أبقى مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الأميركي) أسعار الفائدة من دون تغيير أمس الأربعاء، ضمن نطاق 2.25- 2.50%، للمرة الثالثة خلال 2019، مع انحسار قلق صناع السياسة بشأن استمرار نمو الوظائف والنمو الاقتصادي في الولايات المتحدة، وهو ما يبقي على الأمل في أن التضخم الضعيف سيرتفع.
ووفقا لوكالة "رويترز"، فقد ذكر المركزي، في بيان "في ضوء التطورات الاقتصادية والمالية وانحسار الضغوط التضخمية فإن اللجنة صانعة السياسة النقدية لمجلس الاحتياطي ستكون صبورة في تقرير زيادات الفائدة مستقبلا". وقال صانعو السياسة النقدية في مجلس الاحتياطي إن "الاقتصاد في وضع جيد مع استمرار النمو الاقتصادي ونمو الوظائف، وإن زيادة محتملة في التضخم لا تزال (النتيجة الأكثر ترجيحا)، بينما يقترب النمو في أميركا من عامه العاشر".
وأضاف البيان "لا تزال سوق العمل قوية، حيث ارتفع النشاط الاقتصادي بمعدل قوي في الأسابيع القليلة الماضية". ويأتي بيان المركزي الأميركي بعد يوم من دعوة الرئيس دونالد ترمب له إلى خفض أسعار الفائدة بمقدار نقطة مئوية كاملة واتخاذ خطوات أخرى لتحفيز الاقتصاد.
عدم رفع الفائدة استجابة ضمنية لطلب ترمب
وقال محمد مهدي، خبير الأسواق العالمية في دبي في اتصال معه، إن عدم رفع الفائدة الأميركية كان استجابة ضمنية لطلب الرئيس الأميركي دونالد ترمب بعدم رفع الفائدة على الدولار، لافتاً إلى أن "هذا هو النهج الذي يستمر حتى الآن لدعم توازنات ترمب الاقتصادية بالأساس من دولار غير مبالغ في قوته وأسعار نفط تحت السيطرة".
وتوقع الخبير "استمرار هذه السياسة حتى الربع الثالث من العام الحالي وينعكس إيجابيا على المدى المتوسط بالاستقرار الاقتصادي على دول الخليج التي تربط عملتها بالدولار الأميركي، ما لم تتغير المعطيات الجيوسياسية الحالية مثل التوترات مع إيران". وأفاد بأن "أواخر عام 2018 نشب خلاف حاد بين جيروم باول رئيس الفيدرالي الأميركي وترمب بشأن ارتفاع معدلات الفائدة على الدولار، مع دعوة ترمب لخفضها حتى لا تفسد وفورات الإصلاحات الضريبية التي يقدمها لمواطنيه".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأشار إلى "أن باول اعتبر ذلك تدخلاً في استقلالية الفيدرالي، بل وكشف عن سعي ترمب لإقالته"، مضيفا "سرعان ما هدأت العاصفة بين الرجلين ليخرج باول في 4 يناير (كانون الثاني) 2019 معلنا تحلي الفيدرالي بالصبر وعدم التعجل في رفع الفائدة، وهو ما أسهم بقوة في تدفق السيولة المالية إلى كافة الأسواق العالمية بخاصة الناشئة منها ".
وفي سياق متصل، قال الخبير الاقتصادي إن "الأسواق العالمية التي تتداول قرب قممها التاريخية فقد شهدت نتائج فصلية للربع الأول لم تدعمها كثيراً في ظل الشدّ والجذب في ملفات الحرب التجارية وبريكست وتباطؤ النمو العالمي". وأكد أن "الأسواق تنتظر شكل الاتفاق التجاري التاريخي بين الولايات المتحدة والصين، لتقوم بتسعيره وقياس أثره على الاقتصاد العالمي ككل".
وفي اجتماعه الذي استمر يومين، قرر مجلس الاحتياطي خفض الفائدة التي يدفعها للبنوك على فائض الاحتياطيات إلى 2.35% من 2.40%، في محاولة لضمان استمرار سعر الإقراض الأساسي لليلة واحدة، سعر فائدة الأموال الاتحادية، في النطاق الحالي المستهدف.
مبعث القلق الرئيسي بالمستوى الحالي "الضعيف" للتضخم
ويتمثل مبعث القلق الرئيسي في بيان المركزي الأميركي في المستوى الحالي "الضعيف" للتضخم، الذي يواصل الهبوط دون المستوى الذي يستهدفه البالغ 2%.
وأشار البيان إلى أن تراجعا للتضخم مؤخرا قد يستمر لفترة أطول من المتوقع، وأنه لم يعد بالإمكان الاكتفاء بإلقاء اللوم على انخفاض أسعار الطاقة.
وأظهرت أحدث بيانات أن التضخم بلغ نحو 1.5% على أساس سنوي، وهو ما سيكون مشكلة إذا كان ذلك يعني أن الأسر والشركات لديهم شكوك في متانة الاقتصاد وأقل استعدادا للإنفاق والاستثمار.
وفي ظل هذا الوضع، إضافة إلى ضعف الاقتصاد العالمي، أكد مجلس الاحتياطي على أنه "سيتحلى بالصبر" في تقرير أي تغييرات لسعر الإقراض الرئيسي لليلة واحدة، الذي أبقى عليه بدون تغيير في نطاق 2.25-2.50%. واتخذت اللجنة القرار بالإجماع.
