على وقع تظاهرات أنصاره، وتحركات قواته الأخيرة في جنوب اليمن، دانت كل من أميركا وبريطانيا وفرنسا، التصعيد الأخير لـ"المجلس الانتقالي"، جراء عودة التوترات العسكرية في عدد من المحافظات وإصداره قرارات تقع ضمن اختصاص الحكومة اليمنية الشرعية.
ودعت الدول الثلاث إلى ضرورة الالتزام الكامل بتنفيذ "اتفاق الرياض"، ووقف التصعيد والقرارات الأحادية، عقب ساعات من تحذير أميركي شديد اللهجة في شأن تصعيد "الانتقالي" في عدد من المحافظات الجنوبية التي يدعي تمثيلها حصراً.
وعلّق المجلس الانتقالي الجنوبي على تلك الإدانات بأسفه على ما وصفه بـ"بعض التصريحات الصادرة من الخارج" والتي حمّلت الأمور أكثر مما تتحمل، بحسب بيان المجلس.
وقال في بيان تلى اجتماعاً عقده بحضور رئيسه عيدروس الزبيدي، إن تلك التصريحات أوصلت رسائل خاطئة إلى بقية الأطراف لاستغلالها ضد الحقوق التي تنادي بها كل شعوب العالم المتحضر.
مع الرياض لمنع التوتر
وتواترت التحذيرات الدولية عقب أيام من دعوة السعودية كلاً من الحكومة اليمنية الشرعية والمجلس الانتقالي الجنوبي إلى المضي قدماً نحو تنفيذ بنود "اتفاق الرياض" الموقع بينهما، في أعقاب التوترات المسلحة الدامية التي شهدتها محافظة أبين (مسقط رأس الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي) بين الطرفين، على خلفية إصدار "الانتقالي" سلسلة قرارات بتعيينات عسكرية، ما اعتبرته الرياض إخلالاً ببنود الاتفاق الذي يواجه جملة عراقيل وتباينات، ما ينذر بعودة التوترات إلى جنوب البلاد.
وحذرت فرنسا مما سمته "التصعيد في القرارات الاستفزازية والخطابات من كل الأطراف"، مشددةً على أنها تدعم بقوة اتفاق الرياض ووحدة وسلامة الأراضي اليمنية.
وتأتي هذه التطورات على خلفية ما شهدته مدينة لودر في محافظة أبين (المحاذية لعدن جنوب البلاد) من اشتباكات دامية إثر قيام قوات "الانتقالي" بمحاولة السيطرة على مبنى إدارة الأمن، احتجاجاً على صدور قرار حكومي بتغيير مدير أمن مديرية لودر، الموالي للمجلس الانتقالي، قبل أن تتمكن القوات الحكومية من إحكام سيطرتها على كامل المدينة عقب مواجهات عنيفة سقط خلالها قتيلان وجرح ثلاثة آخرون.
وسبق هذه المواجهات صدور قرارات التعيين العسكرية والمدنية من قبل رئيس المجلس الانتقالي، عيدروس الزبيدي، الذي يوصف بين مناصريه بأنه "الرئيس الشرعي للجنوب"، الأمر الذي رأت فيه الشرعية اليمنية مخالفةً صريحة لـ"اتفاق الرياض".
تهديد أميركي
وفي أول حديث لإدارة الرئيس الأميركي جو بايدن في شأن الأوضاع في الجنوب اليمني الذي يشهد أزمة سياسية منذ ما قبل الحرب تتمثل بمطالب المظالم الحقوقية ومطالب "تقرير المصير" وغيرها، قالت القائمة بأعمال السفير الأميركي لدى اليمن، كاثي ويستلي، صباح الجمعة 9 يوليو (تموز) الحالي، إن "الخطاب التصعيدي والإجراءات في محافظات اليمن الجنوبية يجب أن تتوقف". وأضافت على حساب السفارة الرسمي في "تويتر"، "نحث الأطراف على العودة إلى الحوار الذي يركز على تنفيذ اتفاق الرياض ووضع مصلحة الشعب اليمني في المقام الأول".
وحملت تصريحات القائمة بأعمال السفير الأميركي تهديدات واضحة ضد المجلس الانتقالي، إذ توعدت برد دولي على أولئك الذين "يقوضون أمن واستقرار ووحدة اليمن". وقالت إن "أولئك الذين يقوضون أمن اليمن واستقراره ووحدته يخاطرون بالتعرض للرد الدولي ومضاعفة المعاناة في اليمن وإطالة أمدها".
