هناك واحد من تفسيرين، أو كلاهما معاً، يجعلان السياسيين تحت مقصلة الفضائح الجنسية، إما أن السياسيين بما لهم من سلطة على موظفيهم، أو على الذين يعملون في خدمتهم في أي مكان في العالم، يجعلهم يستسهلون عمليات التحرش الجنسي، وإما لأنهم يعملون في المجال السياسي، وهو مجال عام يتربص فيه بهم كثر ينتظرون أي هفوة يقومون بها، فتنتشر أخبار فضائحهم الجنسية سريعاً عبر وسائل الإعلام، ما يؤدي إلى انتهاء مسيرتهم في المجال العام، ومحاكمتهم، أو دفعهم تعويضات للضحايا. وربما يجتمع السببان لوضع عمليات التحرش الجنسي التي يقوم بها السياسيون موضع اهتمام عام ليس في بلادهم فقط، بل وفي كل أنحاء العالم.
فضائح إعلامية أولاً
السياسي كغيره من الناس يملك مشاعر شخصية قد يمارسها بالعنف، أو بغيره، ولكن بما أن الأضواء مسلطة عليه، فإن مشاعره الخاصة تصبح ملكاً عاماً حين يمارسها بدافع من السلطة التي يمنحه إياها موقعه، وغالباً ما تمر التحرشات الجنسية للسياسيين أو المشاهير على حد سواء من دون أن تشاع، لكن إعلان أحد الضحايا عما تعرض له، يمكن أن يكر سِبحة من التحرشات لم تكن معلنة قبل ذلك بحق السياسي المتحرش نفسه. فشجاعة ضحية واحدة تتحول إلى حجر الدومينو الأول الذي يسقط سائر الأحجار على التوالي. والدليل فضائح الفيديو التي جرت في البرلمان الأسترالي الشهر الماضي، وكذلك قضية ممثلات في هوليوود وتحرش المنتج السينمائي الأميركي المعروف هارفي واينستين بهن، وهي القضية التي ما لبث أن فتحت أبواب الجحيم على هذا المنتج من أخريات كن ساكتات عما جرى لهن.
وعلى الرغم من ضبابية الحدود بين ما يمكن اعتباره تحرشاً جنسياً أو عملاً تم برغبة الطرف الآخر، وفي حين أن كثيراً من قضايا التحرش ينتهي بتبرئة المتهم، بعد أن يتبين أن الجهة المدعية كانت تهدف إلى استغلال مادي أو وظيفي، إلا أنه غالباً ما يكون قد سبق السيف العذل، فالفضيحة الجنسية تنتشر في وسائل الإعلام كالنار في الهشيم، ويقع الاتهام مباشرةً على صاحبه من دون انتظار نتائج التحقيق أو المحاكمة التي لا تزيد في الأمر سوى إعادة الاعتبار السياسي للمتهم، لا أكثر، بعد أن تكون حياته الشخصية والعائلية والوظيفية قد نالها ما نالها من أقلام الصحافيين وألسنة الناس ومن أضرار، غالباً ما تكون فادحة.
لكن في الجهة المقابلة، هناك القضايا التي لا تفضح، والتي لا يعرف بها أحد، إما لأن المتحرش صاحب سلطة عليا حتى على وسائل الإعلام نفسها، أو لأن الضحية ترضى بما يقدم لها من تعويضات خلف الكواليس، فتتم لململة القضية، ولا تصل إلى موقع الفضيحة.
الرؤساء في رأس اللائحة
في العالم سياسيون كثر طاولتهم فضائح التحرش الجنسي، على رأسهم قضية الرئيس الأميركي بيل كلينتون التي عرفت باسم "فضيحة لوينسكي" على اسم المتدربة في المكتب البيضاوي، مونيكا لوينسكي. وأخذت هذه الفضيحة مجراها أمام القضاء ومجلس الشيوخ الأميركي، إلى درجة اعتراف الرئيس كلينتون بكذبه تحت القسم من جهة، والكشف عن سبل التحرش والوضعيات الحميمية التي تمت فيها. فوصمت تلك القضية النصف الثاني من ولاية كلينتون الثانية في رئاسة الولايات المتحدة، بل وباتت الفضيحة الأكثر تداولاً حول العالم في حينه. في النهاية، نجا كلينتون، ولم يضطر إلى الاستقالة، بينما لاحقت الصحافة مونيكا لوينسكي، قالبةً حياتها رأساً على عقب ما أثر عليها بشكل سلبي تحدثت عنه لاحقاً في كتاب مطول عن هذه العلاقة.
