انقسم الشارع الجزائري بين مؤيد ورافض، لظهور رئيس الاستخبارات السابق، الجنرال محمد مدين، وخليفته اللواء عثمان طرطاق، وشقيق الرئيس سعيد بوتفليقة، عبر التلفزيون الحكومي، وهم مترجلون في طريقهم إلى المحكمة العسكرية برفقة عناصر أمنية. واعتبر البعض الخطوة إهانة للمؤسسة العسكرية الجزائرية التي كانت في نظر العالم مؤسسة قوية بجهازها الاستخباراتي، في حين يرى آخرون أن قوة المؤسسة العسكرية ازدادت بمعاقبة قياداتها.
هيبة الجيش تهتزّ
ولطالما افتخر الشعب الجزائريّ بمؤسسته العسكرية، وجهازه الاستخباراتيّ خصوصاً، لنجاحاته المتعددة في الداخل والخارج، وقوة عناصره وكفاءاتهم. إذ كان الشارع يخشى ذكر أسماء رجال من الاستخبارات، مثل الجنرال محمد مدين، المدعو توفيق، وقبله الجنرال العربي بلخير، والجنرال محمد بتشين وغيرهم كثر. كما كانت المؤسسة العسكرية وجهازها الاستخباراتي تلقى احتراماً واسعاً في الخارج، خصوصاً بعد العشرية السوداء حين تمكّنت الجزائر من الخروج من أزمتها ومواجهة الإرهاب وحيدة.
لكن بعد 22 فبراير (شباط) الماضي، يرى متابعون أن مكانة مؤسسة الجيش تغيّرت في إذهان الداخل والخارج. ويقول الضابط العسكري السابق، أنور مالك، إن كل ما جرى يثبت صدق ما وعدت به المؤسسة العسكرية، ويستحق التنويه وتعميق الثقة بين الجيش والشعب.
ويضيف أنه "سبق وانتقدنا، لكن اليوم تأكدنا يقيناً ومن العمق العسكري، أن قائد الأركان هو واجهة لكوكبة من الضباط المخلصين لوطنهم الذي قرروا إنقاذ البلد من عصابة فاسدة ومفسِدة، وأيّ طعنٍ في هذه الإنجازات أو محاولة تعطيلها بالشبهات والدعايات، هي خدمة لبقايا ضباط فرنسا في عمق الدولة الجزائرية".
ودعا مالك الشعب الجزائري إلى عدم الالتفات إلى أصوات تنتقد أداء المؤسسة العسكرية، مؤكداً أن "تحقيق مطالب الحراك الشعبي هو انتشالٌ لجزائرنا الحبيبة من هوّة قذرةٍ لا قرار لها"، محذراً من "أيّ تحريضٍ على قيادة الأركان، فهي تقف مع الجزائريين في حراكهم التاريخيّ الذي أبهر العالم بسلميته". وقال إن "من يحرّضون، هم بقايا الجماعات الإرهابية التي قضى عليها الجيش، بعدما كادت تدمّر كيان الدولة الجزائرية، أو من الذين يتطلعون إلى السلطة وماضيهم أسود ضد المؤسسة العسكرية، وهدفهم لن يتحقق إلا بتفكيكها وتفتيتها، أو هم من أنصار نظرية: مَن يقتل مَن؟ التي صنعتها لوبيات فرنسية لضرب الجيش في التسعينيات، أو من تجّار المآسي الذين همّهم أن تشتعل الحرب الأهلية بين أبناء الجزائر حتى يتاجروا بدمائهم في المحافل الدولية".
وعلى الرغم من أن الحراكَ الشعبيّ أسعدته خطوة قيادة الأركان، خصوصاً في ما يتعلق باعتقال سعيد شقيق الرئيس المستقيل، غير أن اعتقال الجنرال توفيق واللواء بشير، زرع نوعاً من التخوّف في أوساط المواطنين، بسبب قدرة الرجلين على التحرّك في كل الاتجاهات على الرغم من وجودهما رهن السجن المؤقت، على اعتبار أنهما من صناع النظام الجزائري، وإن ما يحدث تصفية حسابات بين قائد الأركان أحمد قايد صالح ومجموعة من الجنرالات، خصوصاً أن الرئيس المستقيل عبد العزيز بوتفليقة، باعتباره وزير الدفاع، لم يجرؤ على التعامل مع الجنرال توفيق وآخرين بهذه الطريقة واعتقالهم أو سجنهم، إنما أصدر قرار إقالة وإحالة على التقاعد في صمت.
تصفية حسابات
تناولت العواصم العالمية الموضوع بقوة، وتحدثت عن تهم تصل عقوبتها إلى الإعدام، خصوصاً في ما يتعلق بالتآمر ضدّ الجيش، في حين اعتبر الداخل أن ما يحدث إهانة للدولة الجزائرية، بعدما انتقل الأمر إلى تصفية حسابات باستعمال المؤسسة العسكرية.
وأوضح الضابط السابق في جهاز الاستخبارات هشام عبود أنه كان من الأجدر، وبما أن المؤسسة العسكرية لها قضاء ومحاكم ككلّ جيوش العالم، أن يُستدعى المعتقلون من وكيل الجمهورية إلى محكمة البليدة العسكرية، مشيراً إلى أنه من غير المعقول اعتقال فريق أو لواء لاستجوابه من قبل نقيب أو رائد كان تحت أمرته. وأضاف أن هذا التصرف أفقد الدولة هيبتها والمؤسسة العسكرية، حيث خلق نوعاً من التخوف وسط الجيش. وتابع أنه "حتى قائد الأركان قايد صالح لن يترك منصبه مخافةً من العقاب كما فعل مع زملائه في المؤسسة العسكرية"، مستنتجاً أن ما يحدث تصفية حسابات باستعمال الجيش.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويعتقد المحلل السياسي إسماعيل خلف الله، أن إخضاع من كانوا يعتبرون أنفسهم فوق القانون وأرباب الجزائر، صورة جميلة. ويشير إلى أن القضية تتعلق بأشخاص أساءوا إلى الجهاز العسكري، الذي أصبح في وقت ما أداة قمع وليس مؤسسة تخدم أمن الشعب والدولة ككل.
ويضيف أن ما يحدث تصفية حسابات بنسبة كبيرة، "ولكن هذه التصفية في اعتقادي تخدم مطالب الحراك"، مشيراً إلى أن صورة المؤسسة العسكرية شُوّهت عندما انقلبت على الديمقراطية وأوقفت المسار الانتخابي في يناير (كانون الثاني) 1992، وربما اليوم ستتحسّن الصورة مجدداً".
ونقلت مصادر قانونية وحقوقية أن سعيد بوتفليقة، والمسؤولين السابقين في جهاز المخابرات، محمد مدين وخليفته عثمان طرطاق، يواجهون عقوبة تراوح بين المؤبد والإعدام، بحسب التهم المنسوبة إليهم.
ونوضح أن الصور التي التُقطت للمتهمين في مدخل مبنى المحكمة العسكرية بالبليدة، صورٌ عادية وليس فيها أي إهانة للمتهمين، ولا تصنّف في خانة محاولة المساس بكرامة المعنيين، خصوصاً أنهم كانوا يسيرون بشكل عادي.