قرع الرئيس التنفيذي لـ"الجمعية الملكية لمنع القسوة على الحيوانات" في المملكة المتحدة Royal Society for the Prevention of Cruelty to Animals (RSPCA)، جرس الإنذار، منبهاً إلى الخطر المتوقع في شأن احتمال إقدام الحكومة على إبرام صفقات تجارة حرة في مرحلة ما بعد الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي، مع دول يتم التعامل فيها مع حيوانات المزارع بطرق قد تكون غير قانونية في المملكة المتحدة.
وحذر كريس شيروود من أن معايير رعاية الحيوان "سيتم تمييعها بطرق غير رسمية"، ما قد يؤدي إلى المضاربة على المزارعين في المملكة المتحدة (نتيجة الأسعار المخفضة للواردات)، إذا وقعت الحكومة على اتفاقات مع دول أخرى، حيث يتم إيذاء حيوانات المزارع وجعلها تعاني بلا داع.
وتتخوف منظمات الحيوانات من أن الاتفاق البريطاني المرتقب مع أستراليا يمكن أن يشكل سابقةً لترتيبات مماثلة في مختلف أنحاء العالم، من شأنها أن تؤدي إلى زيادة القسوة على الحيوانات.
ومعلوم أن حكومة المملكة المتحدة تسعى إلى صفقات مع كل من نيوزيلندا وكندا والمكسيك والهند والولايات المتحدة، وهي في طريقها إلى الانضمام إلى تحالف "الشراكة عبر المحيط الهادي" Trans-Pacific Partnership، الذي يضم أجزاءً من آسيا واليابان.
وكان بيان حزب "المحافظين" للانتخابات الأخيرة قد تعهد بعدم المساومة على معايير حماية البيئة ورعاية الحيوانات، لكن الاتفاق مع أستراليا أثار خلافاً "محتدماً" داخل الحكومة البريطانية في ما يتعلق بنهجها.
ويتوقع خبراء في هذا المجال، أن توقع المملكة المتحدة على استيراد لحوم من خنازير تم احتجازها في أقفاص الحمل لفترات طويلة (توضع أنثى خنزير حامل وحدها في صندوق معدني طوله متران وعرضه 60 سنتيمتراً لمدة 16 أسبوعاً)، ولحوم أبقار تتم تغذيتها بالهرمونات، ودجاج مرصوص داخل أقفاص مزدحمة ومقفرة، وحليب من أبقار معدلة وراثياً، إضافة إلى منتجات ومشتقات حيوانية أخرى.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي حديث مع صحيفة "اندبندنت" تخوف شيروود من أن تشكل الصفقة مع أستراليا سابقةً "مقلقة للغاية". وقال إن "دولاً مثل البرازيل لديها صادرات كبيرة من لحوم الخنازير ولحوم البقر، وما يقلقنا هو أن معايير رعاية الحيوان سيتم تمييعها بطرق سرية وغير رسمية، وستمهد لنشوء مضاربة على منتجات مزارعينا".
وأضاف الرئيس التنفيذي لـ"الجمعية الملكية لمنع القسوة على الحيوانات" قائلاً إن هذا المنحى "يتعارض مع الرسائل الرائعة التي أطلقتها الحكومة في شأن رعاية الحيوانات - إذ قامت للتو باعتماد "مشروع قانون الحفاظ على الحيوانات" Kept Animals Bill و"مشروع قانون رعاية وعي الحيوانات" Animal Sentience Bill (يكرس الاعتراف بوعي الحيوانات في القانون المحلي، على أنها كائنات مدركة لديها عواطف وتعاني الألم) كما كان هناك التزام واضح في "خطاب الملكة" Queen’s Speech بحماية هذه المعايير. إن هذه الالتزامات قد سجلت على الحكومة عندما قالت إنها تريد حماية الحيوانات وتعزيز رعايتها، وكل ما نقوم به هو تذكيرها بذلك".
وأشار كريس شيروود إلى أن "المسألة ليست منوطةً فقط بـ"الجمعية الملكية لمنع القسوة على الحيوانات"، إذ إن الرأي العام في البلاد يهتم هو أيضاً بمعرفة مصدر تلك الحيوانات المستوردة والطرق التي يتم التعامل بها معها. إنها كائنات واعية - وحيوانات لديها مشاعر وتشعر بالألم".
تجدر الإشارة إلى أن عدداً من الدول الأخرى تسمح بتربية الخنازير في إسطبلات المزارع داخل أقفاص - وهي عبارة عن حظائر ضيقة المساحة إلى درجة أنه لا يمكن للحيوانات أن تدور حول نفسها - أما طيور الدجاج فتحشر هي الأخرى في أقنة ضيقة.
