فجأة، يكتشف البعض السيارات الكهربائية، فيضرب أخماساً بأسداس، ثم يخرج للعالم باكتشافه الجديد: الطلب على النفط سينتهي، فماذا سيحصل لدول الخليج؟ الخوف والتخويف سيد الموقف. وينتشر الفيديو أو ما كتب انتشار النار في الهشيم، بين الناس الذين لا يعرفون إلا القليل عن الموضوع. وطبعاً، هناك الشامتون بدول الخليج، والذين يتمسكون بكل قشة لإظهار شماتتهم. باختصار، الجاهل يبيع لمن لا يعرف، والشامت يبيع لمن يتقبل بضاعته.
الحقيقة ستكون صادمة لهؤلاء. فعدد السيارات الكهربائية سيزداد باستمرار، ولكن ليس بشكل كاف للتأثير الكبير في الطلب على النفط. حتى وكالة الطاقة الدولية، أكبر عدو للنفط والدول النفطية وأكبر مشجع للسيارات الكهربائية، ترى أن أكبر انخفاض مستقبلي على النفط لا يأتي من السيارات الكهربائية، إنما من تحسن كفاءة سيارات البنزين والديزل. أكرر، البنزين والديزل!
والحقيقة أن أرقام التحول لـ"العربات الكهربائية" الذي تنشره بعض المؤسسات الغربية، تتضمن أعداداً هائلة من الدراجات والعربات ثلاثية العجلات. وكل التوقعات المستقبلية تتضمن هذه الأرقام. وصدرت دراسة مؤيدة للسيارات الكهربائية تصمنت توقعات نمو كبيرة في السيارات الكهربائية، وبشكل غير منطقي. وبعد التمحيص اكتشفت أنها تتضمن أرقام "السكوتر" الكهربائي. ويحسبون كل التحول من الغاز الطبيعي إلى الكهرباء على أنه خسارة للبنزين والديزل، ويتجاهلون عملية زيادة الحجم في التكرير. الأمر الذي يظهر عملية الإحلال أكبر من حجمها.
ولن نأخذ هنا التوقعات المتفائلة، بل سنذهب أبعد من ذلك، إذا أوقف حرق النفط تماماً في محطات الكهرباء حول العالم، واستبدلت كل السيارات في الاتحاد الأوروبي بسيارات كهربائية، فإن ذلك سيخفض الطلب على النفط بحوالى 12- 13 مليون برميل يومياً. ولكن، في الوقت الذي يتحقق فيه ذلك، يرتفع الطلب العالمي على النفط بمقدار 16 مليون برميل يومياً بسبب الهجرة من الريف إلى المدن من جهة، وارتفاع مستويات الدخل من جهة أخرى. هذا يعني أنه على الرغم من التطورات، سيزيد الطلب العالمي على النفط بمقدار 3 ملايين برميل على الأقل خلال تلك الفترة.
وإذا أخذنا توقع وكالة الطاقة الدولية بحسب الخطط الحالية للدول والشركات للتخفيف من الانبعاثات، فإنها تتوقع زيادة عدد السيارات الكهربائية بمقدار 130 مليون بنهاية 2030. هذه الزيادة في عدد السيارات الكهربائية ستخفض الطلب على النفط بأقل من 5 ملايين برميل يومياً، وهي أقل من الزيادة في الطلب على النفط في الهند وفيتنام خلال الأعوام العشرة المقبلة.
ولكن المبالغات لا تتوقف عند هذا الحد. فقد تم تبني السيارات الكهربائية، وتقديم إعانات هائلة لتبنيها، بهدف تخفيض انبعاثات الكربون. لننظر إلى الأرقام، إذا قام الاتحاد الأوروبي بتغيير كل السيارات الحالية إلى كهربائية، والكهرباء كلها تأتي من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، فإن ذلك سيخفض الانبعاثات العالمية بنحو 2 في المئة فقط! وإذا غيرت الولايات المتحدة سياراتها كلها إلى كهربائية، فإن ذلك سيخفض الانبعاثات العالمية بمقدار 2.3 في المئة فقط. بعبارة أخرى، إذا حولت السيارات كلها في أوروبا والولايات المتحدة إلى كهربائية، فإن ذلك سيخفض الانبعاثات العالمية بمقدار 4.35 في المئة فقط!
