استخدم حراس الحدود الباكستانيون اليوم الخميس الغاز المسيّل للدموع لتفريق مئات الأشخاص الذين كانوا يحاولون اجتياز معبر حدودي مع أفغانستان سيطرت عليه منذ أمس حركة "طالبان" من الجانب الأفغاني، وفق ما أفاد مسؤولون محليون.
وقال مسؤول أمني طلب عدم الكشف عن اسمه في معبر شامان الحدودي (جنوب غرب) لوكالة الصحافة الفرنسية "هذا الصباح (الخميس)، حاول حشد مؤلف من قرابة 400 شخص غير منضبطين يرغبون في المرور، عبور الحدود بالقوة. رموا حجارة ما أجبرنا على استخدام الغاز المسيّل للدموع". بدورها حركة "طالبان" أعلنت أمس سيطرتها على أحد المعابر الرئيسة مع باكستان، الذي قد يكون أهم هدف استراتيجي يسيطرون عليه حتى الآن خلال تقدمهم السريع في أنحاء البلاد مع انسحاب القوات الأميركية.
وذكر مسؤول باكستاني أن المقاتلين أنزلوا علم الحكومة الأفغانية من على بوابة الصداقة بالمعبر الحدودي بين بلدتي شامان الباكستانية وويش الأفغانية.
معابر في قبضة "طالبان"
ويُعدّ المعبر الذي يقع جنوب مدينة قندهار الرئيسة في جنوب أفغانستان، ثاني أكثر نقاط دخول هذا البلد غير الساحلي ازدحاماً، وهو الرابط الرئيس بين منطقة جنوب غربي البلاد الشاسعة والموانئ الباكستانية. وتظهر بيانات الحكومة الأفغانية أن نحو 900 شاحنة تعبره يومياً.
وأجبر انتزاع السيطرة على المعبر إسلام آباد على إغلاق أجزاء من حدودها مع جارتها بعد قتال عنيف دار بين "طالبان" والقوات الأفغانية في أنحاء ويش.
وقال مسؤولون أفغان إن قوات الحكومة تصدّت لعناصر الحركة ودفعتهم إلى التراجع، مؤكدة أنها "تسيطر على المنطقة الحدودية في مقاطعة سبين بولداك بإقليم قندهار". لكن مدنيين ومسؤولين باكستانيين أفادوا بأن الحركة "سيطرت على المراكز الحدودية في ويش".
وذكر مسؤول باكستاني من منطقة الحدود أنها "سيطرت على ويش التي تحظى بأهمية كبيرة في التجارة الأفغانية مع باكستان ودول أخرى"، في وقت قال مسؤولون في شامان إنها "أوقفت حركة السفر عبر البوابة".
وأعلن ذبيح الله مجاهد، متحدث حركة "طالبان"، في بيان، "استولى المجاهدون على بلدة حدودية مهمة تُسمّى ويش".
وسيطرت الحركة في الأيام القليلة الماضية على معابر حدودية رئيسة أخرى، تقع في أقاليم هرات وفراه وقندوز بشمال البلاد وغربها.
وقال شفيق الله أتاي، رئيس غرفة التجارة والاستثمار الأفغانية في العاصمة كابول إن السيطرة على النقاط الحدودية تسمح للحركة بجمع إيرادات. وصرّح لـ"رويترز"، "بدأت الإيرادات تذهب إلى طالبان".
الأمم المتحدة قلقة
وعلى صعيد آخر، غرّد عمر الله صالح، نائب الرئيس الأفغاني على "تويتر"، أن الحركة "تجبر المنتمين إلى جماعة عرقية صغيرة على اعتناق الإسلام، أو ترك منازلهم في إقليم بدخشان شمال البلاد".
وأضاف، "هؤلاء هم أقلية القرغيز الذين عاشوا هناك قروناً. إنهم الآن في طاجكستان ينتظرون مصيرهم".
ولم يتسنَّ بعد الحصول على تعليق من متحدث باسم "طالبان"، لكن بعثة الأمم المتحدة في أفغانستان قالت إن "قلقها يتزايد إزاء تقارير عن انتهاكات لحقوق الإنسان مع اتساع نطاق القتال".
