في وقت يزداد فيه التوتر والتصعيد في منطقة الخليج العربي، إثر دقّ طبول الحرب بين إيران والولايات المتحدة، لا تخلو مراكز الفكر حول العالم من تحليلات وتقارير تبدي فيها رؤيتها أو رؤية كتابها، إزاء تطورات الأوضاع في تلك المنطقة التي تمثل الشريان الأهم في العالم على صعيد الطاقة، إذ يمرّ بها أكثر من 18 مليون برميل نفط خام يومياً، وهو ما يمثل نحو 30% من حجم تجارة النفط الخام عبر البحار.
وبين الترقب لنشوب حرب بين حين وآخر، والاعتقاد بأن تلك الخطوة لا تزال بعيدة في ضوء الردع المتبادل والأهداف المنكشفة للأطراف المتصارعة، وآخرين يتحسسون سقف التصعيد بعدم تجاوزه الاستهداف غير المباشر لمصالح الأطراف المنخرطة في المنطقة، تباينت رؤى مراكز الفكر والصحف العالمية خلال الأيام الأخيرة.
الحرب مقبلة
في بعض مراكز الفكر الأميركية، ونظيرتها الإسرائيلية وبعض من صحف البلدين، يرجحون بصورة أو أخرى المضي قدماً في سيناريو الحرب بين طهران وواشنطن في ظل التصعيد القائم، معتبرين أن الحل الوحيد لتجنب شبح الحرب يكمن في تقديم إيران تنازلات ملموسة للجانب الأميركي وحلفائه في المنطقة.
وتقول سوزان مالوني، نائبة مدير برنامج السياسة الخارجية في معهد بروكنجز، وزميلة أولى في مركز سياسات الشرق الأوسط ومبادرة بروكنجز الشاملة حول الطاقة والمناخ، إن "الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، اتّخذ خطوة مثيرة أخرى نحو الإخلال بالوضع الراهن في إيران مع إلغائه المفاجئ لجميع التنازلات عن العقوبات الأميركية على صادرات النفط الإيرانية"، معتبرة أن هذا القرار اتُّخذ بهدف الدفع بالقيادة الإيرانية إلى الحافة. لكن إلى حافة ماذا تحديداً؟، تتساءل سوزان.
في الاتجاه ذاته، تكمل مجلة "فورين بوليسي"، قائلة إن "حربا وشيكة تومض في الخليج بشكل أكثر سطوعا من أي وقت مضى. وأن هناك دلائل متزايدة على احتمالات تصعيد وهجمات استفزازية بين إيران وأميركا"، معتبرة أن "الأمر ينذر باشتعال حرب ثالثة في هذه المنطقة (بعد الحرب الإيرانية العراقية 1980/1988، وحرب تحرير الكويت 1991)، قد تكون كلفتها البشرية والمادية وعنفها أكثر من الحربين السابقتين"، مشيرة إلى "سيطرة الصقور على إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب وإمكان جرّه إلى مواجهات لا تحمد عقباها".
وفي الاتجاه ذاته، تُجمع الصحف الإسرائيلية ومراكز الفكر لديها، على "أن أميركا وإيران أصبحتا على حافّة المواجهة في الخليج"، مشيرة إلى "وجود قوات موالية لإيران في سوريا والعراق ولبنان، يمكن أن تنفذ هجمات استباقية ضد القوات الأميركية في المنطقة". وبحسب صحيفة "هآرتس" "يمكن أن تجرّ تلك الهجمات الجيش الأميركي إلى حرب شاملة مع إيران في الخليج".
وخلال الأيام الأخيرة، عززت الولايات المتحدة الأميركية وجودها العسكري في الخليج، بإرسال حاملة الطائرات "أبراهام لنكولن" بحجة حماية مصالحها ومواجهة تهديد إيراني محتمل، في ذات الوقت الذي تقول فيه إيران إن جيشها على أهبة الاستعداد وإن الانتشار العسكري الأميركي لا يشكل تهديدا بل فرصة لها.
ويمارس الرئيس الأميركي دونالد ترامب سياسة تعتمد على استراتيجية الردع ضد إيران، بخاصة بعدما أشارت تقارير استخباراتية إلى أن قوات موالية لإيران في الشرق الأوسط تمثل تهديدا للقوات الأميركية في المنطقة، بحسب الصحيفة.