لاشك في أن البعض سيرحب بهذا التخفيض ويعتبره خطوة في الاتجاه الصحيح، إلا أن الحال هنا مثلها مثل كل مشروع استثماري: ما تكلفة تخفيض الانبعاثات 4.3 في المئة، خصوصاً إذا ما كانت الهند والصين ترفعان انبعاثاتهما؟ التكلفة تريليونية. من سيدفع هذه التكاليف؟ هذا لا يعني أنه يجب التوقف عن عملية تخفيض الانبعاثات، فنحن بحاجة ماسة إلى تخفيض مستويات التلوث في المدن الكبيرة، ولكن علينا أن نكون واقعيين في التعامل مع المشكلة: التكاليف عالية جداً.
مشكلة الشاحنات الكبيرة
تعتمد اقتصادات أوروبا والولايات المتحدة على شحن البضائع بالشاحنات من مقاسات مختلفة، خصوصاً الكبيرة منها التي تشتهر باستهلاك الديزل. ومن ثم، فإنه من المنطقي القول إن "كهربة" أساطيل الشاحنات ستؤدي إلى تخفيض الانبعاثات بشكل كبير. ولكن، لنتذكر أن "تيسلا" قدمت شاحنتها الكبيرة للعالم في عام 2017، ولم نرَ شيئاً حتى الآن! هناك مشكلات عدة في هذه الشاحنات ستحد من انتشارها. الأمر الذي يفسر الاهتمام الكبير بالهيدروجين وقوداً لهذه الشاحنات.
المشكلة الأولى تتعلق بالوزن، بسبب الوزن الضخم للبطاريات الذي يتجاوز 7 أطنان في الشاحنات الكبيرة. فإذا كانت الدولة تحدد الوزن الأقصى للشاحنة، مثل الولايات المتحدة، فإن أي زيادة في وزن الشاحنة تعني بالضرورة انخفاض حمولة الشاحنة. وانخفاض حمولة الشاحنة يرفع تكاليف الشحن. هذا يعني أن شحن الكميات نفسها يتطلب شاحنات إضافية. وهذا يقودنا إلى المشكلة الثانية!
المشكلة الثانية هي ارتفاع تكاليف الشاحنة الكهربائية، مقارنة مع الشاحنة نفسها التي تسير بالديزل، على الرغم من الإعانات والحوافز الحكومية. وتتوقع التقارير، حتى الممولة من المنظمات التي تشجع على تبني هذه الشاحنات، أن يظل سعرها أعلى من تكاليف الشاحنات المماثلة بالديزل. أضف إلى ذلك تكاليف الشاحنات الإضافية كما ذكر سابقاً، فنجد أن التكاليف عالية. وهذا الارتفاع في التكاليف سيحد من انتشار هذه الشاحنات. ومن المثير أن تقارير المنظمات التي تشجع على تبني هذه الشاحنات، تتوقع انخفاضاً كبيراً في الطلب على النفط، ولكن لسبب ما، عندما تقوم بالمقارنات، تبقي على أسعار الديزل مرتفعة، ربما لافتراضها ضمناً أن الحكومات ستفرض ضرائب ضخمة على المنتجات النفطية لاحقاً.