إجراءات استفزازية
وفي تصريح مشابه بدلالات مماثلة، عبر السفير البريطاني مايكل آرون، عن قلقه جراء التصعيد الأخير في المحافظات الجنوبية داعياً إلى إنهاء ما وصفه بـ"الإجراءات الاستفزازية"، وذلك في تغريدة على حسابه في تويتر قال فيها إنه "قلق جداً من التصعيد الأخير في الجنوب والذي يخالف اتفاق الرياض الموقع بين الطرفين. يجب إنهاء الإجراءات الاستفزازية". وأضاف آرون، "يجب على الجانبين العودة فوراً إلى طاولة المفاوضات في ظل الوساطة السعودية للاتفاق على التنفيذ الكامل لاتفاق الرياض".
وحدة وسلامة أراضي اليمن
من جانبه، قال جان ماري صفا، السفير الفرنسي لدى اليمن، في تصريحات صحافية إن بلاده قلقة من التطورات الأخيرة في جنوب اليمن. وأضاف، "يجب التطبيق الكامل والشامل لاتفاق الرياض لعودة الحكومة الشرعية (يداً واحدة) في عدن، العاصمة المؤقتة، بأسرع وقت ممكن لكي تخدم الشعب اليمني".
وأكد السفير الفرنسي وجوب "وقف التصعيد في القرارات الاستفزازية والخطابات من كل الأطراف". وشدد على أمن "فرنسا تدعم بقوة اتفاق الرياض نحو الحل السياسي الكامل والشامل تحت رعاية الأمم المتحدة، وتؤكد تمسكها بوحدة وسلامة أراضي اليمن".
منع تمكين الجماعات الإرهابية
وقابل "المجلس الانتقالي" الإدانات الدولية بالصمت، لكن نائب رئيس الدائرة الإعلامية في المجلس، منصور صالح، كان قد صرح في وقت سابق، "إننا في المجلس كنا وما زلنا حريصين كل الحرص على استكمال تنفيذ اتفاق الرياض، بالتالي نحن مع كل دعوة لتنفيذه ونرحب بها، كما نؤكد أننا مع أي جهد يبذل لإحلال السلام ووقف الحرب التي يدفع شعبنا الجنوبي ثمنها غالياً من حياة أبنائه ومعيشتهم".
وتطرق صالح للتظاهرات التي أخرجها الانتقالي وأنصاره في محافظة شبوة. وقال، "نحن ندعو إلى ضغط دولي لوقف عمليات القتل والإرهاب والاعتقالات التي تمارسها الشرعية المختطفة من جماعة الإخوان ضد الفعاليات السلمية والمواطنين الجنوبيين في مناطق سيطرة الجماعة. كما ندعو إلى الوقوف في وجه تمكين الجماعات الإرهابية في مناطق نفوذ ما تسمى الشرعية، وتحديداً في محافظة شبوة ووادي حضرموت".
وفي استيضاح لما يقصده بتمكين الجماعات الإرهابية في شبوة وحضرموت، قال صالح إن "معسكرات الشرعية أصبحت مأوى للجماعات الإرهابية، وهناك تبادل منافع، بدليل أن الطيران الأميركي يستهدف قيادات تتبع (القاعدة) في معسكرات الشرعية".
وعادةً ما يبدي "الانتقالي" موقفاً حاداً من الحكومة الشرعية التي يمتلك نصف مقاعدها ويشارك فيها وفق "اتفاق الرياض"، وفي الوقت ذاته يقاسمها السلطة من خلال الشراكة السياسية التي تتمثل في حكومة المحاصصة برئاسة معين عبدالملك، كما يطالبها بالعودة إلى أداء مهماتها من عدن التي يحكم قبضته عليها، وهي محاولة، وفق مراقبين، لاستغلال حالة العداء التي تبديها دول المنطقة والعالم تجاه جماعات الإسلام السياسي ومن بينها جماعة "الإخوان المسلمين".
هذه شروطنا
كذلك، أبدى نائب رئيس الدائرة الإعلامية في المجلس الانتقالي، اشتراطات الجهة التي يمثل، لتنفيذ ما تبقى من "اتفاق الرياض". وقال، "نحن جاهزون للنقاش حول تنفيذ ما تبقى من اتفاق الرياض دون انتقائية، ومن ذلك انسحاب القوات التي دخلت شبوة وأطراف من أبين في عام 2019 وعودة قوات النخبة الشبوانية (فصيل مسلح غير رسمي مُوالٍ للانتقالي) لحماية أمن واستقرار شبوة وتسلم نخبة حضرموت مهام الأمن في الوادي (مناطق وادي محافظة حضرموت) وخروج القوات الشمالية من وادي حضرموت وتوجهها إلى الجبهات. ونأمل بأن يتوجه الضغط الدولي باتجاه إرغام الشرعية اليمنية على الوفاء بالتزاماتها تجاه هذا الاتفاق".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وكان "الانتقالي" الذي يتبنى علناً خيار فصل جنوب اليمن عن شماله، ويدعي تمثيل خيارات أبناء المحافظات الجنوبية، قد أعلن في أبريل (نيسان) من العام الماضي، ما سماه "الإدارة الذاتية للجنوب"، وشرع في تنفيذ خطوته بمصادرة الإيرادات المالية الحكومية في العاصمة المؤقتة عدن، وأخيراً في محافظة سقطرى، وهو ما اعتبرته الحكومة الشرعية حينها "استمراراً في التمرد، وعرقلة لتنفيذ اتفاق الرياض"، وطالبت بالتراجع الفوري عنه، ووصفته بـ"الانقلاب الجديد".