وتقول "هآرتس" إن "طبول الحرب تدق في الخليج، وإن سيناريو المواجهة يمكن أن تقوده إيران، بعد أن حُرمت من تصدير نفطها بصورة كاملة"، مشيرة إلى أن "القوات الموالية لها يمكن أن تبدأ بتنفيذ الهجمة الأولى ضد القوات الأميركية الموجودة في المنطقة، بخاصة في العراق". ولفتت الصحيفة إلى أنه "إذا انطلقت شرارة الحرب بين أميركا وإيران، فإن تكلفتها ستكون باهظة، وستكون حربا كبيرة جدا، ويمكن أن تتسع بسرعة لتكون أكثر عنفا من حربي الخليج الأولى والثانية".
وتمتلك إيران قوة عسكرية كبيرة نسبيا، إذ يتجاوز تعداد جيشها 550 ألف جندي، إضافة إلى تعداد سكانها الذي يتجاوز 80 مليون نسمة، وعدا ذلك فإن الجيش الإيراني يمتلك ترسانة صاروخية ضخمة، وعشرات السفن الصغيرة، التي تمثل واحدة من أكبر التهديدات العسكرية للقوات الأميركية في الخليج، بحسب موقع "جلوبال فاير باور"، المعنيّ بتصنيف القدرات العسكرية للدول.
بدورها تتحدث صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" عما تمتلكه إيران من نفوذ واسع في المنطقة يمتد من طهران إلى بغداد ودمشق وبيروت، وامتلاكها ممرات استراتيجية للوصول إلى البحر المتوسط عبر لبنان.
وفي صحيفة "أي" البريطانية، ذكر باتريك كوبرن أن "تخريب ناقلات النفط السعودية، قبالة سواحل الإمارات، لحظة خطيرة". معتبرا أن "ذلك يقود إلى أزمة تفلت من الجميع وتفجر مواجهة مسلحة".
ويضيف كوبرن أن "أي هجوم على ناقلات نفط قرب مضيق هرمز، الذي يبلغ عرضه 30 ميلا، يعد أمرا خطيرا، لأن المضيق أهم مسلك لتجارة النفط الدولية. وأي تحرك عسكري من الولايات المتحدة وحلفائها ضد إيران لا بد أن يدفع طهران إلى الرد. وإذا كانت الولايات المتحدة تتفوق عسكريا على إيران، فإن الإيرانيين قد يستهدفون منشآت نفطية في المنطقة".
ويقول الكاتب إن "هذا الاحتمال مستبعد ولكن شخصيات قوية مثل مستشار ترمب للأمن القومي جون بولتون، ووزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، يبدو أنها مستعدة للمخاطرة بتفجير حرب في المنطقة. فقد دعا بولتون أكثر من مرة إلى تغيير النظام في إيران". مضيفاً أن "إيران تعاني اقتصاديا من العقوبات الأميركية ولكنها لا تعاني العزلة السياسية التي كانت تعانيها في فترة العقوبات السابقة".
وفي "الجارديان البريطانية"، ترى الصحيفة أن "إيران أصبحت مصدر كل التهديدات في نظر الولايات المتحدة. بينما ترى طهران واشنطن عامل اضطراب بتدخلها في المنطقة منذ عقود".
وتضيف أنه "من بين المسائل الواضحة في المنطقة أن العقوبات، ومن بينها القيود المصرفية، أصبحت تثقل كاهل الاقتصاد الإيراني، وتقوّض قدرات البلاد على توفير حاجيات الشعب، أو دعم حزب الله اللبناني". ولكنها "لا ترى أن إيران ستستسلم للعقوبات الأمريكية. ولا بد أن تحصل على أكثر مما حصلت عليه في 2003 لتفعل ذلك. ويبدو أن الولايات المتحدة تريد استسلام إيران ولا شيء غير ذلك".
تصعيد محكوم أو انفجار غير مدروس
في المقابل، وعلى صعيد مراكز الفكر والصحف الأوروبية، فإن ترجيحات التصعيد قد لا ترقى في الوقت الراهن إلى مستوى الحرب الشاملة، لا سيما مع فتح الإدارة الأميركية لباب التفاوض، وإعلان إدارة الرئيس ترمب عن توفير خطّ هاتف لتلقي اتصال من إيران للتفاوض وإبعاد شبح الحرب عن المنطقة.
وبحسب ما كتبت صحيفة "ليبراسيون" الفرنسية، فإنه "وبعد إعلان طهران الانسحاب الجزئي من الاتفاق النووي الموقع 2015، مع إعادة فرض العقوبات الأميركية بالكامل على إيران، فإنها بذلك تحرج أوروبا، التي لا تزال دولها متمسكة بتطبيق جوهر الاتفاق".
