منذ إعلان رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي خلال الأسبوعين الماضيين، عزمه على إحداث تغييرات في حكومته، تشمل استبدال بعض الوزراء المعنيين بملف الخدمات، لاقت هذه الخطوة ترحيباً حذراً من أغلب الكتل السياسية، قبيل تحديد موعد للتصويت عليها في مجلس النواب خلال الفترة المقبلة.
وزارات عدة
وتتحدث مصادر رسمية عراقية عن أن التغيير الوزاري سيشمل كل من وزراء الصحة والمالية والزراعة والإسكان والبلديات، بهدف تفعيل هذه القطاعات الخدمية المهمة، خصوصاً مع تخصيص الأموال الضرورية لها ضمن الموازنة العامة للبلاد التي أُقرت في مارس (آذار) الماضي.
وتبيّن هذه المصادر أن الكاظمي اختار هذه الوزارات لأحداث تغيير فيها، بعد تقارير رُفعت له عن أداء الوزراء وعدم قدرة بعضهم على تحقيق أي تقدم في عمل وزارته، خلال سنة من عمر الحكومة العراقية الحالية.
توجه للتغيير
وصرح النائب عن كتلة "سائرون" علي اللامي أن "التغيير الوزاري المرتقب يعتمد على رغبة الكتل السياسية بقبول هذا التغيير"، مرجحاً أن يشمل التغيير ثلاث حقائب وزارية. وأكد اللامي أن "التغيير الوزاري ضروري، كون بعض الوزراء ظهرت مؤشرات كثيرة في شأنهم ويجب تغييرهم، فضلاً عن وجود استجوابات بحق بعض الوزراء لم تنفذها هيئة الرئاسة على الرغم من اكتمال التواقيع الرسمية". وكشف أن "كتلاً سياسية عرقلت استجوابهم". وأضاف اللامي أن "إجراء التغيير الوزاري يعتمد على رغبة الكتل السياسية بتغيير الوزراء الذين أثبتوا فشلهم".
سيشمل ثلاث وزراء
ورجّح اللامي أن يشمل التغير الوزاري ثلاثة وزراء، هم كل من وزير البلديات ووزير الصحة الذي استقال ووزارة أخرى، لافتاً إلى أن "كتلة سائرون لم تفرض وزراءها على رئيس الوزراء وأعطته حرية الاختيار، ونأمل من الكتل السياسية بأن تعطي حرية لرئيس الوزراء لاختيار وزرائه في التغيير المرتقب".
فشل واضح
ويأتي الحديث عن التعديل الوزاري بعد إقرار اللجنة البرلمانية لمراقبة البرنامج الحكومي بوجود فشل واضح في عمل عدد من مؤسسات الدولة العراقية، على الرغم من التغييرات الإدارية وحملة مكافحة الفساد التي أطلقتها الحكومة العراقية خلال الأشهر القليلة الماضية.
وشكّل الكاظمي لجنة مكافحة الفساد في أغسطس (آب) 2020 بقيادة الفريق أحمد أبو رغيف المعروف بملاحقته لشبكات "القاعدة" و"داعش" في الفترة بين عامي 2008 و2013.
واستطاعت اللجنة خلال الأشهر الماضية اعتقال عدد كبير من مديري الدوائر، وشخصيات متورطة بقضايا فساد، مثل رئيس هيـئة التقاعد العامة أحمد عبدالجليل وأشقائه، ورئيس شركة "كي كارد" بهاء عبدالحسين، وصدرت بحق هؤلاء أحكام قضائية تتراوح بين أربع وست سنوات، فضلاً عن عدد من مديري المصارف الحكومية ورجال الأعمال العراقيين. وعلى الرغم من هذه الإجراءات، إلا أن الهدف منها لم يتحقق بالحد من مظاهر الفساد الإداري المستشرية في مؤسسات الدولة.
مقبولة بشروط
في السياق، قال النائب عن "تحالف الفتح" محمد البلداوي إن الكتلة ستؤيد التغييرات الوزارية "إذا كانت بعيدة من الاستهداف السياسي"، فيما وصف التغيرات المقرر أن يجريها الكاظمي بأنها "جاءت في مباراة خسرها بالوقت الضائع". وأضاف البلداوي أن "رئيس الحكومة أدرك أن الأدوات التي يستخدمها في إدارة مؤسسات الدولة خلال الفترة الماضية خاطئة، ولذلك يسعى إلى إجراء التغييرات والتبديلات في الوقت الضائع"، مشيراً إلى أن كتلته ستدعم مثل هذا التوجه "إذا كان بعيداً من المزايدات السياسية".