المشكلة الثالثة في البلاد التي ليس لديها حد أعلى لوزن الشاحنات: زيادة الوزن بين 2 و8 أطنان، سيؤدي إلى تكسير الطرق والشوارع والجسور وبقية البنية التحتية. هذه التكاليف يتحملها دافع الضرائب والمواطن العادي وليس شركات الشحن. وهنا، علينا أن نتذكر أن سبب استخدام هذه الشاحنات المرتفعة الثمن هو تخفيض الانبعاثات، ولكن لو أضفنا الانبعاثات الناتجة من تصليح الطرق الإسفلتية والإسمنتية باستمرار، نجد أن الانبعاثات عالية. باختصار، تكاليف وانبعاثات إصلاح الطرق نتيجة زيادة ثقل الشحنات الكهربائية الكبيرة متضمنة في تكاليفها وانبعاثاتها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
المشكلة الرابعة هي تآكل عجلات الشاحنات بشكل أسرع من الشاحنات التي تسير بالديزل بسبب الوزن، وقوة الدفع، وسرعة الانطلاق الشديدة، وتدهور حالة الطرق. وكما يعلم الجميع فإن هذه العجلات مصنوعة من مواد نفطية. باختصار، التكاليف الإضافية من قصر عمر العجلات، والانبعاثات الناتجة من ذلك غير محسوبة في التقارير التي أنتجتها المنظمات المشجعة على تبني الشاحنات الكهربائية.
المشكلة الخامسة هي أن الشاحنات الكبيرة التي تسير بالديزل يمكنها أن تسير حوالى 900 ميل بالخزانات الحالية، بينما أطول مسافة لشاحنة كهربائية حتى الآن هي 500 ميل فقط. موضوع الحمولة والمسافة والوقت مهم جداً لشركات الشحن. عرفنا مشكلة الحمولة، وعرفنا مشكلة المسافة، ماذا عن مشكلة الوقت؟ هناك قوانين تحكم عدد ساعات السائقين في الدول الغربية، وشحن الشاحنة الكهربائية المخصصة للنقل الطويل يستغرق وقتاً يجبر السائق على الوقوف والراحة. الأمر الذي يؤخر وصول هذه الشحنات.
خلاصة القول إن عدد السيارات والشاحنات الكهربائية سيزيد بشكل كبير، خصوصاً مع استمرار الإعانات الحكومية الكبيرة، ولكن تبقى هناك محددات لهذا النمو. مشكلة وزن البطاريات ستحد من انتشار الشاحنات الكهربائية. والتقارير التي نشرت حتى الآن، بتمويل من شركات أو هيئات حكومية تشجع على تبني الشاحنات الكهربائية تفترض، ومن دون أي اثبات، أن وزن البطاريات سينخفض فجأة بعد عام 2030. ومن دون أي إثبات، يفترضون أنها ستنخفض إلى أقل من وزن شاحنات الديزل. ولعل أكبر خطأ هو افتراض أن التكنولوجيا تتحسن في التكنولوجيا التي تحب فحسب، ولا تتحسن في التكنولوجيا التي لا تحب. من هنا، تأتي أهمية توقعات وكالة الطاقة الدولية و"أوبك": الانخفاض الأكبر في الطلب على النفط سيأتي من تحسن كفاءة محركات البنزين والديزل، وليس من السيارات الكهربائية. إذاً، لماذا تتجاهل التقارير هذه الحقيقة وتفترض أن التحسن سيحصل في مجال البطاريات فحسب؟
ويتضح من المعطيات الحالية، أن معظم التحول إلى الشاحنات الكهربائية سيكون داخل المدن وللمسافات القصيرة. ومن ثم، فإن قطاع الشحن الطويل لن يتأثر حالياً بموجة "كهربة" السيارات. هذه النتيجة تجعل البعض يسأل عن موضوع الشاحنات ذاتية القيادة وشاحنات الهيدروجين، وهذان موضوعان بشجون!
باختصار، متطلبات وجود سائق على كل الحالات لا تغير من موضوع الوقت بالنسبة إلى الشاحنات ذاتية الحركة، إلا أن استهلاك الطاقة سيزيد بشكل كبير في حال انتشار هذا النوع من السيارات، والشاحنات بشكل لا تتحمله الشركات الكهربائية لمعظم الدول المتقدمة. أما بالنسبة إلى شاحنات الهيدروجين، فستبقى محدودة لعدم الرغبة في استخدام الهيدروجين الرمادي، في وقت سيكون فيه إنتاج الهيدروجين الأخضر محدوداً.