علاقة روحانية خاصة تجمع بين المصريين وشهر رمضان، إذ تتزين الشوارع منذ منتصف شهر شعبان استعداداً لاستقباله، تلك الزينة تصحبها فرحةٌ تعكسها الطرقات والميادين، فرمضان في القاهرة ليس كمثله رمضان، وتدريجياً تنتقل عدوى التفرد إلى باقي محافظات المحروسة...
وعلى الرغم من أن شاشات التليفزيون تسرد قصصاً أخرى بعيدة عما اعتاده الجمهور خلال رمضان، فإن الشارع والمزاج الجمعي ما زال متعلقاً بالقديم، الذي يحبه، والأكثر تعبيراً عنه، وبالتالي فإن مظاهر رمضان تحاكي ما يستقر في وجدان المصريين، وهو ما جسَّده الشارع، حيث بائع العرقسوس، وصانع الكنافة البلدية، والفوانيس الصاج التقليدية، وحتى حواديت بوجي وطمطم، وفطوطة، وفوازير نيللي وشريهان وعمو فؤاد وجدو عبده وغيرها، هكذا يحضر رمضان الثمانينيات والتسعينيات بأبهى صوره في عام 2019... "اندبندنت عربية" تجوَّلت بشوارع القاهرة، ورصدت مظاهر الاحتفال المزوجة بهذا الزمن.
بوجي وطمطم وعمو فؤاد يعودان من جديد
تمتلئ واجهات المحلات بزينة رمضان التقليدية، من فوانيس وشرائط ملونة، وفي استحضار خاص لروح فوازير ومسلسلات رمضان القديمة وحكايات ألف ليلة وليلة، توجد هدايا رمضانية مميزة تنتظر من يحنون إلى تلك الأيام، إذ عرائس على شكل "بوجي وطمطم" مسلسل الأطفال الشهير بشخصياته الملفتة، وعرائس أيضاً على شكل شخصية سمير غانم الشهيرة "فطوطة"، وأيضاً مجسمات لفؤاد المهندس وعبد المنعم مدبولي ونيللي، نجوم فوازير الأطفال، الذين ارتبط بهم أفراد الأسرة خلال الثمانينيات والتسعينيات.
إقبال كبير على معروضات رمضان "القديمة"
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي جولة بعدد من المحلات، التي تأخذ فيها تلك العرائس دور البطولة بين المعروضات، تشعر أنك تسير بين ذكريات الطفولة والصبا، تقول أماني محمود، ربة منزل في منتصف الثلاثينيات لـ"اندبندنت عربية"، "إن أجواء رمضان في تلك الحقبة هي الأبقى، وهي الأكثر التصاقاً بذاكرة الناس"، وتتابع "أشتري الفوانيس التي تضاء بالشمعة، وأرفض الكهربائية التي تشبه أي آلة إلكترونية أو كشاف كهربائي عادي، وأعتقد أننا يجب أن نحافظ على التراث الذي يميزنا".
وحسب أكثر من بائع في تلك المحال، فإن عرائس بوجي وطمطم وعمو فؤاد وسمورة وبكار هي الأكثر إقبالاً بين مختلف الفئات، إذ تشهد تلك النوعيات من الهدايا الرمضانية رواجاً كبيراً.
فرن الكنافة البلدي... لا يبلى!
المصريون يصنعون ذاكرتهم الخاصة، لا يكترثون كثيراً إلى الإلحاح عبر وسائل الإعلام، التي تروّج لأنماط مختلفة من مظاهر رمضان، ولهذا لا يزال الحاج علي عبد العال يصنع حتى اليوم فرنه الطيني البسيط بيديه، ويطليه بالجير الأبيض، ويقدم من خلاله الكنافة البلدية السميكة، التي يعشق طعمها كثيرون، ممن لا يستلذون الكنافة الآلية المنتشرة في كل المحلات الآن.
ويتابع السيد على عبد العال، 75 عاماً، ويسكن في مركز العياط بجنوب الجيزة لـ"اندبندنت عربية"، "بدأت هذه المهنة حينما تقاعدت، قبل أكثر من ربع قرن، أنا أحب صناعة الكنافة، والحقيقة أنها كانت مصدر دخل مجز نسبياً للأسرة، لكن تدريجياً بعد أن ارتفعت أسعار الغاز والدقيق وباقي المستلزمات، دخلها أصبح أقل، لكنني ما زلت متمسكاً بها".
عبد العال من القلائل الذين يحافظون على الطريقة التقليدية لصنع الكنافة في محيطه، وله زبائنه، الذين يأتون إليه من كل البلدان المجاورة، حتى إنه لم يعد يقتصر في صنعها على شهر رمضان فقط، لكنه منذ عام مضى بات يقيم الفرن الخاص به طوال أيام السنة.
واختتم بائع الكنافة حديثه قائلاً "الكنافة البلدي لها مذاق خاص، واللي بيفهموا في التذوق هم اللي يعرفوا قيمتها".