وتابع البلداوي، وهو عضو في لجنة مراقبة البرنامج الحكومي، أن "لجنة مراقبة البرنامج الحكومي شخّصت وجود فشل واضح في عمل مؤسسات الدولة"، موضحاً أن "تقريرنا الأول أشار إلى أن ما تم تنفيذه من البرنامج الحكومي خلال الفترة الماضية بلغ 17.5 في المئة في أفضل الظروف، وبذلك هو يجري هذه التغييرات بعد إدراكه واقعية التقرير". ولفت إلى أن "رئيس الوزراء الكاظمي لم يحضر إلى مجلس النواب، ولم يقدم تقريراً حول عمل الوزارات خلال الفترة الماضية".
وملّ العراقيون من كثرة حديث المسؤولين عن الفساد وأضراره ليلاً ونهاراً خلال أكثر من عقد من الزمن، ومن دون إجراء محاكمة علنية واحدة يتم عرضها للجمهور لإقناعه بجدية الدولة في الحد من توغل الفساد الإداري وداعميه في المؤسسات والدوائر الرسمية، والذي تسبب بتراجع الخدمات والأنشطة الاقتصادية إلى حد خطير.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفشلت الحكومات العراقية المتعاقبة في إنهاء ملفات فساد كثيرة تم الكشف عنها للجمهور، إلا أن الضغوط السياسية أفرغتها من محتواها وأفرجت عن كثير من المتورطين فيها، مثل وزير التجارة، القيادي السابق في "حزب الدعوة" عبدالفلاح السوداني، ومحافظ كركوك السابق نجم الدين كريم ومحافظ البصرة السابق، القيادي في المجلس الإسلامي الأعلى ماجد النصراوي وغيره من المحافظين، وعدد من النواب أبرزهم مشعان الجبوري الذي اعترف علناً بتلقي رِشى، فضلاً عن مديرين عامين تابعين لأحزاب ذات نفوذ.
صعوبات ستواجه الكاظمي
وسيعتمد موقف الكتل السياسية على مراعاة التعديل الوزاري لمصالحها وعدم التفريط بحصصها داخل الحكومة، والتي قُسمت بعناية أرضت كل الأطراف قبل تمريرها داخل البرلمان في مايو (أيار) 2020.
ورأى رئيس "مركز التفكير السياسي" إحسان الشمري أن "إمكان تنفيذ التعديل الوزاري يعتمد على قبوله من قبل الكتل السياسية"، مرجحاً أن يواجه الكاظمي صعوبة في قبول بعض المرشحين الجدد. وأضاف الشمري أن "رئيس الوزراء يرغب في إجراء تعديل وزاري، لأنه لا يريد أن يُحمل مستقبله السياسي مسؤولية الإخفاق، ويريد أن يوصل رسالة مفادها أن وزراء في حكومته أخفقوا في أداء مهماتهم ويجب تغييرهم"، لافتاً إلى أن "تنفيذ مشروعه متروك للبرلمان الذي يمتلك السلطة الحصرية لاستبدال الوزراء وقبول الأسماء الجديدة".
ولفت إلى أن عملية التغيير قد تكون مقبولة من هذه الكتل السياسية إذا كان لها ضمان أنه سيتم اختيار وزراء جدد قريبين من دائرة أحزابهم"، مرجحاً أن يواجه صعوبة في تحديد الأسماء، "كونه يرغب في أن يكونوا مستقلين وذوي كفاءة، وهذا ما لا ترغب به الكتل السياسية".
خمس وزارات
وتابع الشمري أنه "من المتوقع أن يشمل التعديل وزارات التجارة والصناعة والداخلية والكهرباء والنقل"، مشيراً إلى أن "الوزراء الجدد إذا ما جرت عملية التغيير فسيشغلون وزاراتهم لأشهر معدودة بعد الانتخابات المقبلة، إلى حين اختيار حكومة جديدة، وهذا مجال كاف لأن يعمل هؤلاء".