وذكرت البعثة في بيان، "التقارير التي تتحدث عن أعمال قتل وسوء معاملة واضطهاد وتمييز منتشرة ومقلقة وتثير الخوف وعدم الأمان"، مضيفة "أفضل طريقة لكفّ الأذى عن المدنيين، إعادة تنشيط محادثات السلام للتوصل إلى تسوية عبر التفاوض".
بوش ينتقد الانسحاب: خطأ عواقبه وخيمة
وفي السياق ذاته، انتقد الرئيس الأميركي الأسبق جورج دبليو بوش في مقابلة مع قناة ألمانية الأربعاء، انسحاب قوات حلف شمال الأطلسي (ناتو) من أفغانستان، معتبراً أنه "خطأ" ستعاني منه "النساء والفتيات الأفغانيات" على حد قوله.
وقال الرئيس الأسبق الذي أرسل القوات الأميركية إلى البلد خريف 2001 بعد هجمات الـ 11 من سبتمبر (أيلول)، في المقابلة مع محطة "دويتشه فيلي"، إن "النساء والفتيات الأفغانيات سيعانين من ضرر لا يوصف".
ورداً على سؤال عما إذا كان يعتبر هذا الانسحاب "خطأ"، قال بوش "نعم، أعتقد ذلك، لأن العواقب ستكون وخيمة جداً"، مضيفاً "النساء وكذلك المتعاونون الأفغان مع الجيوش الغربية سيُتركون ليُذبحوا من قبل هؤلاء الناس المتوحشين جداً وهذا يحزنني".
وأجرت المحطة المقابلة مع بوش بمناسبة زيارة المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل إلى واشنطن.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتخلى قائد القوات الأميركية وحلف شمال الأطلسي في أفغانستان الجنرال أوستن سكوت ميلر، الاثنين، عن منصبه خلال مراسم بمناسبة الانسحاب النهائي الوشيك للقوات الأجنبية من أفغانستان، حيث تواصل حركة "طالبان" تحقيق مكاسب.
وهذه الخطوة واحدة من المراحل الأخيرة التي تسبق الانسحاب النهائي للقوات الأجنبية الذي يفترض أن ينجز بحلول الـ31 من أغسطس (آب).
وبدأ نحو 2500 جندي أميركي وسبعة آلاف عسكري من دول أخرى موجودين في أفغانستان انسحابهم من هذا البلد مطلع مايو (أيار) الماضي.
وسيضع هذا الانسحاب حدّاً لتدخّل عسكري استمر عشرين عاماً من قبل تحالف بقيادة واشنطن دخل أفغانستان في أكتوبر (تشرين الأول) 2001 في أعقاب اعتداءات سبتمبر 2001 في الولايات المتحدة.
وجاء هذا التدخل بعد رفض الحركة تسليم زعيم "القاعدة" أسامة بن لادن، التي كانت تؤمّن له ملاذاً.
ووقّعت الولايات المتحدة و"طالبان" في الـ 29 من فبراير (شباط) 2020 في الدوحة اتفاقاً تاريخياً ينص على انسحاب القوات الأجنبية، مقابل ضمانات أمنية وفتح مفاوضات بين المتمردين والحكومة الأفغانية. لكن هذه المناقشات متوقفة حالياً.
اللحى للرجال والوصاية على النساء
واتساقاً مع مخاوف الرئيس الأميركي الأسبق، فبعد أيام قليلة من استيلاء "طالبان" على إقليم ناء في ولاية تخار شمال أفغانستان، أبلغت الحركة الإمام المحلي قواعدها القاضية بـ "وجوب إطالة اللحى وفرض الوصاية على المرأة".
وقال المقيم في إقليم كلافغان صفة الله، (25 سنة) لوكالة الصحافة الفرنسية إن الرسالة "أوردت منع توجّه النساء إلى السوق ما لم يرافقهن رجل، وكذلك حظر حلق اللحى على الرجال"، لافتاً إلى أن التدخين "صار محرّماً"، فيما أكدت الحركة "التصدي بشدّة" لكلّ من ينتهك قواعدها.
