قبل 20 يوماً من الدورة الأولى من انتخابات الأقاليم في فرنسا، تشير استطلاعات الرأي إلى اندفاعة لحزب "التجمع الوطني" اليميني المتطرف الذي يتصدر التوقعات في عدة مناطق، ما يحيي النقاش حول متانة "الجبهة الجمهورية" التي شكلتها أحزاب متنافسه لمنعه من الفوز عام 2015.
وكما في الانتخابات السابقة في ديسمبر (كانون الأول) 2015، تشير استطلاعات الرأي إلى تصدر مرشحي "التجمع الوطني" بزعامة مارين لوبان الدورة الأولى في كل من بروفانس-ألب-كوت دازور (جنوب)، وأوكسيتاني (جنوب غرب) وسنتر-فال دو لوار وبورغونيه-فرانش كونتيه (جنوب شرق) وغراند إيست ونوفيل أكيتين (جنوب غرب)، ولو أن الحزب لم يكن حتى الآن رسخ وجوده كثيراً في المقاطعة الأخيرة.
ومع اقتراب الانتخابات التي تجري في 20 و27 يونيو (حزيران) الحالي، يحرز "التجمع الوطني" تقدماً أيضاً في المنطقة الباريسية حيث يعزز المسؤول الثاني فيه جوردان بارديلا (25 عاماً) موقعه في المرتبة الثانية جامعاً نحو 20 في المئة من نوايا الأصوات، ولكن بفارق كبير خلف رئيسة مجلس منطقة إيل دو فرانس المنتهية ولايتها فاليري بيكريس (وسط يمين).
أحداث الأيام الأخيرة
وأوضح الخبير السياسي جان إيف كامو لوكالة الصحافة الفرنسية "ثمة ديناميكية في الدورة الأولى استفادت حتماً من أحداث الأيام الأخيرة"، في إشارة إلى سلسلة الهجمات على عناصر من قوات الأمن.
هل تسمح هذه الاندفاعة لحزب مارين لوبان أن يحقق الفوز هذه السنة، بعد ما فشل في الدورة الثانية من انتخابات 2015 في فرض نفسه في أي من المناطق التي تصدرها في الدورة الأولى؟
يتوقف الأمر على متانة "الجبهة الجمهورية" التي وقفت حاجزاً بوجهه قبل ست سنوات، فقطعت عليه الطريق بفضل تنازل اليسار في منطقتي أو دو فرانس وبروفانس-ألب-كوت دازور حيث حققت مارين لوبان وابنة شقيقتها ماريون ماريشال لوبان على التوالي تقدماً مريحاً في الدورة الأولى.
وعلق كامو "بالطبع، المفتاح سيكون نسبة الناخبين اليساريين الذين سيختارون الامتناع عن التصويت، ونسبة الناخبين اليمينيين الذين سيقبلون بتحويل أصواتهم من حزب الجمهوريين (يمين) إلى مرشح التجمع الوطني"، معتبراً أن "الحاجز في وجه التجمع الوطني يتفتت شيئاً فشيئاً".
خيارات الأحزاب
وأكد استطلاع للرأي أجراه معهد "يوغوف" لحساب "هافينغتون بوست" هذا التردد، إذ أظهر الأربعاء أن غالبية من الفرنسيين (63 في المئة) تعتبر أن بإمكان "التجمع الوطني" الفوز بمنطقة أو أكثر.
ولا تنجح الجبهة الجمهورية في استقطاب 60 في المئة من أنصار حزب الجمهوريين، الذين يرفضون التحالف مع حزب "الجمهورية إلى الأمام" الوسطي الحاكم من أجل "تشكيل حاجز" بوجه اليمين المتطرف، بل إن 50 في المئة منهم يؤيدون بالأحرى التحالف مع "التجمع الوطني" من أجل "هزم الجمهورية إلى الأمام" بزعامة الرئيس إيمانويل ماكرون.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أما في صفوف اليسار، فإن 14 في المئة فقط من الناخبين يؤيدون التنازل عن الأصوات لليمين كما في عام 2015.
وإزاء احتمال وقوع منطقة أو أكثر في قبضة "التجمع الوطني" قبل أقل من عام من الانتخابات الرئاسية، وجهت رئيسة بلدية باريس الاشتراكية آن إيدالغو نداء إلى "الجبهة الجمهورية" تناشدها قطع الطريق على اليمين المتطرف كما في الانتخابات السابقة.
ويطلق اسم التجمع الجمهوري على تجمع أحزاب سياسية من اليمين واليسار يتشكل خلال انتخابات لمنع فوز "التجمع الوطني" المعروف سابقاً بالجبهة الوطنية، كما حصل خصوصاً في الانتخابات الرئاسية عام 2002 وبشكل محدود أكثر عام 2017، كما في العديد من الانتخابات التشريعية والمحلية.
وقال النائب الأوروبي من "الجمهورية إلى الأمام" ستيفان سيجورنيه متحدثاً لإذاعة "فرانس إنتر"، "لا يسعني القول، إن الجبهة الجمهورية ماتت، لكنها شبه ميتة".
وفي صفوف "التجمع الوطني"، يعتبر مرشحه في بروفانس-ألب-كوت دازور تييري مارياني الآتي من اليمين المحافظ، أن الجبهة الجمهورية "لم تعد موجودة"، وأكد لشبكة "بي أف أم تي في"، "إنها خطوة أخيرة تقوم بها أحزاب تواجه اليوم معارضة متزايدة وتريد منع سكان أوكسيتاني أو بروفانس-ألب-كوت دازور من فرض آرائهم".
وتتخذ المسألة بعداً إضافياً على ضوء الانتخابات الرئاسية عام 2022. وانتخب ماكرون رئيساً في الدورة الثانية بـ66.1 في المئة من الأصوات مقابل مارين لوبان، بعد ما دعا المرشحان اليميني والاشتراكي إلى التصويت له لقطع الطريق على "التجمع الوطني".
وتتوقع استطلاعات الرأي تكرار المواجهة ذاتها العام المقبل، ولكن بفارق أقل مع 53 في المئة لماكرون و47 في المئة لمارين لوبان.