في أول خطوة مهمة لتحدي التعديلات المتسارعة في إجراءات التصويت للانتخابات التي أقرتها المجالس التشريعية في 14 ولاية يسيطر عليها الجمهوريون، رفعت وزارة العدل الأميركية دعوى قضائية ضد ولاية جورجيا لحماية الناخبين من انتهاك حقوقهم، في وقت يستعد الرئيس جو بايدن لإلقاء خطب في ولايات رئيسة خلال الأسابيع المقبلة، للتحذير من تهديد العملية الديمقراطية في الولايات المتحدة. فما سبب اشتعال المعركة الآن حول حقوق التصويت بين الديمقراطيين والجمهوريين؟ وهل يمكن أن تحسمها المعركة الفاصلة المنتظرة في الخريف المقبل عندما يعيد الديمقراطيون محاولاتهم لإقرار قانون فيدرالي في الكونغرس يقطع الطريق على جهود الجمهوريين في عشرات الولايات؟
أولى المعارك
لم يكن تحرك وزارة العدل الأميركية على طريق التقاضي ضد ولاية جورجيا، التي بادرت بتعديل قوانين إجراءات الانتخابات عقب إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية والتشريعية العام الماضي، سوى خطوة أولى من سلسلة خطوات تتخذها الوزارة ضد مزيد من الولايات، لضمان أن جميع الناخبين المؤهلين يمكنهم الإدلاء بأصواتهم، وأن يتم عدّ كل الأصوات المشروعة حسب ما قال ميريك غارلاند، وزير العدل، الذي دعا الكونغرس إلى تقديم مزيد من العون لمساعدة وزارته على وقف تقييد حقوق الناخبين وتسهيل التصويت في الانتخابات.
ولا شك أن إدارة بايدن شعرت بغصة كبيرة بعدما أحبط الجمهوريون في الكونغرس أكثر تشريعات حقوق التصويت الفيدرالية طموحاً منذ سنوات، ما وجّه ضربة لجهود حثيثة بذلها الديمقراطيون خلال الأسابيع الماضية للحفاظ على حقوق التصويت، وهو ما جعل الرئيس بايدن والزعماء الديمقراطيون يتعهدون تصعيد الضغط على الولايات والجمهوريين ومواصلة العمل لتعديل التشريعات الفيدرالية الخاصة بحقوق التصويت، لإقرار قانون يحول دون ما يصفونه بالانتقاص من حقوق التصويت، كما يعتزم الرئيس بايدن إلقاء خطب عدة في ولايات رئيسة يحذر فيها من التهديد الذي تتعرض له العملية الديمقراطية في الولايات المتحدة، التي قارنها بـ"جيم كرو"، وهو تعبير يشير إلى القوانين القمعية والإجراءات التي أصدرها بعض الولايات عقب تحرير العبيد في نهاية الحرب الأهلية، بهدف تقنين الفصل العنصري للأميركيين الأفارقة ومنعهم من المساواة مع البيض.
كل أدوات الهجوم
ولهذا تُظهر الدعوى القضائية ضد ولاية جورجيا أن إدارة بايدن تعتزم استدعاء كل الأدوات المتبقية لدى وزارة العدل، لمحاربة الإجراءات التي أقرتها الولايات، وتعتبر وزارة العدل أنها قد تحرم الناخبين السود والملونين من حق التصويت، فقد اتهمت الدعوى قانون جورجيا بالتمييز ضد الناخبين السود بينما تسعى لإثبات نية المشرعين العدوانية ضد حماية حقوق الناخبين.
واتخذت وزارة العدل خطوة إضافية لوقف التهديدات المتزايدة ضد مسؤولي الانتخابات وموظفي الاقتراع في ولاية جورجيا، وأعلنت عن تشكيل فريق عمل للتحقيق في مثل هذه الحالات ومقاضاة مرتكبيها. لكن الجمهوريين في جورجيا وصفوا دعوى الوزارة بأنها سياسية باطلة، كما أنها خاطئة من الناحيتين القانونية والدستورية، حسب قول حاكم الولاية برايان كيمب.
ويؤكد قادة الجمهوريين في الكونغرس والولايات أن تحديد قوانين الانتخابات هو حق خالص للولايات، وليس من حق الكونغرس فرض قوانين إجراءات وتنظيم الانتخابات على الولايات التي تختلف في ما بينها حول تفاصيل هذه الإجراءات، حسب ظروف كل ولاية وخياراتها.
لماذا جورجيا؟
كانت ولاية جورجيا في قلب جهود الرئيس السابق دونالد ترمب لإلغاء نتائج الانتخابات الرئاسية فيها طوال الأسابيع التي تلت الإعلان عن النتيجة في نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2020، فقد استخدم نظريات المؤامرة مكرراً مزاعمه بأن الانتخابات قد سُرقت، وأصر من دون دليل على أنها كانت مليئة بالاحتيال، حتى بعد أن أعاد المسؤولون في الولاية عمليات إعادة الفرز والتدقيق ثلاث مرات، التي أكدت كلها نتيجة فوز الرئيس بايدن بأصوات الولاية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لكن الضغوط التي مارسها ترمب وبعض الجمهوريين دفعت الولاية إلى تمرير قانون في مارس (آذار) الماضي، يفرض مجموعة من القيود على التصويت ويمنح المجلس التشريعي للولاية مزيداً من السلطة في إدارة الانتخابات، ويفرض قيوداً صارمة على إلقاء أوراق الاقتراع في صناديق ضخمة مخصصة للتصويت الغيابي، ويقلل الوقت المسموح به لطلب الناخبين بطاقات الاقتراع الغيابي، ويضيف متطلبات تحديد الهوية للتصويت عن طريق البريد.