وكانت بريطانيا قد حظرت أقفاص حمل الخنازير في عام 1999، أما مرابط الخنازير (أقفاص معدنية ضيقة لحماية الخنازير الصغيرة) فاستخدامها ما زال قانونياً، لكنه يبقى مثار جدل.
وما زالت كل من كندا والولايات المتحدة تسمحان باعتماد "أقفاص البطاريات" لتفقيس بيض الدجاج، التي تعد قاسية جداً على طيور الدجاج، إلى درجة أن المملكة المتحدة حظرت استعمالها في عام 2012.
أما الهند التي يعتقد أنها تريد أن تصدر إلى المملكة المتحدة البيض السائل (مكسور القشرة، لكن يحافظ على صفاره وبياضه بنسبهما الطبيعية)، والبيض المجفف (يحول إلى بودرة لاستخدامه في تحضير الحلويات والكعك)، فتبقي طيور الدجاج لديها على مستوى البلاد برمتها، داخل "أقفاص البطاريات".
في غضون ذلك، تجد الحكومة البريطانية نفسها أمام انقسام شديد بين مجموعتين، الأولى تمثلها وزيرة التجارة ليز تروس التي يعتقد أنها تريد التفاوض على أكبر عدد ممكن من الاتفاقات، والثانية يعبر عنها وزير البيئة السابق مايكل غوف، الذي يفضل عقد صفقات تجارية فقط في حال عدم المساس بمعايير رعاية الحيوانات في المملكة المتحدة.
وفي هذا الإطار، رأى ديفيد باولز رئيس الشؤون العامة في "الجمعية الملكية لمنع القسوة على الحيوانات" أن "الصعوبة التي تواجهها الحكومة تأتي من عدم امتلاكها سياسةً تجارية". ولفت إلى "أن هناك حاجةً لبلورة سياسة تجارية ليس فقط لإظهار ما هي الخطوط الحمر التي تعتمدها بريطانيا أمام الدول الأخرى قبل المفاوضات معها، بل أيضاً لإقناع الرأي العام والشركات والمزارعين بأن الحكومة ليست بصدد بيع هذه المعايير والتخلي عنها".
وأضاف، "على الرغم من أن لديها التزاماً رسمياً وواضحاً بعدم تقويض معايير رعاية الحيوانات وسلامتها، فإنها لا يوجد لديها حتى الآن جدول عملي تستطيع أن تثبت من خلاله كيف ستتمكن من تحقيق هذه الغاية، ولا توجد أيضاً استراتيجية تجارية تحدد الهدف من هذه التجارة - هل هي ترتكز على عقد أكبر عدد ممكن من الاتفاقات على أمل تحقيق ما هو أفضل، أو أنها تقوم على إبرام اتفاقات نوعية على أعلى المستويات، وضمان عدم تقويضها لمعاييرنا".
وأردف باولز، "يقول بعض أعضاء البرلمان إن لدينا اتفاق تجارة حرة مع الاتحاد الأوروبي، فلماذا لا تكون لدينا اتفاقات مماثلة مع دول أخرى، لكن الحقيقة الأساسية التي تفوتهم هي أنه لدينا معايير مشتركة مع الاتحاد الأوروبي في شأن رعاية الحيوانات، وقد تم التعامل على أساسها على مدى الأعوام الـ47 الماضية، لكن كل دولة نقوم بعقد اتفاقات معها الآن، تعتمد معايير أقل من تلك المطبقة عندنا".
وفي الموضوع نفسه، أعرب "تحالف التجارة ورعاية الحيوانات" Trade and Animal Welfare Coalition، وهو جزء من تحالف "المجموعة الأوروبية لحماية الحيوانات" Eurogroup for Animals، عن خشيته من أن "ترسي الصفقة مع أستراليا نموذجاً يحتذى به في الاتفاقات المستقبلية، سواء مع نيوزيلندا أو الهند أو "السوق المشتركة الجنوبية" Mercosur (تكتل اقتصادي في أميركا اللاتينية) أو مع "الشراكة عبر المحيط الهادي"، وهي إطار أوسع، أو مع الولايات المتحدة". ورأى أنه يتعين على المملكة المتحدة ألا "تستعين بمصادر خارجية" من شأنها أن تسهم في خفض المعايير المعتمدة من جانبها في حماية الحيوانات".
إشارة أخيراً إلى أنه عندما طلب من متحدث باسم الحكومة البريطانية الرد على ما تقدم، اكتفى بذكر الصياغة التي وردت في البيان الانتخابي لحزب "المحافظين" والتي تقول، "لن نتساهل في جميع مفاوضاتنا التجارية، بخصوص معاييرنا العالية المتعلقة بحماية البيئة، ورعاية الحيوانات، وسلامة الغذاء".
© The Independent