تنامي مستويات القلق من تضخم أسعار المستهلك، والإجراء الوقائي الذي ينبغي على المستثمرين اتخاذه في مواجهة تضخم الأسعار، هو الحديث السائد في الأسواق الأميركية اليوم، خصوصاً أن الاتجاه الأساسي للتضخم مهم بشكل كبير للأسواق المالية وعوائد المستثمرين. الارتفاع في أسعار الأسهم والسندات في العقود الأخيرة كان بارزاً خلال فترة طويلة من تراجع ضغط التضخم، وخلال الجهود الأخيرة التي بذلتها البنوك المركزية لوقف الصدمات المضادة للتضخم منذ الأزمة المالية.
تسارع النشاط
وبعد مرور عام على الإغلاق المفاجئ للاقتصاد العالمي، بدأ النشاط يتسارع على النحو المتوقع، وكانت النتيجة المنطقية زيادة في قراءات التضخم. وهذا الأسبوع، سجل مقياس الأسعار الأساسية في الولايات المتحدة أكبر مكسب سنوي له منذ عام 2008، بمعدل ارتفاع بنسبة 2.4 في المئة. وتستثني القراءات الأساسية أسعار المواد الغذائية والطاقة، وتعد مقياساً أكثر سلاسة لضغط التضخم الأساسي، وهي نقطة يجدها كثير من الأشخاص من خارج التمويل محيرة، عند وضع ميزانية لتكلفة البقالة والبنزين. لذا فإن القفزة الكبيرة في المقياس الأساسي، وحتى حساب التأثير الأساسي لصدمة الانكماش القصيرة للوباء قبل عام، قد ولّدت كثيراً من الضوضاء لأسباب مفهومة. وسيظل هذا المقياس مرتفعاً، بحسب المراقبين، في الأشهر المقبلة في ظل تعافي النشاط من عمليات الإغلاق مع رياح خلفية قوية من الحوافز المالية التي تشق طريقها عبر الاقتصاد الواسع. لكن ما يربك المستثمرين هو توقعات التضخم التي لا يزال من الصعب الحكم عليها في هذه المرحلة المبكرة من التعافي.
قال جيسون بلوم، رئيس قسم الدخل الثابت والاستراتيجيات في شركة "إنفسكو"، لـ "فايننشال تايمز"، "هناك كثير من الاضطراب في الاقتصاد من آثار إعادة الفتح منذ عام مضى بسبب الجائحة، وسوف يستغرق الأمر من ستة إلى 12 شهراً في الأقل، قبل أن نحصل على رؤية واضحة لاتجاه التضخم الأساسي". ويواجه المستثمرون القلقون الآن بشأن صدمة التضخم معضلة، خصوصاً أن بعض الأصول التي يُنظر إليها على أنها تحوطات تقليدية أمام مثل هذه المخاطر، كالسندات والسلع المحمية من التضخم، ارتفعت بالفعل بشكل ملحوظ.
الضغط التضخمي المُؤقت هذا العام
لقد تمخضت الإنذارات التضخمية السابقة، لا سيما مع تعافي الاقتصادات في أعقاب انهيار الإنترنت أوائل العقد الأول من القرن الـ21 والأزمة المالية لعام 2008، عن بزوغ تعاف "غير حقيقي". واليوم وبعد فترة وجيزة من الركود الوبائي، فإن الاتجاهات القوية والمتجذرة في مكافحة التضخم لشيخوخة السكان والتكاليف المنخفضة المرتبطة بالابتكار التكنولوجي، ليست في حالة تراجع بأي حال من الأحوال. لمثل هذه الأسباب، يتوقع عدد من المستثمرين ومجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، أن يكون الضغط التضخمي هذا العام "مؤقتاً". ولكن في مواجهة القوى الانكماشية، هناك الحجم الهائل للحوافز النقدية والمالية للعام الماضي.
وقال جيسون برايد، كبير مسؤولي الاستثمار للثروة الخاصة في شركة "جيسون برايد"، إن آثار التحفيز النقدي والمالي تعني أن "التضخم قد يستقر بوتيرة 2.5 في المئة (سنوياً)، وسيكون ذلك مختلفاً عن متوسط 1.5 في المئة قبل الوباء".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي بيئة نمو أكثر ثباتاً وضغوط تضخم معتدلة، ستستفيد الأسهم، بقيادة الشركات التي تتأثر أرباحها بدرجة أكبر بالدورة الاقتصادية. ويتوقع أن يبحث المستثمرون أيضاً عن الشركات التي لديها القدرة على تمرير أسعار أعلى للعملاء على المدى القريب، وتعويض الضغط على هوامش الربح.
ومع ذلك، لا يمكن استبعاد فترة مضطربة من التضخم المرتفع. فيمكن الطعن في الحجة "المؤقتة" إذا استمر النمو الاقتصادي في الارتفاع حتى العام المقبل، مصحوباً بميل للأجور المرتفعة من الشركات التي تجد صعوبة في جذب العمال. وقبل الوصول إلى هذه النقطة، قد يتجاوز التضخم المتوقع في سوق السندات قمم العقدين الماضيين ويدخل منطقة مجهولة في الولايات المتحدة وبريطانيا وأوروبا.
ضغوط التضخم
ويتوقع أن تتعرض سوق السندات لضغوط التضخم المستقبلية، وأن تشهد ارتفاعاً على مدى السنوات الخمس إلى العشر المقبلة، وكانت قد شهدت ارتفاعات بشكل حاد في الأشهر الأخيرة. لكن الانتعاش جاء من مستوى منخفض، وحالياً فإن التضخم المتوقع ليس بعيداً من الهدف طويل الأجل للاحتياطي الفيدرالي البالغ اثنين في المئة.
وقال نيكولاس جونسون، مدير محفظة السلع في شركة "بيمكو"، "إن التغيير في توقعات التضخم هو الذي يدفع عائدات الأصول". وبتقييم ما يقرب من 50 عاماً من البيانات، فإن أداء المحفظة التي تحتفظ بالأسهم والسندات تكون أقل من المعتاد في فترات التضخم المرتفع، بينما تزدهر الأصول الحقيقية بما في ذلك السندات والسلع المرتبطة بالتضخم، وفقاً لمدير الأصول.
وأضاف جونسون، "لم يمر معظم المستثمرين بفترة فاجأ فيها التضخم الاتجاه الصعودي". ويطرح العملاء في الوقت الراهن مزيداً من الأسئلة حول عزل محافظهم الاستثمارية، لكن تعرضهم الحالي للسلع والأصول الأخرى، يُظهر أن المستثمرين بشكل عام "لا يدفعون كثيراً من علاوة التضخم". لكن ذلك يمكن أن يتغير ويظل احتمال تغيير نظام التضخم بمثابة بطاقة جامحة للمستثمرين.