ولكن، لا بد من القول إن الفضائح الجنسية التي تطاول السياسيين الأميركيين تختلف بنتائجها عن تلك التي تطاول ساسة أوروبيين، ففي الولايات المتحدة تلعب اعتبارات الحفاظ على الأسرة والخيانة دوراً رئيساً في الفضيحة، بينما في أوروبا يجب أن تشمل الفضيحة استغلال منصب أو عمليات اغتصاب وجنس يمارس على قاصرات كي يكون للفضيحة تأثيرات مدوية كالاستقالة أو المحاكمة أو دفع التعويضات.
فقد عرف عن الرؤساء الفرنسيين أنهم تورطوا خلال سنوات حكمهم في علاقات غرامية مع نساء غير زوجاتهم، ومن بين هؤلاء فرانسوا ميتران، الذي أسس عائلة سرية إلى جانب عائلته الرسمية، وأبقى الأمر سراً لسنوات طويلة، على الرغم من أنه له، من علاقته تلك، ابنة اسمها مازرين، من عشيقته "التاريخية" آن بينجو.
خليفة ميتران، جاك شيراك، كتب في مذكراته عن علاقاته الغرامية، فقال، "كانت هناك نساء أحببتهن، بتكتم وسرية قدر الإمكان".
هذا النوع من العلاقة كان ليطيح هذين الرئيسين في الولايات المتحدة، لكن في فرنسا يبدو أن الشعب غير معني بعلاقات الرئيس الغرامية، طالما أنها لا تؤثر على قراراته السياسية أو تلك التي تعني الصالح العام، أو أن الحرية الشخصية والفردية لا ترتبط بالدور السياسي للشخص طالما أنه لا يستغل منصبه العام لممارسة مغامراته الجنسية أو علاقاته خارج الزواج.
ولعل أكبر فضيحة جنسية في أوروبا، هي تلك التي طاولت رئيس الوزراء الإيطالي السابق سيلفيو برلسكوني، التي عرفت باسم "روبي غيت". وقد توالت الاتهامات والمحاكمات بحق برلسكوني، ومن بينها إقامة علاقة جنسية مع قاصر، هي المغربية الأصل كريمة المحروقي، المعروفة باسم "روبي" في عام 2010.
في إسرائيل، كان أبرز شخص يستقيل من منصبه على خلفية فضائح جنسية، الرئيس الإسرائيلي السابق موشيه كاتساف. ودانت محكمة إسرائيلية كاتساف في 30 ديسمبر (كانون الأول) 2010 بتهمتي اغتصاب إلى جانب تهم أخرى.
فضائح حديثة وقديمة
خلال شهر يونيو (حزيران) الماضي، قدم وزير الصحة البريطاني، مات هانكوك، استقالته من منصبه، بعد الكشف عن انتهاكه إجراءات كورونا مع مساعدته التي تربطه بها علاقة عاطفية. وأرسل الوزير الذي كان المسؤول الأساسي في بريطانيا عن الاستجابة لجائحة "كوفيد"، وخصوصاً حملة التلقيح، رسالة إلى رئيس الوزراء بوريس جونسون تتضمن استقالته.
وقبلها بأشهر، انتشرت فضيحة المقاطع الجنسية المصورة داخل البرلمان الأسترالي، والتي يمكن القول إنها عصفت بالحياة السياسية في أستراليا. فقد انتشرت مقاطع مصورة لموظفين وهم يمارسون أفعالاً جنسية داخل مكاتب البرلمان. وظهرت هذه المقاطع بعد أن كشفت موظفة سابقة كيف خافت على فقدان وظيفتها بعد تعرضها لاعتداء جنسي، وزعمت بريتاني هيغنز أنها اغتصبت من قبل زميل لها أعلى منها في الدرجة الوظيفية داخل أحد المكاتب في عام 2019، وبأنها تعرضت للضغط من أجل عدم إبلاغ الشرطة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ولا تنتهي هذه الفضائح الجنسية المتكررة والمتمادية بمجرد الاعتذار ودفع التعويضات أو المحاكمات الصورية، بل تليها تغييرات جذرية بسبب ضغط الرأي العام للوصول إلى أقصى النتائج الممكنة، وهذا ما اضطر رئيس الوزراء الأسترالي سكوت موريسون إلى إجراء تعديل وزاري، عبر تجريد عضوين بارزين في الحكومة من حقيبتيهما، وخفض رتبتيهما في السلطة التنفيذية، وترقية نساء داخل الحكومة ليتميز الفريق الجديد بـ"أكبر تمثيل للمرأة" في تاريخ الحكومات الأسترالية.
