بخلاف المتداول أن الجزائر أوقفت إمداد الغاز إلى إسبانيا مُروراً من الأراضي المغربية، كنتيجة لقطع العلاقات الدبلوماسية بين الجزائر والرباط، فإن هذا الخط موجود ويشتغل منذ قرابة 10 سنوات، غير أن تسلسل الأحداث وارتفاع حدة التوتر بين البلدين في الآونة الأخيرة جعل التفسيرات تأخذ منحى آخر، وأدرجها البعض ضمن أوراق "الضغط" و"الصراع".
وقبل نحو شهرين من قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، وبالتحديد في نهاية يونيو (حزيران) الماضي، قالت شركة "سوناطراك" الجزائرية الحكومية للمحروقات، في مؤتمر صحافي، إنها "مستعدة لإمداد إسبانيا بالغاز بالكميات المطلوبة حتى ولو ارتفع الطلب في هذا البلد"، وذلك في أعقاب حديث وسائل إعلام مغربية عن وقف الرباط مفاوضاتها مع الجزائر لتجديد عقد استغلال أنبوب الغاز مع إسبانيا، على خلفية أزمة دبلوماسية حادة بين مدريد والرباط.
وينتهي الاتفاق الثلاثي بين الجزائر والرباط ومدريد في 31 أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، وهو يضمن وصول الغاز من الجزائر إلى إسبانيا والبرتغال عبر المغرب، من خلال الأنبوب المسمى "غاز المغرب العربي".
وفي 20 مايو (أيار) الماضي، أعلنت وزارة الطاقة الجزائرية تدشين خط أنابيب غاز جديد، لدعم قدرة خط "ميدغاز" الرابط بين الجزائر وإسبانيا عبر البحر المتوسط. وفي 2018 جددت "سوناطراك" عقود توريد الغاز إلى إسبانيا بكميات سنوية تقدر بـ 9 مليارات متر مكعب، وفق أرقام رسمية.
فاتورة باهظة
وفي خضم النقاش المحتدم، يشرح المحلل الاقتصادي أحمد سواهلية أن "الجزائر كدَولة نفطية تعمل منذ مدة على تحسين أسواقها وتطويرها، وإمداد دول أوروبا بالغاز عبر خط أنبوب للغاز سُمي (بيدروفارال) المار عبر المغرب، كلفها فاتورة غالية الثمن كحقوق لمروره عبر المغرب الذي يستفيد من 70 في المئة من احتياجاته الفردية والاقتصادية من الغاز، إضافة إلى نِسب من الكهرباء الجزائرية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأبرز سواهلية في حديث مع "اندبندنت عربية" أن "شركة سوناطراك للمحروقات تداركت احتمال وقوع أخطار متوقعة أو غير متوقعة على فكرة الأنبوب الوحيد، فقامت بإنجاز أنبوب ثان يُخفف الضغط عليه، وفعلاً تم إنجاز خَط ثاني سُمي (ميدغاز) يمر مباشرة من مدينة بني صاف الجزائرية إلى ألميريا الإسبانية".
وأضاف "بعد التوترات السياسية بين البلدين، قامت الرباط باتصالات حثيثة مع دولة نيجيريا لتمرير أنبوب لإمداد أوروبا عبر أراضيها والاستفادة منه كما فعلت مع الجزائر، ولمحت إلى إمكانية عدم تمديد اتفاقية أنبوب (بيدروفارال)، ما جعل الجزائر تحضر نفسها جيداً لإمكانية تمرير الغاز لدول أوروبا عبر خط وحيد مباشر، وتمت تهيئته وتحضيره من دون الرد على الجارة الغربية".
مشروع يعود إلى السبعينيات
وافتتح "ميدغاز" بشكل رسمي في الأول من مارس (آذار) 2011، بيد أن فكرة إنجازه تعود إلى سبعينيات القرن الماضي، غير أن القيود التقنية حالت دون تجسيده، إلى غاية عام 2001، حين أنشئت شركة خط أنابيب "ميدغاز" وتم الانتهاء من دراسة الجدوى بين عامي 2002 و2003.
وبدأت عملية الإنشاء في 7 مارس 2009 في ألميريا، وتم الانتهاء من إنشاء قواعد تمتد تحت سطح البحر في 2008. وبدأ تشغيل الخط في مارس 2011، والهدف هو "الاستجابة للطلب الأوروبي المتزايد على الغاز الجزائري". وامتد المشروع على مسافة 200 كيلومتر، اوأنجز من طرف شركتي "كوسيدار" و"إيناك"، بكلفة مالية بلغت 30.6 مليار دينار (نحو 280 مليون دولار).
تحدي فصل الشتاء
ودخلت شركة "سوناطراك" الجزائرية الحكومية للمحروقات، في سباق مع الزمن، لضمان تزويد شركائها الأوروبيين بالغاز الطبيعي قبل أشهر من حلول فصل الشتاء، حين يزداد الطلب على هذه المادة، وأعلنت رفع قدرات تصدير الغاز الطبيعي لشبه الجزيرة الأيبيرية عبر أنبوب "ميدغاز" من 8 إلى 10.5 مليار متر مكعب، وفق تصريحات المدير العام لـ"سوناطراك" توفيق حكار.
في المقابل، يقول خبراء اقتصاديون تحدثت إليهم "اندبندنت عربية"، إن "الخطوط التي تعتمدها الجزائر تؤمن احتياجات الزبائن الأوروبيين، لكن الإشكال هو في قدرات الإنتاج المحلية التي لم تتطور منذ 2007 تقريباً مقابل ارتفاع الاستهلاك المحلي المتزايد". وفي رأيهم، فإن "الجزائر مُطالبة بجلب استثمارات جديدة في التنقيب والاستكشاف لتجديد مخزونها من الغاز، لأنها من غير هذه الحالة تستهلك مخزونها المعروف منذ 1971 (تاريخ تأميم المحروقات)، في مقابل زيادة في الاحتياج المحلي للغاز قَدرتها مصادر إعلامية (من دون مرجع رسمي) بـ 9 في المئة سنوياً".
وتتوقع شركة "سوناطراك" ارتفاع إيراداتها السنوية بنحو 13 مليار دولار، صعوداً إلى 33 مليار دولار هذا العام، إذ تراجعت مداخيلها العام الماضي جراء جائحة كورونا من 33 مليار دولار عام 2019 إلى 20 مليار دولار. وعلى إثر ذلك، قلصت الدولة الإنفاق الحكومي بواقع 50 في المئة.
ولا يزال اقتصاد الجزائر يُعاني من تبعية مزمنة لإيرادات المحروقات (نفط وغاز)، إذ تُمثل 93 في المئة من مداخيل البلاد من النقد الأجنبي وفق بيانات رسمية، على الرغم من المخططات الحكومية المعلنه لتنويع مصادر الدخل، والوعود بالتوجه نحو الاقتصاد الأخضر، المرتكز على الزراعة، وغيرها من القطاعات المدرة للثروة كالسياحة والخدمات.