وعلاوة على ذلك، يحظر القانون الجديد توزيع الطعام والماء على الناخبين المنتظرين في طوابير الانتخابات، في ولاية تشتهر منذ سنوات بخطوطها الطويلة بشكل استثنائي، بخاصة في مجتمعات الملونين.
وكان الهدف من وراء تغيير قانون التصويت في الولاية هو الحد من إقبال الناخبين السود الذين يشكلون ثلث سكان جورجيا، ويصوتون للديمقراطيين عبر الاقتراع الغيابي وبالبريد، ومن ثم يمكن الإبقاء على سيطرة الجمهوريين الطويلة على الولاية، بعدما تحولت جورجيا إلى ولاية ديمقراطية للمرة الثانية خلال 40 عاماً في السباق الرئاسي وفي جولات الإعادة التي قلبت مقاعدها في مجلس الشيوخ من الجمهوريين إلى الديمقراطيين.
تأثير مستقبلي
وبينما من المرجح أن تستغرق الدعوى المرفوعة من وزارة العدل في محكمة جزئية شمال جورجيا سنوات عدة، فإن عدداً من خبراء حقوق التصويت عبروا عن ثقتهم في قدرة وزارة العدل على الفوز وإبطال قيود التصويت في جورجيا، مشيرين إلى سجل الوزارة القوي في القضايا التي تركز على نيات المشرعين على الرغم من التركيبة المحافظة الحالية للقضاء الفيدرالي.
وفي حين تواصل المجالس التشريعية للولايات الأخرى التي يقودها الجمهوريون السعي إلى فرض قيود جديدة على عمليات التصويت، يعتقد خبراء قانونيون أن يؤثر الحكم النهائي لدعوى وزارة العدل في المحاولات المستقبلية لمشرعي الولايات عند تمرير قوانين تصويت جديدة، تماماً مثلما حدث من موجة قوانين تحديد هوية الناخبين عقب صدور قرار من المحكمة العليا الأميركية عام 2008 أيّد متطلبات تحديد الهوية في ولاية إنديانا.
معركة وجودية
وبينما تحركت وزارة العدل استجابة لطلب من الرئيس بايدن، يكافح الديمقراطيون في واشنطن لإيجاد استراتيجية فعالة لمواجهة قوانين مثل تلك التي أقرتها جورجيا، وتبعتها هذا العام أكثر من 12 هيئة تشريعية لولايات أخرى يقودها الجمهوريون، ويعلق نشطاء الحزب الديمقراطي آمالهم على الغالبية الضيقة للديمقراطيين في الكونغرس.
وعلى الرغم من أن مجلس النواب أقرّ مشروع قانون كاسح بشأن حقوق التصويت في مارس الماضي، فإنه يواجه عقبات صعبة في مجلس الشيوخ، بما في ذلك من السيناتور الديمقراطي جو مانشين.
ويصور الديمقراطيون المعركة على أنها وجودية، ويخطط التقدميون منهم لحملة ضغط هذا الصيف، في محاولة إقناع أعضاء مجلس الشيوخ بإلغاء المماطلة التشريعية "فيليبستر"، بما يسمح لهم بإقرار القوانين من دون دعم الجمهوريين، وهو ما يعارضه حتى الآن عدد من أعضاء مجلس الشيوخ المعتدلين من الديمقراطيين.
كما يخطط المشرعون الديمقراطيون للضغط من أجل تمرير تشريع فيدرالي من شأنه أن يعيد الحكم الذي ألغته المحكمة العليا عام 2013، والذي يطالب الولايات التي لها تاريخ من التمييز بوقف أي تغييرات في إجراءات التصويت بالتنسيق مع وزارة العدل.
على خطى جورجيا
وإلى أن ينجح الديمقراطيون في تحقيق أهدافهم قبل موعد انتخابات التجديد النصفي للكونغرس، التي قد تقلب موازين القوى في مجلسي النواب والشيوخ، يتوقع أن تنضم مزيد من الولايات في جهودها لتعديل قوانين وإجراءات الانتخابات، بعدما أقرّ المشرعون 22 قانوناً جديداً في 14 ولاية لجعل عملية التصويت أكثر صعوبة، وفقاً لمركز برينان للعدالة، وهو معهد أبحاث.
وفي حين تختلف القيود من ولاية لأخرى، إلا أنها يمكن أن تشمل الحد من استخدام صناديق الاقتراع، وإضافة متطلبات تحديد هوية الناخبين الذين يطلبون بطاقات الاقتراع الغيابي، وإلغاء القوانين المحلية التي تسمح بالتسجيل التلقائي للتصويت الغيابي، فضلاً عن بعض الإجراءات المتشددة التي تتجاوز بعض الإجراءات مثل تغيير طريقة التصويت، وتعديل قواعد الهيئة الانتخابية، وحظر التبرعات الخاصة التي توفر موارد لإدارة الانتخابات.
ونظراً إلى عدم وجود إجماع بين الديمقراطيين على إلغاء آلية التعطيل التشريعي المعمول بها منذ سنوات في مجلس الشيوخ، ومن ثم تمرير القوانين بالغالبية البسيطة من دون الحاجة إلى الجمهوريين، تظل فرصة الديمقراطيين في عكس اتجاه هذه القوانين منحصرة في النزاع القضائي الطويل بين وزارة العدل والولايات المختلفة، وقد يستغرق ذلك أعواماً عدة.