ورفع مجلس الاحتياطي أسعار الفائدة أربع مرات العام الماضي، وأشار في ديسمبر (كانون الأول) إلى أنه سيفعل ذلك مرتين هذا العام.
ترمب يجدد انتقاده للفيدرالي الأميركي بشأن أسعار الفائدة
وأكثر من مرة يوجه الرئيس الأميركي انتقادات إلى قرارات "الفيدرالي" بشأن أسعار الفائدة، وقال "المشكلة الوحيدة التي يعانيها اقتصادنا هي مجلس الاحتياطي الاتحادي.. إنهم لا يشعرون بالسوق". وجدد ترمب انتقاده للاحتياطي الفيدرالي لاستمراره في رفع معدلات الفائدة على الرغم من "الانخفاض الرائع" في معدلات التضخم على حد وصفه، جاء ذلك في تغريدتين للرئيس الأميركي عبر "تويتر" أشاد فيهما بخطوات الصين في تحفيز الاقتصاد والحفاظ على تكاليف الإقراض في مستويات منخفضة.
وكتب الرئيس الأميركي على موقع تويتر "سينطلق مثل الصاروخ إذا ما خفض الفيدرالي الفائدة بنقطة كاملة مثلًا أو تبنينا سياسة تخفيف كمي.. نعم حققنا نموّاً اقتصاديّاً بمعدل 3.2% من إجمالي الناتج المحلي، لكن مع معدل تضخمنا المنخفض الرائد يمكننا تحقيق أرقام قياسية كبرى في الوقت نفسه ونجعل معدل ديننا العامّ يبدو قليلا". وكان رئيس الفيدرالي جيروم باول كرر أكثر من مرة أن الفيدرالي لن يخضع لأي ضغوط سياسية وأن الاحتياطي يسعى فقط إلى استقرار الأسعار والحفاظ على حالة التوظيف في أعلى مستوياتها. وفي بيان منفصل، قال مجلس الاحتياطي أيضا إنه بينما يواصل خفض ميزانيته العمومية الشهرية فإنه مستعد لتغيير الوتيرة "في ضوء التطورات الاقتصادية والمالية" في المستقبل.
وأغلقت المؤشرات الرئيسية للأسهم الأميركية منخفضة أمس وارتد المؤشر ستاندرد آند بورز500 عن سلسلة مستويات إغلاق قياسية مرتفعة استمرت ثلاث جلسات بعد تعليقات من جيروم باول رئيس مجلس الاحتياطي الاتحادي ثبطت التوقعات بأن البنك المركزي الأمريكي قد يتحرك في وقت لاحق هذا العام لخفض أسعار الفائدة. وأنهى المؤشر داو جونز الصناعي جلسة التداول في بورصة وول ستريت منخفضا 163.04 نقطة، أو 0.61%، إلى 26429.87 نقطة بينما تراجع المؤشر ستاندرد آند بورز500 الأوسع نطاقا 22.10 نقطة، أو 0.75%، ليغلق عند 2923.73 نقطة. وأغلق المؤشر ناسداك المجمع منخفضا 45.75 نقطة، أو 0.57%، إلى 8049.64 نقطة.
وقال أرون ليزلي جون، رئيس الباحثين لدى شركة سنشري فاينانشال ومقرها دبي "يقوم ترمب بالضغط على مجلس الاحتياطي الفيدرالي مراراً وتكراراً لخفض الفائدة، لكن يبدو أن الفيدرالي غير ملتزم"، مضيفاً أن الفيدرالي أعلن بشكل قاطع أنه لن يخفض الفائدة ولن يرفعها على المدى القريب.
وأشار مجلس الاحتياطي الفيدرالي إلى أن التضخم في انخفاض في بيان، ولكن في المؤتمر الصحفي ذكر جيروم باول رئيس مجلس الإدارة أن التضخم المنخفض قد يكون مؤقتاً.
وأضاف في إفادة لــ(اندبندنت عربية) "بمعنى آخر، هذا يعني أن بنك الاحتياطي الفيدرالي لن يخفض أسعار الفائدة لمجرد أن التضخم منخفض".
وتابع "يشير التقييم الشامل للاقتصاد الأميركي إلى أن الضغوط التضخمية تتراجع بسبب انخفاض أسعار السلع الأساسية وكذلك تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي، قد يجبر هذا الفيدرالي الأميركي على الاحتفاظ بموقف السياسة النقدية الحالي واحتمال رفع سعر الفائدة منخفض للغاية".
وقال إن تصريح مجلس الاحتياطي الفيدرالي بأنه لا يريد دفع الاقتصاد الأميركي إلى الركود من خلال تشديد السياسة النقدية أكثر من اللازم يعتبر نهجا جيدا للأسواق العالمية وكذلك الاقتصاد.
وأوضح أن الموقف الحالي للسياسة النقدية الأميركية يعني أن أسعار الفائدة من المرجح أن تظل منخفضة لفترة طويلة، وهذا ينبغي أن يقلل من تكلفة التمويل لمنطقة الخليج بأسرها، كما قد تؤدي أسعار الفائدة المنخفضة إلى انخفاض الدولار الأميركي، والذي قد يكون بمثابة نعمة لدول الخليج ،حيث أن معظم العملات هنا مرتبطة بالدولار الأميركي، ومن المنتظر أن يترجم هذا أيضاً إلى تدفقات أجنبية أعلى لأن المستثمرين الخارجيين سيجدون أن الأصول الخليجية المرتبطة بالدولار أرخص بكثير.