يتصارع الرئيس الأميركي جو بايدن مع توقعات اقتصادية فوضوية وغير متوقعة، حيث يهز التهديد المزدوج المتمثل في ارتفاع التضخم ونمو الوظائف البطيء الثقة في استقرار تعافي الولايات المتحدة من جائحة كورونا.
وكانت وزارة العمل الأميركية قد ذكرت مطلع مايو (أيار) الحالي، أن وتيرة خلق الوظائف تباطأت بشكل كبير في أبريل (نيسان) الماضي، مما أثار مخاوف من وجود تباينات واسعة النطاق في سوق العمل.
مؤشرات غير متوقعة
وفي الأسبوع الماضي، نشرت أرقام تظهر قفزة حادة غير متوقعة الشهر الماضي في مؤشر أسعار المستهلك، مما زاد المخاوف من تزايد الضغوط التضخمية. البيانات التي خرجت عرضت بايدن لانتقادات حادة من الجمهوريين وزعزعت الآمال في انتعاش سلس من أزمة الوباء على خلفية التحفيز المالي الضخم وعمليات التطعيم السريعة في البلاد.
وقادت الولايات المتحدة الانتعاش الاقتصادي العالمي، حيث توقع صندوق النقد الدولي نمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 6.4 في المئة عام 2021. وقالت ويندي إيدلبيرغ، مديرة مشروع "هاميلتون"، وهو مركز أبحاث اقتصادي في معهد بروكينغز لـ"فاينانشيال تايمز"، "هناك الكثير من الإشارات على عودة الطلب الكلي، فالاقتصاد يتعافى، لكن هذا الانتعاش سيكون فوضوياً". وأضافت، "نعم، من الصعب حقاً إدارته".
في الوقت ذاته، حذر كبار مسؤولي إدارة بايدن من استخلاص كثير من الاستنتاجات من بيانات شهر واحد. وجادلوا بأن متوسط خلق الوظائف شهرياً على مدى الأشهر الثلاثة الماضية لا يزال أقوى بكثير مما كان عليه في الربع السابق، وأن ارتداد التضخم من المرجح أن يكون مؤقتاً، وأن الانتعاش لا يزال على المسار الصحيح، لكنهم أقروا أيضاً بمستويات عالية من عدم اليقين الاقتصادي، في وقت تشهد فيه البلاد تحولات كبيرة في أنماط الإنفاق واتجاهات التوظيف، وخاصة مع رفع القيود المتعلقة بالصحة في جميع أنحاء البلاد بسرعة أكبر مما كان متوقعاً، ويرجع ذلك جزئياً إلى وتيرة حملة التطعيم القائمة.
وقالت سيسيليا روس، رئيسة مجلس البيت الأبيض للمستشارين الاقتصاديين، للصحافيين، يوم الجمعة، "ستكون هناك فترة، حيث يبدأ العرض في مساواة الطلب وتعافي القطاعات، وخلالها سيكون هناك بعض التقلبات".
ويقول المراقبون إن عدم التوافق بين مختلف أجزاء الاقتصاد سيظهر بطرق غير متوقعة حتى يتعافى الاقتصاد بشكل كامل. وعلى الرغم من دعوات الرئيس الأميركي في وقت سابق من هذا الأسبوع إلى التحلي بالصبر، استغل منتقدو السياسات الاقتصادية للإدارة الأميركية (بدءاً من وزير الخزانة الديمقراطي السابق لاري سمرز وصولاً إلى الجمهوريين في الكونغرس)، أحدث البيانات ليقولوا إن إدارة بايدن رفضت بتهور مخاطر التحفيز المالي المفرط، وقللت من أهمية علامات التحذير الاقتصادية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وغرد سمرز على "تويتر"، يوم الجمعة، قائلاً "كنت في الجانب القلق في شأن التضخم وتحرك كل شيء بشكل أسرع بكثير، في وقت أسرع بكثير مما كنت أتوقع، مما يجعلنا متوترين للمضي قدماً". وقال مايكل سترين، مدير دراسات السياسة الاقتصادية في معهد "أميركان إنتربرايز"، وهو مؤسسة فكرية محافظة، "أعتقد أن هناك احتمالاً أن ينتهي كل هذا بشكل سيئ أيضاً".
وكانت إصدارات البيانات الأخرى، الأسبوع الماضي، قد فشلت في توضيح الصورة، إذ أظهر مؤشر ثقة المستهلك في جامعة ميشيغان ارتفاع توقعات التضخم على المدى الطويل، في حين استقرت مبيعات التجزئة الشهر الماضي بعد قفزة كبيرة في مارس (آذار). على الجانب الأكثر إشراقاً، انخفضت مطالبات البطالة الأسبوعية يوم الخميس الماضي إلى نقطة منخفضة بالنسبة إلى الوباء.
في الوقت ذاته، لم تكن هناك علامات من البيت الأبيض على أي تغييرات كبيرة في أجندة سياسة بايدن لمعالجة الصورة الاقتصادية الناشئة. فعلى جبهة سوق العمل، تحرك الرئيس لفرض شرط ألا يكون المواطنين الذين عرضت عليهم وظائف "مناسبة" مؤهلين للحصول على إعانات البطالة. وقالت روس إن البيت الأبيض كان يذكر الشركات بخصم ضريبي للاحتفاظ بالموظفين تم إنشاؤه كجزء من برنامجها التحفيزي.
مزايا البطالة الفيدرالية
ويتمسك البيت الأبيض بالدعم المالي الذي قدمه بمساعدة الديمقراطيين في الكونغرس، ليس من أجل تعزيز تعافي البلاد فحسب، لكن لمساعدة الأسر ذات الدخل المنخفض أيضاً. كما أشار الرئيس إلى ثقته في الاحتياطي الفيدرالي في شأن إدارة أي ارتفاع في معدلات التضخم.
لكن الجمهوريين والاقتصاديين المحافظين دعوا إلى اتخاذ إجراءات أكثر دراماتيكية لتهدئة الاقتصاد، مثل الإنهاء المبكر لمزايا البطالة الفيدرالية، التي رفضت الولايات التي يقودها الجمهوريون دفعها.
في غضون ذلك، حذر الاقتصاديون الذين تضررت توقعاتهم بشدة بسبب البيانات الصادرة في الأيام الأخيرة من أن أي افتراضات في شأن التعافي الأميركي، ناهيك بالتغييرات في السياسة، قد تحتاج إلى إعادة النظر فيها.
وقالت إيدلبيرغ، "نحن في منطقة مجهولة، وخاصة عندما تتحدث عن التغيرات في إجمالي الطلب والعرض التي نشهدها، بغض النظر عن عدم اليقين الذي لديك في شأن التضخم في الأوقات العادية".