أثارت تصريحات كبير مستشاري الرئيس الأميركي وصهره جاريد كوشنر، موجة انتقادات عن خطته المنتظرة للسلام في الشرق الأوسط. إذ يعتقد مسؤولون ومحللون عرب أن الخطة ستأتي في مصلحة إسرائيل، نظراً إلى أن إدارة الرئيس دونالد ترمب تتخذ نهجاً متشدداً تجاه الفلسطينيين، بعدما قطعت عنهم المساعدات وأمرت بإغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن.
خطة من شقين
تتألف الخطة التي تأجل الإعلان عنها لأسباب عدّة خلال الأشهر الـ 18 الماضية من شقين رئيسيين، الأول سياسي ويتعلق بالقضايا الجوهرية مثل وضع القدس والثاني اقتصادي يهدف إلى مساعدة الفلسطينيين على تعزيز اقتصادهم. وكشف كوشنر بعض تفاصيل خطته، مؤكداً أنها لن تأتي على ذكر حلّ الدولتين الذي طرح منذ فترة طويلة، وستكرس القدس عاصمة لإسرائيل.
وقال كوشنر في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى "إذا قلت دولتين، فهذا يعني شيئاً للإسرائيليين وشيئاً آخر مختلفاً عنه للفلسطينيين". وأضاف "لهذا السبب قلنا إنّ علينا ألا نأتي على ذكر ذلك. فلنقل فقط إنّنا سنعمل على تفاصيل ما يعنيه ذلك". ورفض كوشنر الإعلان عن مزيد من تفاصيل خطته قبل كشفها. لكنه رداً على سؤال عما إذا كانت ستشمل الوضع النهائي بين إسرائيل والفلسطينيين، قال "هذا صحيح، سنعمل على ذلك".
حكم ذاتي
قال محلل إسرائيلي تعليقاً على خطة السلام المنتظرة إن "مصر والسعودية لن تستطيعا دعم صفقة القرن، حتى لو أرادتا ذلك، لأن بنيامين نتنياهو ودونالد ترمب يسعيان إلى حرمان الفلسطينيين من إقامة دولة، ويستعيدان التاريخ الذي حمل خطة الحكم الذاتي التي أعلنها مناحيم بيغن رئيس الوزراء قبل 40 سنة، وكما استنجد ياسر عرفات بالرأي العام العربي لصد هذه الخطة، فإن محمود عباس يسير على دربه، من دون أن يعرف أين سينتهي المطاف بالصفقة".
وأضاف "بالعودة إلى المباحثات التي سبقت إعلان اتفاق كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل عام 1977، سعى عرفات إلى ممارسة ضغوط على الدول العربية التي أخفقت في أن تفرض على منظمة التحرير الفلسطينية خطة الحكم الذاتي، على الرغم من أن هذه المنظمة ذاتها قبلت بها حين وقعت على اتفاق أوسلو عام 1993".
وأشار الخبير الإسرائيلي إلى أن "اليمين الإسرائيلي يحاول التكيف بعد 27 سنة من اتفاق أوسلو، مع الواقع القائم، في ظل انقسام فلسطيني بين فتح وحماس، وتبذل إسرائيل جهوداً حثيثة لفرض الحكم الذاتي، من خلال توسيع المستوطنات، والضم التدريجي للضفة الغربية، ما أوجد حالة من الأبارتهايد العرقي، وما كان حلماً لدى بيغن، حوله نتنياهو واقعاً ميدانياً على الأرض".
وأكد أنه "بعد 40 سنة من تلك الأحداث، فإن نتنياهو يعرض مع ترمب نموذجاً من الدولة ناقصاً، هذا ليس حكماً ذاتياً، لأننا إن فحصنا ما هو معروض سنجده أقل مما عرضه بيغن في 1977. وكما فعل عرفات مع الدول العربية التي حاولت التعاون مع جيمي كارتر، فإن ترمب يسعى إلى تجنيد الدول العربية، خصوصاً مصر والأردن والسعودية ودول الخليج لدعم صفقة القرن".
في المقابل، شكك طارق باقوني، المحلل لدى مجموعة الأزمات الدولية، في حكمة ضغوط واشنطن المالية على الفلسطينيين. وقال إن هذه الاستراتيجية تنبع من "الاعتقاد الخاطئ أن الفوائد الاقتصادية قد تكون جذابة بما يكفي لدفع الفلسطينيين إلى التخلي عن مطالبهم السياسية".
