا تزال الاتفاقية بانتظار مصادقة البرلمان الأوروبي عليها، وهي عملية من المفترض أن تبدأ في 2022. كما تحتاج إلى المصادقة عليها أيضاً من قبل مجلس الاتحاد الأوروبي ورؤساء جميع الدول الأعضاء البالغ عددها 27 دولة.
ومع ذلك، أشارت المحادثات الخاصة مع العديد من الدبلوماسيين من الدول الأعضاء إلى أن قياداتهم لن يكون لها تفويض للترويج للاتفاقية في عواصمهم في أي وقت قريب. وقال دبلوماسي أوروبي لصحيفة "ساوث تشاينا مورننغ بوست": "أي شيء يتعلق بالصين يصبح من الصعب بشكل تلقائي بيعه في الداخل هذه الأيام".
وقال إيمانويل موريل، من اليسار الجناح الفرنسي عضو البرلمان الأوروبي، في بيان، "علينا أن نُظهر ولمرة واحدة وإلى الأبد أن الاتحاد الأوروبي ليس مجرد سوبر ماركت، لكن لديه مبادئ". وأضاف في البيان الذي بدا وكأنه يستهدف مسؤولي الاتحاد بقدر ما يستهدف المسؤولين الصينيين: "علينا أن نتوصل إلى بعض الإجراءات الملموسة، وهذا يعني أننا بحاجة إلى رفض اتفاقية الاستثمار".
مشكلات العالم لن تُحل من دون الصين
في بداية النقاش، قال كبير الدبلوماسيين في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، إنه يقف "متضامناً تماماً" مع أعضاء البرلمان المعتمدين، لكنه كرر الحاجة إلى التعامل مع بكين على جبهات متعددة. وقال "من دون الصين، لا يمكن مواجهة التحديات العالمية بشكل فعّال، مثل معالجة تغير المناخ والوباء، وكذلك الاتفاق النووي مع إيران وأزمة ميانمار"، مردداً المشاعر التي أعرب عنها كبار قادة الدول الأعضاء في الاتحاد خلال الأسابيع الأخيرة، بما في ذلك أنغيلا ميركل من ألمانيا وإيمانويل ماكرون من فرنسا.
لكن البرلمانيين لم يكونوا في حالة مزاجية للدبلوماسية الخفيفة، فيما كانت فرصتهم الأولى لمناقشة العقوبات منذ وضعها موضع التنفيذ. وأعلنت معظم الأحزاب الرئيسية في البرلمان رسمياً أنها لن تدعم الصفقة مع استمرار العقوبات. حتى مع دعم أكبر حزب، وهو "الشعب الأوروبي" المؤيد للأعمال التجارية، على الرغم من أنه منقسم في دعمه في ضوء العقوبات الصينية على شخصيات برلمانية أوروبية.
واستهدف انتقام الصين من العقوبات المنخفضة المستوى التي فرضها الاتحاد الأوروبي في مارس (آذار) المسؤولين المُنتخبين الذين انتقدوا سجلاتها في مجال حقوق الإنسان، فضلاً عن الباحثين ومراكز الفكر والأكاديميين. وقال رئيس لجنة التجارة الدولية بالبرلمان، بيرند لانج من ألمانيا، "من الواضح تماماً أن اتفاقية الاستثمار الشامل ستبقى على الجليد فترة طويلة في ذلك الوقت".
ويقف أعضاء البرلمان الأوروبي في جبهة موحدة في انتقاد سجل الصين في مجال حقوق الإنسان. وقالت ماريا أرينا، وهي عضوة اشتراكية في البرلمان الأوروبي من بلجيكا: "إذا تعذر مناقشة الحقوق المؤيدة للديمقراطية في هونغ كونغ أو تايوان في هذا البرلمان، فلا يمكن مناقشة أي شيء فيه".
وأضافت نائبة رئيس اللجنة الفرعية لحقوق الإنسان في البرلمان هانا نيومان، "إن بكين فرضت عقوبات على اللجنة الفرعية لحقوق الإنسان، وهي خطوة تقيد الوصول إلى بعض الشهود الذين يخشون أن يواجهوا عقوبات من بكين".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتابعت نيومان، وهي ألمانية، "هذا نظام يطلق النار بشكل تعسفي ببندقيّة تستهدف حريتنا في التعبير والبحث وكذلك حقوقنا كأعضاء في البرلمان، لذلك عندما يتعلق الأمر بالاتفاقية أو الاستثمار الذي تريدنا الصين أن نصدق عليها، فقد نتمكن من مناقشة البعد الاقتصادي بشكل مطول، لكن بكين منعتنا من مناقشة آثارها على حقوق الإنسان، ولست على استعداد للسماح لدولة أجنبية تملي عليّ كيفية القيام بعملي".