وبحسب "ليبراسيون"، فإن "البلدان الموقعة على الاتفاق، أي الصين وروسيا، إضافة إلى الاتحاد الأوروبي، وفرنسا، وألمانيا، وبريطانيا، تبدو عاجزة عن إنقاذ الاتفاق، وسط أجواء متوترة إلى أقصى حد بدفعٍ من صقور البيت الأبيض". وذكرت الصحيفة الفرنسية، وقد استبعدت "خطر المواجهة العسكرية المباشرة مع إيران"، أن ذلك "قد لا يمنع حصول تجاوز على الأرض، سواء في سوريا أو لبنان أو العراق أو اليمن، حيث تدور حرب مفتوحة بين حلفاء كل من طهران وواشنطن".
وفي معهد واشنطن للأبحاث، كتب سايمون هندرسون، قائلاً إن "النزاع بين الولايات المتحدة وإيران من جهة، يحوّل الشرق الأوسط من جديد إلى منطقة خطرة".
ويتساءل هندرسون، مدير "برنامج برنستاين لشؤون الخليج وسياسة الطاقة" في معهد واشنطن "هل بدأت سماء الشرق الأوسط تتلبّد بغيوم الحرب؟"، مجيباً "مع وجود مجموعة حاملة طائرات ضاربة أميركية في الخليج العربي مع بعض القاذفات التابعة لسلاح الجو الأميركي من أجل التصدّي لأنشطة جديدة غير محددة قد تنفّذها القوات الحليفة لإيران، فإن التصعيد لم يعد محدد العواقب".
ويوضح هندرسون "لديّ بعض المعلومات حول الاستخدام المحتمل للتعزيزات المقبلة. في عام 2012 أمضيتُ 24 ساعة على متن حاملة الطائرات (لينكولن)، خلال عملية نشر سابقة في الخليج. وكنتُ قد غادرتُ بالطائرة من البحرين إلى السفينة التي كانت تبحر ذهاباً وإياباً ضمن مساحة قدرها 30 ميلاً قبالة الساحل الإيراني. وكانت العمليات الجوية التي قامت بها طائرات من طراز (أف-18) متواصلة ليلاً ونهاراً، في استعراض للقوة كان يهدف بوضوح إلى إثارة إعجاب آية الله علي خامنئي في طهران. وبالتأكيد أثار ذلك إعجابي أيضاً".
ويتابع "بالإضافة إلى ذلك، زرتُ العام الماضي قاعدة العُديد الجوية في قطر، حيث تم إطلاق عدد من قاذفات (ب-52) ضدّ أهداف لتنظيم داعش في العراق وسوريا. وبدلاً من القنابل النووية، كان من بين تلك الموجودة في غرفة القنابل التي سُمح لي بالوقوف فيها، أسلحة منخفضة الانفجار مصممة لاستهداف غرفة واحدة في منزل ما".
ويوضح "عندما تواجه طهران قوة هائلة، عادة ما تتراجع عن المواجهة، ولكنها قد ترغب مع ذلك في تسجيل موقف. ومن المهم من الناحية الرمزية قيام ناقلة أميركية بعملياتها من داخل الخليج العربي، على الرغم من أن القادة يفضلون تجنّب الحيّز المحصور للخليج، الذي أصبح أكثر ضيقاً لأن المياه في جهته الجنوبية غير عميقة نسبياً. ومن جهتها، دائماً ما تقوم القوات الإيرانية -وأشدد على كلمة دائماً- وفي هذه الحالة (الحرس الثوري) الخاضع للعقوبات، بمضايقة السفن التابعة للبحرية الأميركية التي تعبر المضيق".
وكانت نقلت صحيفة "نيويورك تايمز" عن مسؤولين بارزين لم تذكر أسماءهم قولهم إنه ثمة "مخاوف جديدة في الممرات المائية حيث تنشط القوات البحرية الإيرانية". وبدا وكأنهم يقصدون مضيق هرمز، وهو الممر الضيّق نسبياً بين الخليج العربي والمحيط الهندي الذي يتم من خلاله نقل النفط من المنطقة إلى أسواق الصين والهند وغيرهما من الاقتصادات الآسيوية. ومن شأن أي تدخل يتعلق بتدفق ذلك النفط أن يؤدي إلى ارتفاع الأسعار حتى في الولايات المتحدة. (وقد يعني ذلك أيضاً باب المندب، المضيق بين البحر الأحمر والمحيط الهندي، الذي يتاخم اليمن، حيث تسيطر القوات الحوثية المدعومة من إيران على العاصمة صنعاء).