وعلى غرار ولاية تخار، تغلغلت الحركة في مناطق شمال البلاد كانت خارج سيطرتها إبّان حكمها أفغانستان بين 1996 و2001، ولم تعرف بالتالي حكم "طالبان" المتشدد.
وكان معبر شير خان بندر الحدودي مع طاجكستان، الذي استولى المتمردون عليه في يونيو (حزيران) الماضي، الأول الذي يسقط في قبضتهم على الرغم من أنه يشكّل محوراً مركزياً للعلاقات التجارية والاقتصادية مع آسيا الوسطى.
وقالت ساجدة، التي كانت تعمل في أحد مصانع المدينة، "بعد سقوط شير خان، أمرت طالبان النساء بالتزام منازلهن"، مضيفة، في اتصال عبر الهاتف، "نسوة وفتيات كثر كنّ يعملن في التطريز والخياطة وصناعة الأحذية، لكن قرار الحركة أرعبنا".
وقبل إطاحة حكم "طالبان" عام 2001 على يد تحالف دولي قادته الولايات المتحدة، كانت الحركة تفرض فهمها المتشدد للشريعة الإسلامية، إذ حُظِّرت الألعاب والموسيقى والصور والتلفزيون، وقُطعت أيدي لصوص، وأُعدم القتلة في الأماكن العامة وقُتِل مثليون.
كما منعت النساء من العمل والخروج من دون مرافق، فيما حُظّر على الفتيات الذهاب إلى المدرسة، وتعرّضت نساء اتُهمن بارتكاب الزنا للجلد والرجم حتى الموت. واضطر الرجال إلى إرخاء اللحى وحضور الصلاة وإلا التعرّض للضرب. وأجبروا على ارتداء الملابس التقليدية.
زواج بالإكراه
يُذكر أن بياناً نُسب إلى حركة "طالبان" جرى تداوله الأسبوع الحالي في مواقع التواصل الاجتماعي، يأمر القرويين بتزويج بناتهم أو أراملهم لمقاتلي الحركة.
وأعاد هذا النص ذكرى مراسيم وزارة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التي أثارت الرعب خلال حكم الحركة.
ونفت "طالبان"، الحريصة على إظهار صورة أكثر اعتدالاً في وقت توسّع نطاق سيطرتها وتقترب أكثر من الاستيلاء مجدداً على السلطة، إصدار البيان ووصفته بالدعاية.
وقال المتحدث باسم الحركة ذبيح الله مجاهد "هذا اتهام لا أساس له"، مضيفاً "إنّها إشاعات". لكن سكاناً في المناطق التي أخضعتها "طالبان" في الآونة الأخيرة أكدوا عودتها إلى الأساليب القديمة.
وفي منطقة ياوان، الواقعة ضمن ولاية بدخشان، وهي ولاية أخرى لم تطأها الحركة من قبل، جمع المتمردون السكان المحليين في مسجد عند وصولهم، وفرضوا على الفور بعض القواعد الصارمة.
وقال نذير محمد، (32 سنة)، "يجب على الجميع ارتداء العمائم وإطالة اللحى"، مردفاً أن "فتيات الصفوف الأعلى من الصف السادس (من سن 11 إلى 12 سنة)، مُنعن من العودة إلى فصول الدراسة".
وكررت "طالبان" في الماضي تعهداتها باحترام حقوق الإنسان، وحقوق المرأة على وجه الخصوص، طبقاً لمقتضيات "القيم الإسلامية"، وذلك في حال عودتها إلى السلطة. لكن ثمة طرقاً عدة لتفسير هذه المسائل وتأويلها في العالم المسلم. ولا تزال بعض المناطق الأفغانية محافظة للغاية، حتى من دون سيطرة "طالبان".
وارتأت ساجدة عدم الانتظار وترقّب النوايا الحقيقية لـ"طالبان" ورحلت إلى قندوز، كبرى مدن الشمال الشرقي لأفغانستان، بعد أيام قليلة من وصول الحركة. وقالت "لن يكون بمقدورنا العمل في مناطق سيطرة طالبان، لهذا السبب رحلنا".