وبحسب موقع المفوضية الأوروبية، يعد الاتحاد الأوروبي والصين من أكبر المتداولين في التجارة على مستوى العالم. وتعتبر بكين اليوم ثاني أكبر شريك تجاري للكتلة الأوروبية بعد الولايات المتحدة.
ويبلغ متوسط حجم التجارة بين الجانبين أكثر من مليار يورو (1.2 مليار دولار أميركي) في اليوم. وتتمثل واردات الاتحاد الأوروبي الرئيسية من الصين في السلع الصناعية والاستهلاكية والآلات والمعدات والأحذية والملابس، في حين تشكل الآلات والمعدات، والسيارات، والطائرات، والمواد الكيماوية صادرات الاتحاد الرئيسية إلى الصين.
وتبلغ التجارة بينهما في الخدمات أكثر من 10 في المئة من إجمالي التجارة في السلع، أما صادرات الاتحاد من الخدمات فتحتل 19 في المئة من إجمالي صادرات الكتلة من السلع. وعلى رغم التزام الكتلة بفتح علاقات تجارية مع بكين، مع ذلك، يريد الاتحاد التأكد من أن الصين تتاجر بشكل عادل، وتحترم حقوق الملكية الفكرية، وتفي بالتزاماتها كعضو في منظمة التجارة العالمية.
وقال أحد أعضاء البرلمان الأوروبي من الخاضعين للعقوبات الصينية، رافائيل جلوكسمان من فرنسا، للبرلمان إنه "يواجه خياراً صارخاً بشأن المصالح التجارية مقابل مخاوف حقوق الإنسان". وأضاف: "هل سنكون أحراراً أم لا؟ هل سيكون منزلنا الأوروبي سيادياً، أو أن يكون برلماناً ممسحة، يقوم الطاغية بتنظيف حذائه به، بجيوب مليئة بالمال".
في غضون ذلك، رفض أنطونيو لوبيز إستوريز وايت من إسبانيا، الأمين العام لحزب الشعب الأوروبي، اللجهة التي تحدث بها بعض أعضاء البرلمان الأوروبي عن الصين حيث قال: "نحن، أعضاء البرلمان الأوروبي والذين يجلسون معنا، ويتحدثون بشكل نقدي عن الصين، فإن استخدام ألفاظ الممسحة والدواسة الخلفية سيكون إهانة للحقوق التي ندافع عنها في هذه القاعة".
مزيد من العقوبات
حدث الجدل مع استمرار تصاعد التوترات بين الاتحاد الأوروبي والصين، فبعد انضمام الاتحاد الأوروبي إلى بريطانيا وكندا والولايات المتحدة في معاقبة المسؤولين الصينيين ذوي الرتب المتوسطة في ما يتعلق بانتهاكات حقوق الإنسان المزعومة في شينجيانغ، عادت بكين بفرض عقوبات انتقامية كاسحة على المسؤولين الأوروبيين. والمنظمات. ويطالب المشرعون في الاتحاد الأوروبي، وكذلك في بريطانيا والولايات المتحدة وحلفاء آخرين، بفرض مزيد من العقوبات على المسؤولين الصينيين رداً على العقوبات الصينية المضادة.
وفي مارس (آذار)، أرسلت مجموعة من أعضاء البرلمان الأوروبي رسالة إلى كبير الدبلوماسيين في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، تطالب فيها "بفرض عقوبات على قادة هونغ كونغ، بدعوى انتهاكهم المستمر للحريات الأساسية المكفولة بموجب كل من القانون الأساسي والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية".
وأمس الأربعاء، أرسلت مجموعة من أعضاء البرلمان الأوروبي رسائل إلى الممثلين الدائمين العشرة لدى الاتحاد الأوروبي من الدول الأعضاء التي تحافظ على معاهدات تسليم المجرمين مع بكين، تحثهم فيها على وقف تسليم المجرمين إلى الصين، لكن الشكوك لا تزال قائمة بشأن ما إذا كانت الكتلة الأوروبية يمكن أن تقنع الدول الأعضاء بالالتزام بالعقوبات الأخرى.
قبل أسبوعين، أوقف أقرب حليف للصين في الاتحاد الأوروبي، المجر، الإجراءات الجديدة التي كانت ستشهد تعليق معاهدات تسليم المجرمين المتبقية مع البر الرئيسي، إضافة إلى قرارات لإنشاء مسارات للإقامة في الاتحاد الأوروبي لأهالي هونغ كونغ والطلاب "المؤهلين تأهيلاً عالياً". وقالت عضو البرلمان المجري كاتالين تشيه في المناظرة إن زعيم المجر فيكتور أوربان، كان "حصان طروادة" لـ "وحشية النظام الصيني".