وكانت السلطة الفلسطينية أعلنت أنها لن تقبل بوساطة من قبل إدارة ترمب، التي تؤيد قاعدتها المسيحية الإنجيلية إسرائيل بلا تحفظ، والتي تشمل مبادراتها حيال الدولة العبرية الاعتراف بالقدس بشطريها عاصمة لها.
وتعتبر إسرائيل القدس عاصمتها "الأبدية والموحدة"، لكن الفلسطينيين يتطلعون إلى جعل القدس الشرقية المحتلة منذ العام 1967، عاصمة لدولتهم المنشودة. وخلال حملته للانتخابات التشريعية الأخيرة التي فاز على أثرها بولاية جديدة، أعلن نتنياهو أنه ينوي ضم مستوطنات الضفة الغربية في خطوة يمكن أن تقوض فكرة دولة فلسطينية. وأثار هذا الاعلان غضب الحزب الديمقراطي الأميركي، بما في ذلك المدافعون بشدة عن إسرائيل الذين تساءلوا عما إذا كانت إسرائيل يمكن أن تبقى بذلك دولة يهودية وديمقراطية بينما يعيش ملايين الفلسطينيين تحت الاحتلال.
لكن كوشنر وعد بأن تقدم إسرائيل تنازلات أيضاً. وقال إن فريقه تحدث إلى رجال أعمال فلسطينيين وأشخاص عاديين، ويعتقد أن خطة سلام "ستكون مقبولة جداً من قبلهم".
أزمة مالية
في المقابل، تعمد إسرائيل والولايات المتحدة إلى فرض ضغوط مالية على السلطة الفلسطينية التي لا تزال المعارضة قوية في صفوفها لخطة السلام المنتظرة.
ويرى محللون في التخفيضات الحادة في المساعدات الأميركية للفلسطينيين في العام الأخير، محاولة لدفعهم لقبول خطة تعد واشنطن بأن تتضمن فوائد اقتصادية، غير أن السلطة الفلسطينية تتنبأ بأنها لن ترقى إلى حد إقرار الدولة الفلسطينية المستقلة.
وخلال حملة الدعاية في الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة التي فاز فيها نتنياهو فرضت حكومته اليمينية عقوبات دفعت بالسلطة إلى الأزمة المالية. وفي فبراير (شباط) الماضي، أعلنت إسرائيل أنها ستخفض بنسبة خمسة في المئة عائدات الضرائب البالغة 190 مليون دولار التي تحولها للسلطة الفلسطينية كل شهر عن واردات تصل عن طريق المنافذ الإسرائيلية إلى الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة الذي تديره حركة حماس.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتمثل النسبة التي خفضتها إسرائيل المبلغ الذي تدفعه السلطة الفلسطينية، التي تمارس حكماً ذاتياً محدوداً في الضفة الغربية، لعائلات الفلسطينيين الذين أصدرت إسرائيل عليهم أحكاماً وسجنتهم بما في ذلك منفذو الهجمات التي يسقط فيها قتلى إسرائيليون. وتصف إسرائيل هذه الرواتب بأنها تمثل سياسة دفع "أجور للقتل".
في المقابل، رفض الرئيس الفلسطيني محمود عباس قبول التحويلات الضريبية الجزئية من إسرائيل، وقال إن من حق السلطة الفلسطينية الحصول على كامل الأموال بمقتضى اتفاقات السلام المرحلية.
ويفيد البنك الدولي بأنه إذا لم تتم تسوية هذه المشكلة، فإن العجز التمويلي لدى الفلسطينيين قد يتجاوز مليار دولار في العام 2019، ما قد يفرض مزيداً من الضغوط على اقتصاد يعاني من معدل بطالة يبلغ 52 في المئة.
خفض المرتبات
قال وزير الاقتصاد الوطني في السلطة الفلسطينية خالد العسيلي إن السلطة تكافح لمواصلة أداء مهامها بإيرادات تمثل 36 في المئة فقط من الإيرادات الواردة في الميزانية. وخفضت السلطة مرتبات موظفي الحكومة في شهور فبراير ومارس (آذار) وأبريل (نيسان) للتكيف مع أزمة الميزانية كما خفضت رواتب بعض الموظفين الفلسطينيين بمقدار النصف.
وفي الوقت الذي ينتظر الطرفان المقترحات الأميركية، فمن المحتمل أن تكون العقوبات المالية على السلطة الفلسطينية سلاحاً ذا حدين الأمر الذي يمثل مخاطر على استقرارها وعلى إسرائيل أيضاً.