وفي مجلة "ذي أتلانتك" الأميركية، ترى في تقرير لها أن "الرئيس ترمب يدرك جيدا أن الحرب مع إيران ستجعله أكثر ضعفا". إذ ترى "أنه ورغم النهج المتشدد من الولايات المتحدة تجاه (الاستفزازات الإيرانية) فإن الخبرة التاريخية خلال السنوات والعقود الأخيرة، تشير إلى أن طهران كانت الرابح الأكبر من الاضطرابات التي شهدتها المنطقة".
وبحسب المجلة، فإن "إيران كانت الرابح الأكبر من الغزو الإسرائيلي للبنان عام 1982، إذ ساعدتها الأحداث في إنشاء حزب الله، وهو أقوى أكبر قوة سياسية وعسكرية في البلاد. وبعد الاجتياح الأميركي البريطاني للعراق عام 2003 كانت إيران وراء تفاقم الأوضاع هناك. وكان الدعم الإيراني حاسماً في بقاء الرئيس السوري بشار الأسد في السلطة في سوريا"، معتبرة أن "انتصارات إيران المعنوية التي حققتها جاءت بسبب الأخطاء التي ارتكبها خصومها وليس بسبب قدراتها".
التهدئة والتفاوض الحل
وعلى الصعيد الأوروبي ذاته، نشرت عدد من الصحف الأوروبية افتتاحيات دعت فيها للتهدئة ووقف التصعيد، ففي صحيفة "الفاينانشال تايمز" البريطانية، ذكرت أن "المطلوب هو تحقيق هادئ وشفاف في حادث (تخريب) النقالات البحرية قبالة ميناء الفجيرة الإماراتي". وتضيف أن "الهجوم على ناقلات نفط سعودية لا بد أن يثير القلق في أي وقت. ولكن الذي حدث هو أن العملية تزامنت مع التراشق بالكلام والتهديد والوعيد بين إدارة ترمب وإيران. وهو ما قد يؤدي إلى انزلاق خطير في المنطقة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وترى "الفايننشال تايمز" أن "تفاصيل الحادث لا تزال غامضة ولكنها تنبيه لجميع الأطراف بأن تتوقف عن التلويح بالحرب وتُقدّر المخاطر الحقيقية التي تنجم عن أي انزلاق". وتضيف أن "المخاوف من استهداف منشآت نفطية في حالة التصعيد بين الولايات المتحدة وإيران موجودة. فالمسؤولون الإيرانيون هددوا بعرقلة مرور الناقلات عبر مضيق هرمز عندما تعهد ترمب بتصفير الصادرات النفطية الإيرانية".
وبحسب رؤية الصحيفة، فإنه "على إدارة ترمب التصرف بمسؤولية والعمل على تهدئة الأزمة. فقد أرسلت الولايات المتحدة الأسبوع الماضي حاملة طائرات إلى المنطقة بسبب ما وصفه مستشار ترمب للأمن القومي، جون بولتون، بأنه (مؤشرات وتحذيرات) من إيران. كما سارع وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، إلى بغداد متحدثا عن (تحركات إيرانية) هناك".
ماذا عن الداخل الإيراني؟
بحسب صحيفة "الفايننشال تايمز"، فإن "الإيرانيين على الحافة مع اشتداد المواجهة مع الولايات المتحدة". وذكرت الصحيفة أن "معاناة الإيرانيين تزايدت مع وصول نسبة التضخم إلى نحو 40% وانخفاض قيمة الريال الإيراني بنحو 60% هذا العام".
وذكرت الصحيفة أن الرئيس الإيراني، حسن روحاني، عبر تصريحاته وتهديداته الأخيرة، يسعى إلى الضغط على بريطانيا وفرنسا وألمانيا وروسيا والصين من أجل فعل المزيد لتخفيف أثر العقوبات الأميركية على بلاده".
وينقل التقرير عن علي أبطحي، نائب الرئيس السابق ذي التوجه الإصلاحي، قوله إن "خطوة روحاني الذكية والدبلوماسية لم تُهدأ المتشددين فحسب، بل أسعدت الإصلاحيين لأنها وضعت المزيد من الضغوط على الأوروبيين من دون أن تجرّ البلاد إلى الحرب". وذلك في إشارة إلى إعلان طهران الأخير تحللها من بعض الالتزامات التي فرضها عليها "الاتفاق النووي" المُوقّع 2015. وكانت الدول الأوروبية ردّت على تصريحات روحاني بأنها ترفض أي "إنذارات نهائية" إيرانية، وحضت إيران على مواصلة تنفيذ التزاماتها المنصوص عليها في الاتفاق النووي.