دعا المرشحان الأوفر حظاً لخلافة المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل، اللذان يُسجلان نسب تأييد متقاربة في استطلاعات الرأي، إلى تعزيز الاتحاد الأوروبي في مواجهة الصين والولايات المتحدة، خلال المناظرة الأخيرة بينهما، الخميس، 23 سبتمبر (أيلول)، قبل الانتخابات التي ستشهدها ألمانيا، ويبدو أن نتائجها مفتوحة على الاحتمالات كافة.
وضاق الفارق بين المرشح "الاشتراكي الديموقراطي" أولاف شولتز الذي حصل حزبه على نسبة تأييد هي الأكبر، بلغت 25 في المئة، وبين مرشح "الاتحاد الديموقراطي المسيحي" أرمين لاشيت الذي حصل حزبه على نسبة بلغت 23 في المئة وهو معدل منخفض تاريخياً، وفقاً لاستطلاع أجرته قناة "زي دي إف" العامة نشرت نتائجه، مساء الخميس.
شركاء ألمانيا
وسيتابع شركاء ألمانيا في أوروبا والعالم التصويت من كثب، لأنهم قلقون من شلل قد يستمر أشهراً لتشكيل ائتلاف حكومي سيكون الأول بعد عهد ميركل.
وبدا خلال المناظرة الأخيرة أن هناك إجماعاً في ألمانيا يتشكل حول الحاجة إلى تعزيز "السيادة الأوروبية"، وهو مصطلح استخدمه المرشحان.
وقال شولتز، نائب المستشارة الحالي، إنه في "عالم سيضم قريباً 10 مليارات نسمة"، من المهم أن يكون هناك "اتحاد أوروبي قوي، وإلا فإننا لن نؤدي أي دور" فيه، وشدد على أنه "يتفهم انزعاج" فرنسا بعد إلغاء أستراليا العقد معها بشأن الغواصات، وكرّر شولتز تمسكه بحلف شمال الأطلسي، وهو أمر يرفضه حزب اليسار الراديكالي "دي لينكه"، الشريك المحتمل في الائتلاف الحكومي الألماني المرتقب تشكيله بعد الانتخابات.
صوت واحد
من جهته، قال لاشيت الذي يحاول اللحاق بركب منافسه في استطلاعات الرأي، "نحن نحتاج إلى التحدث بصوت واحد، نحتاج إلى إطلاق مشاريع مشتركة ومشاريع تسليح حتى نتمكن من العمل بمجرد انسحاب الولايات المتحدة (من أي اتفاق)، وهذه مهمة يتعين على الحكومة المقبلة إنجازها".
وتطوي ألمانيا، الأحد، صفحة ميركل بعد 16 عاماً في الحكم، في انتخابات تشريعية تبقى نتائجها مشرعة أكثر من أي وقت مضى على كل الاحتمالات، ما يُنذر بأشهر طويلة من المفاوضات لتشكيل حكومة جديدة، ويفتح رحيل المستشارة التي تحكم منذ العام 2005، حقبة سياسية جديدة في ألمانيا.
أنظار الدول الأوروبية
وتتركز أنظار الدول الأوروبية المجاورة لألمانيا على هذا الاستحقاق الانتخابي، إذ إن تأثير برلين على سير شؤون الاتحاد الأوروبي يعتبر أمراً حاسماً، ولم يكن يوماً الغموض مسيطراً إلى هذه الدرجة في هذا البلد الذي كان معتاداً حتى أخيراً على الثنائية الحزبية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأدى الاهتمام المتزايد بقضايا المناخ إضافة إلى تبني قسم من السكان موقفاً متطرفاً بشأن سياسة الهجرة، إلى صعود حزبين هما حزب "الخضر" وحزب "البديل من أجل ألمانيا" اليميني المتطرف، وكانت النتيجة تراجع شعبية الحزبين الكبيرين ولاسيما الاتحاد الديموقراطي المسيحي.
ضربة قاسية
ويتصدر "الحزب الاشتراكي الديموقراطي" نوايا التصويت في استطلاع للرأي نشر الثلاثاء، بحصوله على 25 في المئة من الأصوات مقابل 22 في المئة لـ "الاتحاد الديموقراطي المسيحي" و15 في المئة لحزب "الخضر" و11 في المئة لحزب "البديل من أجل ألمانيا".
وقد توجّه هذه الانتخابات ضربة قاسية للمحافظين (حزب ميركل) الذين لطالما كانوا يحصلون على أكثر من 30 في المئة من الأصوات أثناء الانتخابات التشريعية، ويواجه زعيم المحافظين أرمين لاشيت الذي لا يحظى بشعبية كبيرة، صعوبات في السير على خطى المستشارة.
على صعيد آخر، يجد لاشيت الذي يترأس منذ عام 2017 حكومة ولاية "شمال الراين – وستفاليا"، المنطقة الأكثر تعداداً للسكان في ألمانيا، صعوبة في إقناع الناخبين حتى في معسكره، وتراجعت شعبيته على إثر الفيضانات الكاسحة التي ضربت غرب البلاد في منتصف يوليو (تموز)، بعدما ظهر في مقطع فيديو يضحك أثناء خطاب مهم للرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير، وقد يتسبب لمعسكره بهزيمة تاريخية ستحرمه من تولي منصب المستشار، وفي السيناريو الأسوأ ستجعله خارج الحكومة المقبلة.
في المقابل، يحالف الحظ "الحزب الاشتراكي الديموقراطي"، فبعد أن تكبّد انتكاسات انتخابية عدة في السنوات الأخيرة، نجح الحزب في عكس الاتجاه منذ مطلع العام وتنصيب أولاف شولتز مرشحه البالغ 63 عاماً، نائباً للمستشارة ووزير مالية.
ويُتوقع أن يلعب حزب "الخضر" بقيادة أنالينا بيربوك (40 عاماً) دوراً رئيساً في الحكومة المقبلة، على الرغم من ان حلوله في المرتبة الثالثة في نوايا التصويت يشكل خبية أمل بالنسبة لأنصاره.
خيارات التحالفات كثيرة
وسبق أن أعلنت كل الأحزاب رفضها التحالف مع "حزب البديل من أجل ألمانيا" اليميني المتطرف لكن حزباً آخر هو "الحزب الديموقراطي الحرّ" الليبرالي الذي حصل على 12 في المئة من نوايا التصويت، سيتمتع على ما يبدو، بتأثير كبير في السلطة المقبلة.
ومن الممكن أن يكون أحد أركان ائتلاف ثلاثي مع حزب "الخضر" و"المحافظين" أو "الاشتراكيين الديموقراطيين".
وقد تكون خيارات التحالفات كثيرة جداً وقد تستمر المفاوضات لأشهر ستتولى خلالها ميركل ووزراؤها مهام تصريف الأعمال.
وقادت المستشارة ألمانيا بمهارة خلال الأزمات التي شهدتها ولاياتها الأربع، من أزمة اليورو إلى وباء "كوفيد-19"، مروراً بتدفق اللاجئين السوريين والعراقيين عام 2015.
لكن عدد الملفات المطروحة على جدول أعمال الحكومة المقبلة كثيرة، ومنها التأخر الرقمي الذي تعاني منه الإدارة والشركات، والانتقال البيئي، وشيخوخة السكان، والتفاوتات وتحديد السياسة المتبعة حيال الصين وروسيا.