يواجه نصف سكان بريطانيا ارتفاعاً غير مسبوق في فواتير الغاز والكهرباء لمنازلهم، بدءاً من أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، بعد أن رفعت الهيئة المنظمة لتلك الخدمات سقف الأسعار 12 في المئة مرة واحدة، وأرجعت الهيئة ذلك إلى ارتفاع أسعار الجملة وتكلفة الوقود في الأشهر الستة الماضية بنسبة 50 في المئة.
وبوجه خاص، ارتفعت أسعار الغاز الطبيعي المستخدم في تدفئة المنازل، وأيضاً في محطات توليد الطاقة الكهربائية بشكل غير مسبوق، ما جعل شركات إمداد الغاز والكهرباء للبيوت تطلب من الهيئة رفع سقف الأسعار.
ويتأثر بالقرار نحو 15 مليون أسرة بريطانية ستزيد فواتير الطاقة التي تدفعها ما بين 193 و212 دولاراً (ما بين 139 و153 جنيهاً استرلينياً) سنوياً حسب نوع العدادات المستخدم، إذا كانت مسبوقة الدفع أو بالدفع الشهري وربع السنوي. وتدفع الأسرة البريطانية للبيت العادي في المتوسط السنوي فواتير غاز وكهرباء بنحو 1800 دولار (1300 جنيه استرليني).
وتقول جمعيات حقوقية ومدافعون عن حقوق المواطنين، إن ارتفاع أسعار الطاقة الجديد سيدفع بما يقارب نصف مليون أسرة (488 ألف أسرة) نحو ما يصفونه بأنه "مستوى الفقر بالنسبة إلى الطاقة". وهناك نحو 4 ملايين أسرة بريطانية تعاني بالفعل عجزها على دفع فواتير الطاقة من غاز وكهرباء، وتخلفوا عن دفع الفواتير بسبب أزمة وباء كورونا.
في مقابلة مع شبكة "سكاي نيوز"، قال رئيس الهيئة المنظمة لسوق الغاز والكهرباء للمنازل، جوناثان بريلي، "نعلم أن ذلك سيكون أمراً صعباً على كثير من المستهلكين، لكن ما لا نستطيع أن نفعله هو أن نطلب من الشركات أن تبيع الطاقة للمستهلك بأقل مما تشتريها به"، وذلك في إشارة إلى الارتفاع الهائل في أسعار الغاز الطبيعي بالأسواق العالمية مع تعافي الاقتصاد من أزمة وباء كورونا وزيادة الطلب على الطاقة.
ارتفاع أسعار الغاز
ووفق تقرير لوكالة "بلومبيرغ" نشر الجمعة، ارتفعت أسعار الغاز الطبيعي في أوروبا 1000 في المئة من أدنى مستوى وصلت إليه في مايو (أيار) 2020 مع إغلاق الاقتصادات للوقاية من انتشار وباء كورونا.
وفي الأشهر الأخيرة قفزت واردات الدول الآسيوية من الغاز الطبيعي المسال بنحو ستة أضعاف مستوياتها السابقة. حتى في الولايات المتحدة، التي تعتمد على الغاز الطبيعي من مصادر الغاز والنفط الصخري، أخذت الأسعار في الارتفاع بمستويات عالية أيضاً.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وذكر تحليل من شركة ماكينزي أن الطلب العالمي على الغاز سينمو 3.4 في المئة سنوياً حتى عام 2035، أي بمعدل أعلى من نمو الطلب على النفط وغيره من مصادر الطاقة. أما وكالة الطاقة الدولية فذكرت في آخر تقاريرها أن الطلب العالمي على الغاز الطبيعي سيقفز 7 في المئة أعلى من مستوياته قبل وباء كورونا بحلول 2024.
وكانت أسعار الغاز الطبيعي قد تراجعت بشدة في السنوات العشر الماضية مع وفرة العرض من أغلب الدول المنتجة، من الولايات المتحدة حتى أستراليا. وتمكن العرض في السوق العالمية من تلبية الزيادة في الطلب، التي تقدر وكالة الطاقة الدولية أنها كانت بنسبة 30 في المئة في الفترة من 2009 إلى عام الوباء 2020.
لكن، مع الانتعاش الاقتصادي العالمي من أزمة وباء كورونا، وإعادة فتح أغلب قطاعات الاقتصاد، زاد الطلب بقوة على الغاز الطبيعي، تزامن ذلك أيضاً مع توجه الشركات والحكومات نحو مصادر أقل من ناحية الانبعاثات الكربونية لتوليد الطاقة الكهربائية. ومع وضع أهداف لمكافحة التغير المناخي وتقليل تلوث البيئة، تسعى كثير من الدول إلى تحويل محطات الطاقة التي تعمل بالفحم إلى محطات تعمل بالغاز الطبيعي.
وبدأت أغلب شركات الطاقة الكبرى في العالم تعدل من استراتيجياتها مع خفض الاستثمارات في إنتاج النفط والغاز، هذا إلى جانب تراجع الإنتاج الأميركي من الغاز الصخري مع توقف كثير من منصات الإنتاج بسبب انخفاض الأسعار وتراجع الطلب في عام وباء كورونا.
ومع عودة النشاط الاقتصادي بقوة بعد وباء كورونا، زاد الطلب العالمي على الكهرباء في الوقت الذي لا يكفي توليد الكهرباء من مصادر خضراء لتلبيته. لذا يتوقع أن يرتفع الطلب على الغاز والفحم لتشغيل محطات توليد الكهرباء في السنوات القليلة القادمة.
ومع وضع كثير من الدول الصناعية الكبرى أهدافاً لخفض انبعاثات الكربون بنسبة 50 في المئة إلى 100 في المئة (صفر كربون) بحلول ما بين 2030 و2050 ستزيد وتيرة التحول إلى محطات الطاقة التي تعمل بالغاز.