كشف تقرير حديث عن أن الجنيه المصري الذي تمكن من الحفاظ على مكاسبه في مواجهة التداعيات الخطيرة التي خلَّفتها جائحة كورونا على كل اقتصادات العالم، وعلى رأسها عملات الأسواق الناشئة، سوف يظل متماسكاً في حال توقف دورة التيسير النقدي عالمياً، في إطار تحركات البنوك المركزية لمواجهة التضخم المرتفع.
وقالت وكالة "بلومبيرغ"، في تقرير حديث، إن الجنيه سوف يصمد بشكل أفضل من معظم عملات الأسواق الناشئة الأخرى في حال تشديد السياسة النقدية من جانب مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، وذلك نظراً إلى أسعار الفائدة الحقيقية الجذابة.
وكشفت شركة "فيديليتي إنترناشونال"، عن أن الجنيه المصري يتمتع جنباً إلى جنب مع السيدي الغاني بميزة كبيرة بالمقارنة مع نظرائه من حيث العوائد الحقيقية، إذ من المرجح أن يظل أكثر جاذبية للمستثمرين الأجانب في حال تسبب قيام الفيدرالي بتشديد السياسة النقدية في خروج التدفقات الاستثمارية من الأسواق الناشئة.
تجاوز أكبر مأزق سنوي
وقالت محللة أسواق المال في مصر، أماني عبد المطلب، إن الجنيه المصري تجاوز بالفعل أكبر مأزق سنوي خلال الفترة الماضية، إذ غالباً ما كان يتعرض لضغوط قاسية تتسبب في ارتفاع سعر صرف الدولار، وذلك مع قدوم موسم شهر رمضان المبارك من كل عام، وهو ما يعود إلى زيادة الطلب على العملة الصعبة لتغطية فاتورة الواردات الخاصة بالسلع في شهر رمضان.
لكن انتهت هذه الفترة من دون أن نشهد أزمة في سوق الصرف المصرية، وعلى العكس من ذلك، فقد حافظ الجنيه المصري على مكاسبه مقابل الدولار، على الرغم من تعرض جميع عملات الأسواق الناشئة لضغوط قاسية وخسائر مقابل العملة الخضراء، وتوقعت أن تظل العملة المصرية في صدارة عملات الأسواق الناشئة الأكثر صموداً، حتى في حال تشدد السياسة النقدية الأميركية أو اتجاه البنوك المركزية على مستوى العالم إلى وقف دورة التيسير النقدي، إذ تحافظ سوق الدين المصرية بجاذبية كبيرة مع استمرار أسعار الفائدة عند مستوياتها الحالية.
ونهاية الأسبوع الماضي، كشف البنك المركزي الأميركي عن أنه قد يرفع أسعار الفائدة في وقت أقرب مما كان متوقعاً، وفي الوقت الذي أدت فيه تلك الإشارات إلى عمليات بيع مكثفة لعملات الأسواق الناشئة، فقد احتفظ الجنيه المصري بقوته، حتى إنه ارتفع قليلاً مقابل الدولار على الرغم من أن الأخير شهد أحد أكبر مكاسبه الأسبوعية خلال هذا العام.
3.85 في المئة مكاسب الجنيه المصري
ومنذ بداية العام الماضي وحتى تعاملات اليوم، فقد هوى سعر صرف الدولار في مصر بنسبة 3.85 في المئة، وذلك بعدما تراجع سعره من مستوى 16.18 جنيه في يناير (كانون الثاني) من العام الماضي إلى نحو 15.58 جنيه في الوقت الحالي، لتفقد الورقة الأميركية الخضراء نحو 0.6 جنيه.
في المقابل، فقد سجلت كل عملات الأسواق الناشئة تراجعات ملحوظة خلال العام الماضي، إذ تكبد البيزو الأرجنتيني خسائر بأكثر من 28 في المئة أمام الدولار، وهوى الريال البرازيلي بنسبة 23 في المئة، وبلغت خسائر الليرة التركية مقابل الورقة الأميركية الخضراء نحو 21.2 في المئة.