ولكن الفضائح الجنسية بحق السياسيين لا تعني دوماً أنهم قاموا بأعمال شائنة أو خطيرة أو خارجة عن المألوف، وقد تكون اعتداءات لفظية أو تحرشاً غير جسدي، كما حدث مع الجنرال الأميركي الشهير ديفيد بيتريوس الذي كان يرغب بالترشح للرئاسة الأميركية عن الحزب الجمهوري. وكان بيتريوس قد ارتبط بعلاقة مع صحافية كانت تكتب كتاباً عن سيرته الذاتية كجنرال بأربع نجوم تخرج من كلية "ويست بوينت" العسكرية الشهيرة وارتقى إلى مناصب رفيعة في المؤسسة العسكرية، منها دوره المفصلي في حرب العراق، ومن ثم تربعه على عرش المؤسسة الاستخباراتية الأولى في العالم، وهي وكالة الاستخبارات المركزية الـ"سي آي أي". ومشكلة الجنرال أنه ارتكب أخطاءً بديهية، إذ كان يرسل للصحافية رسائل خاصة من حساب بريد الوكالة الرسمي دون الأخذ بالاعتبار المخاطر الأمنية. ولم ينجُ بيتريوس من الفضيحة، فقدم استقالته، ودفع 100 ألف دولار كغرامة لتفادي السجن، ثم اختفى من الحياة العامة بعد نجومية كبيرة.
وبالعودة إلى بريطانيا، انتشرت فضائح جنسية في عام 2017 تسببت في استقالة وزير الدفاع البريطاني، مايكل فالون، المتهم بوضع يده على ركبة صحافية في عام 2002، وبمحاولة تقبيل صحافية أخرى في عام 2003.
كذلك سارعت سارعت الصحف الأميركية إلى كشف تفاصيل مغامرات حاكم ولاية نيويورك السابق إليوت سيبتسر مع بائعه هوى، ما اضطره إلى الاعتذار وطلب المغفرة من زوجته في مؤتمر صحافي، واضطر إلى الاستقالة وفقدان منصبه كحاكم لنيويورك بعد أن شغل منصب المدعي العام الذي عرف فيه بسمعته الجيدة وشخصيته القوية. كل تلك السلطة والنفوذ اللذين حققهما هدمتهما فضيحة جنسية واحدة.
للمنظمات والإدارات حصة أيضاً
وهناك أنواع من الفضائح لا تطاول أشخاصاً فقط من السياسيين، بل منظمات ومؤسسات عامة ونظاماً وهيكلية إدارية وسياسية بأكملها، كما جرى في ألمانيا حين عرضت القناة الثانية الألمانية تقريراً عن استغلال اللاجئين في معسكرات الإيواء في برلين في أعمال جنسية. بدأ ذلك حين دشنت الحكومة الألمانية موقعاً إلكترونياً في عام 2016، بلغات عدة، من بينها العربية، لنشر الثقافة الجنسية على الألمانية بين شباب وشابات المهاجرين واللاجئين، بغرض الإسراع في دمجهم بالثقافة والمجتمع الألماني. وفوجئت سلطات ولاية العاصمة برلين باستغلال شركات الأمن، المنوط بها حماية اللاجئين في معسكرات اللجوء، وظيفتها في توريد اللاجئين القصر – أقل من 18 عاماً – إلى بيوت وشبكات الدعارة بكل أنواعها. وصرح عنصر أمن قائلاً، "يتصلون بنا ويقولون: أنا بحاجة لامرأة، أو بشكل عام إلى رجل، خصوصاً من صغار السن. وكلما كانوا أصغر سناً ارتفعت التسعيرة".
وكانت مثل هذه الدعاوى قد طاولت منظمة الكشافة الأميركية في عام 2012، حين قدم قرابة 100 ألف شخص من ضحايا الانتهاكات الجنسية دعاوى قضائية يطالبون فيها بتعويضات من المنظمة في أكبر فضيحة انتهاكات جنسية في تاريخ الولايات المتحدة على الإطلاق.
وطالت منظمة "أوكسفام" مزاعم تتعلق بالاستغلال الجنسي والبلطجة وسوء الإدارة، في تقرير نشرته صحيفة "تايمز" البريطانية، ضد كبار مديري المنظمة في جمهورية الكونغو الديمقراطية بزعم أنهم مارسوا التخويف والتهديد بالقتل والاحتيال ومحاباة الأقارب.
واشتهرت أيضاً قضية التحرش الجنسي لرئيس صندوق النقد الدولي، دومنيك ستراوس، ومحاولته اغتصاب عاملة في فندق أميركي، فتم إجباره على الاستقالة من منصبه، ولم يترشح لانتخابات الرئاسية الفرنسية التي فاز بها في حينه الرئيس الأسبق فرانسوا هولاند.