أثارت المساعدات المالية التي قدمتها الحكومة التونسية، برئاسة هشام المشيشي، إلى المؤسسات الإعلامية الخاصة، المتضررة من وباء كورونا في تونس، خلافاً بين الجسم الحكومي والهيئة العليا المستقلة للإعلام السمعي والبصري (الهايكا).
وتقدر هذه المساعدات بنحو 5 ملايين دينار (1.6 مليون دولار) لمساعدة قطاع الإعلام في تونس، الذي تكبد خسائر فادحة بسبب انتشار فيروس كورونا، وتراجع مبيعات الصحف، بسبب غياب الدعم وغلاء الورق المخصص للطباعة، ما أدى إلى توقف عدد منها عن الصدور، وتسريح عدد من العمال والصحافيين، ما دفع الحكومة التونسية السابقة برئاسة إلياس الفخفاخ، إلى الإعلان عن إجراءات للتخفيف من معاناة ذلك القطاع.
كما قررت الحكومة المساهمة في الاشتراكات الرقمية للنسخ الإلكترونية للصحف، من قبل الدولة والمؤسسات العمومية، وفق ميزانية تقدر بـ1.2 مليون دينار (نحو نصف مليون دولار).
"تمييز" في التوزيع
واستنكرت الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري، ما قالت إنه "تمييز" في توزيع المساعدات المالية الحكومية على المؤسسات الإعلامية، التي تكابد أزمة اقتصادية خانقة عمقتها جائحة كورونا.
ونددت "الهايكا" في بيان، بتقديم الحكومة مساعدات مالية لعدد من المؤسسات الإعلامية "دون الالتزام باحترام مبادئ الشفافية والنزاهة والإنصاف، ودون اعتماد معايير موضوعية محددة على غرار التجارب الرائدة في هذا المجال".
وجددت الهيئة رفضها لهذه الطريقة "التي تتعمد الحكومة من خلالها تغييب دور الهيئة التعديلية في معالجة العديد من ملفات القطاع، وعدم إشراكها في وضع معايير إسناد المساعدات المالية، كدليل على الإمعان في تجاوز الهيئات الدستورية، لمجرد تمسكها بدورها كسلطة عمومية مضادة".
التحكم بوسائل الإعلام
وصرح عضو "الهايكا"، هشام السنوسي، بأن "الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري، تدعم مبدأ مساعدة وسائل الإعلام بسبب أزمة (كوفيد)، ولتراجع موارد الإشهار، نظراً للركود الاقتصادي، إلا أنها تريد دعماً منظماً لوسائل الإعلام، لذلك قدمت مشروعاً يتمثل في صندوق دعم جودة مضامين وسائل الإعلام". وأضاف أنه "كان على الحكومة أن تضع معايير بالتعاون مع (الهايكا)، قبل منح وسائل الإعلام الخاصة المساعدات الآتية من المال العام"، لافتاً إلى "إمكانية استغلال أزمة وسائل الإعلام، من أجل التحكم فيها".
وذكر السنوسي أن "من مهام هيئة الإعلام، ضمان استقلالية وسائل الإعلام وحرية التعبير"، وهو ما دفع الهيئة إلى الاحتجاج على هذا الأسلوب من الحكومة الذي قال إنه "يذكر بالعطايا والمزايا التي كان يستخدمها النظام السابق مع عدد من وسائل الإعلام".
إقصاء إذاعات الجمعيات
واستغرب السنوسي إقصاء إعلام الجمعيات غير الربحي من هذه المساعدات، مؤكداً أن "بيان (الهايكا) أحرج الحكومة، فحاولت تبرير المساعدات بالقول إن ما تم تقديمه ليست مساعدات، وإنما هي مستحقات مقابل الحملات الإعلامية الخاصة بمقاومة انتشار الوباء التي قامت بها الإذاعات والتلفزيونات الخاصة".
وبين السنوسي، أن "للهيئة اقتراحاً لم تتفاعل معه الحكومات المتعاقبة، وهو إنشاء صندوق لدعم الإعلام الخاص وجودة المضامين الإعلامية، إذ يشترط أن تكون المساعدات مرتبطة بجودة المضمون، وليس مجرد مساعدات، خاصة أننا نعلم أن هناك إشكالية كبيرة في جودة المضامين في عديد من وسائل الإعلام التونسية".
وأكد أن "الحكومة الحالية تعمل تحت ضغط الأحزاب الداعمة لها، والتي يملك بعضها قنوات تلفزيونية وإذاعية دون ترخيص"، مشيراً إلى "تصدع العلاقة بين الحكومة والهيئة باعتبارها هيئة عامة".
وتجدر الإشارة إلى أن كل إذاعة ستتمتع بمساعدة مالية حكومية، في حدود 127 ألف دينار (42 ألف دولار)، بينما تحصل القنوات التلفزيونية على نحو 300 ألف دينار (100 ألف دولار).
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
مستحقات وليست مساعدات
من جهته، أكد محمد كمال ربانة، رئيس النقابة الوطنية للإذاعات الخاصة، أن "(الهايكا) تغالط الرأي العام"، مضيفاً أن "المساعدات المالية نوقشت في جلسات مفتوحة، في عهد حكومة الفخفاخ، وما تسلمته الإذاعات الخاصة هي مستحقاتها، لأنها ساهمت ببرامج وبمساحات إذاعية وومضات للوقاية من انتشار فيروس كورونا"، منوهاً بدور وسائل الإعلام في مقاومة الوباء في موجته الأولى. وأضاف رئيس نقابة الإذاعات الخاصة، أن "القيمة الإجمالية للمساعدات الحكومية لقطاع الإعلام الخاص، تبلغ 5 ملايين دينار (1.6 مليون دولار)، منها 250 ألف دينار (83 ألف دولار)، لفائدة نقابة الصحافيين، لتعويض المتضررين من الجائحة".
الحكومة تأخرت في دفع المساعدات
وتعليقاً على بيان "الهايكا"، اعتبر رئيس الجمعية التونسية لمديري الصحف، الطيب الزهار، أن "التشكيك في عملية توزيع المساعدات في غير محله"، داعياً هيئة الإعلام والاتصال إلى دعم كل المساعدات المالية للقطاع"، مضيفاً أنه "تم إعداد شروط تراعي أخلاقيات المهنة واتفاقات الشغل لتوزيع هذه المساعدات".
ولفت الزهار إلى أن "حكومة المشيشي تأخرت في تطبيق الإجراءات التي أعدتها الحكومة التي سبقتها".
"الهايكا سقطت"
في المقابل، استنكر مستشار رئيس الحكومة المكلف الإعلام، مفدي المسدي، في تدوينة نشرها على صفحته على "فيسبوك"، يوم الأربعاء 7 يوليو (تموز) الحالي، بيان الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري، حول المساعدات المالية الحكومية. واعتبر المسدي أن "الهيئة سقطت بنشرها هذا البيان"، مؤكداً أن "الأمر الحكومي الخاص بهذه المساعدات والتعويضات ضبطته حكومة إلياس الفخفاخ ونفذته حكومة المشيشي".
ويضاف هذا السجال إلى المواجهات المتكررة بين مجلس الوزراء والهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري، التي سبق وأن حملت حكومة المشيشي مسؤولية عرقلة مسار إصلاح الإعلام الرسمي.
كما اتهمت "الهايكا"، الحكومة، في فبراير (شباط) الماضي، بـ"الخضوع والاصطفاف وراء أصحاب المؤسسات الإعلامية الحزبية والمارقة"، محذرة من أن ذلك "بات يهدد مؤسسات الدولة والانتقال الديمقراطي".