رسالة من حلفاء الرياض
وكون أن السعودية هي راعية الاتفاق، الذي عدّته ومعها الحكومة اليمنية والعالم خطوةً فعلية نحو إنهاء الانقسام في صف الشرعية التي تؤسس لحل شامل لأزمة البلاد، يرى مراقبون أن الرياض لن تسمح بفشله ومن خلفها حلفاؤها الدوليون، وفي مقدمتهم الولايات المتحدة وبريطانيا.
وقال الكاتب والباحث السياسي اليمني، محمد المقبلي، إن "تصريحات المسؤولين الأميركيين والفرنسيين والبريطانيين، حملت رسائل مهمة مفادها أن تحركات الانتقالي تحت المراقبة، وهي تحركات غير مرغوب فيها من قبل حلفاء الرياض الذين يمضون خلف التوجه السعودي، قائدة التحالف الداعم للشرعية".
ووفقاً للمقبلي، فإن تلك الرسائل تأتي "انطلاقاً من التفاهمات المشتركة في رؤية الرياض وحلفائها إزاء الملف اليمني بمختلف تعقيداته، وخصوصاً مبادرتها الأخيرة للحل الشامل في اليمن كون الانتقالي يقوض هذه الجهود كما هو الحال بميليشيات الحوثي".
ويرى المقبلي أن رسالة المجتمع الدولي تتعدى الانتقالي إلى "الطرف الذي يموله ويدعمه في ظل حرب مشتعلة ضد ميليشيات الحوثي شمالاً، وهو ما يقوض الجهود الدولية الحثيثة الهادفة إلى التوصل لسلام دائم وشامل في اليمن".
وعلى الرغم من الجهود السعودية الساعية إلى رأب تصدعات الخلاف داخل صف الشرعية المفترض به التوحد في مواجهة المشروع الحوثي - الإيراني في اليمن، فإنه منذ توقيع "اتفاق الرياض" في نوفمبر (تشرين الثاني) 2019 برعاية العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود وحضور ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، والرئيس اليمني عبدربه منصور هادي، وولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، وقائد المجلس الانتقالي عيدروس الزبيدي، ظل السجال السياسي والإعلامي هو السائد في العلاقة بين الطرفين، مع إطلاق كل طرف اتهامات ضد الآخر بعرقلة الاتفاق وتنفيذ بنوده السياسية والعسكرية والاقتصادية والأمنية، على الرغم من بعض التقدم الذي تمثل أبرزه في تشكيل حكومة كفاءات سياسية.
وقبالة هذا المشهد المعقد، تسعى الرياض إلى منع تشكل جبهة ثانية في الحرب اليمنية المتعددة الأوجه، وتسعى جاهدة لتوحيد الجهود العسكرية والسياسية نحو مواجهة الحوثي.
اتفاق ينص على إنهاء الصراع
وعقب معارك عنيفة شهدتها مدينة عدن وعدد من المحافظات الجنوبية في أغسطس (آب) 2019، تمكن خلالها "الانتقالي الجنوبي" من السيطرة على كل مفاصل الدولة في المدينة، التي كانت تتخذها الشرعية اليمنية عاصمة مؤقتة للبلاد، سارعت الجارة السعودية إلى التدخل وفرض تهدئة، ودعت الطرفين إلى مدينة جدة، ونجحت في التوصل إلى صيغة حل سياسي لإنهاء التوتر المسلح جنوباً، والتوصل إلى صيغة اتفاق ينص على إنهاء الصراع بين الجانبين، وتم بموجبه تشكيل حكومة كفاءات من 24 وزيراً يشارك فيها "الانتقالي"، واتخاذ عدن عاصمة مؤقتة لها، وعدم تشكيل أي قوات خارج مؤسسات الدولة. إلا أن الاتفاق قوبل بتباينات عدة على طريق تنفيذ بنوده، وعقب مراحل من العرقلة، قدمت الرياض في يونيو (حزيران) الماضي، مقترحاً، يهدف إلى إنهاء الخلاف بين الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي، بعد أن ساءت الأوضاع بينهما في أبريل 2021.