وفي وقت فقد الروبل الروسي أكثر من 16.3 في المئة من قيمته أمام الدولار على مدى العام الماضي، فقد كانت الخسائر أقل حدة على صعيد الراند الجنوب أفريقي الذي تراجع بنسبة 3.85 في المئة، وخسرت الروبية الإندونيسية بنسبة اثنين في المئة، وتراجع سعر صرف الروبية الهندية بنحو 3.2 في المئة، كما نزلت الروبية الباكستانية بنسبة 3.26 في المئة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
اتجاه عالمي قوي لرفع أسعار الفائدة
وكشف تقرير وكالة "بلومبيرغ" عن تراجع أداء أدوات الدين في الأسواق الناشئة، وسجلت السندات المقومة بالعملة المحلية أسوأ أداء أسبوعي لها من حيث التدفقات الخارجة منذ مارس (آذار) من عام 2020 خلال تعاملات الأسبوع الماضي، بعدما تسبب الارتفاع في عوائد السندات الأميركية وسعر صرف الدولار في خروج المستثمرين من مراكزهم في تجارة الفائدة.
ووفق محللين في الوكالة، فإن التفاؤل يسيطر على عدد كبير من المحللين، الذين يرون أن عملات الأسواق الناشئة سوف تصمد أمام تشديد السياسة النقدية في الولايات المتحدة، حيث تتجه البنوك المركزية في الدول النامية أيضاً إلى رفع أسعار الفائدة استجابة لارتفاع معدل التضخم.
فقد احتفظت البرازيل وروسيا والتشيك وجنوب أفريقيا والمجر، وكلها دول رفعت أسعار الفائدة لديها أو من المتوقع أن تقوم بذلك قريباً، بمكاسبها ربع السنوية، وفي حين توقف ذلك مؤقتاً بسبب ارتفاع الدولار الأسبوع الماضي، فإن عملات الأسواق الناشئة ستعاود الصعود عندما يتراجع الدولار.
ورجحت الوكالة أن تبدأ البنوك المركزية في الأسواق الناشئة في رفع أسعار الفائدة قبل قيام "الاحتياطي الفيدرالي" بذلك، وأضافت، "خلال الصيف، قد يؤدي تراجع التقلبات إلى حض المستثمرين على الدخول في صفقات تجارة الفائدة الموسمية مرة أخرى، ما يصب في صالح عملات الأسواق الناشئة ذات العوائد المرتفعة".
كيف تحرك سعر الدولار في مصر؟
وفي سوق الصرف المصرية، فقد ارتفع سعر صرف الدولار من مستوى 8.88 جنيه خلال العام المالي 2016-2017، أي قبل صدور قرارات تعويم الجنيه المصري مقابل الدولار وتحرير سوق الصرف، إلى نحو 18.3 جنيه خلال العام المالي 2017-2018، ثم تراجع إلى مستوى 17.25 جنيه خلال العام المالي 2018-2019، وواصل التراجع إلى نحو 16 جنيهاً خلال العام المالي 2019-2020 ليسجل في الوقت الحالي مستوى 15.65 جنيه.
وعلى الرغم من استمرار صعود العملة المصرية مقابل الدولار، فإن التوقعات تشير إلى تعرض الجنيه إلى الضغط خلال الفترة المتبقية من العام الحالي، إذ كشف تقرير حديث لبنك الاستثمار "رينيسانس كابيتال"، عن أن مصر عرضة لخطر تراجع سعر صرف الجنيه بسبب قيمته المبالغ فيها بنسبة 13 في المئة مقارنة بالدولار، ونظراً إلى كون الجنيه أحد أكثر العملات المبالغ في قيمتها في الأسواق الناشئة، يتم الإبقاء على سعر صرفه عند قيمة تقديرية تبلغ 18 جنيهاً للدولار، وذلك بفضل التدفقات الكبيرة للمحافظ الأجنبية منذ يونيو (حزيران) 2020، التي عوضت إلى حد ما التراجع في إيرادات قطاع السياحة.
وعلى المدى القصير، سيظل الجنيه "مستقراً على نطاق واسع" على خلفية أسعار الفائدة الحقيقية المرتفعة نسبياً، التي ساعدت في جذب مزيد من التدفقات الرأسمالية إلى مصر مقارنة بنظيراتها من الأسواق الناشئة.