دخل المكونان العسكري والمدني لمجلس الحكم الانتقالي في السودان جولةً جديدة من الخلافات، احتدمت بعد الإعلان عن عملية الانقلاب الفاشلة التي نفذها أخيراً عسكريون موالون لنظام الرئيس السابق عمر البشير.
لم تكن العملية الانقلابية وحدها سبباً في تأجيج الخلافات، بل إن أزمات متتالية جعلت الخلاف واضحاً على الملأ، منها التوترات في شرق السودان التي أدت إلى إغلاق طرق رئيسة وحيوية، من بينها الطريق المؤدي إلى مطار بورتسودان. والتردي الاقتصادي والأمني الذي تشهده البلاد أخيراً جعل المدنيين يوجهون أصابع الاتهام إلى العسكريين، معتقدين أنهم فرّطوا في حفظ أمن المواطن.
حميدتي يتوعد
وأبدى نائب رئيس مجلس السيادة، الفريق محمد حمدان دقلو (حميدتي) غضبه من المكون المدني في السلطة الانتقالية، وذلك في تصريحات مصورة بثتها وسائل إعلام، مؤكداً أن لا نية لدى القوات المسلحة في الاستيلاء على السلطة. وأضاف "تشاورنا مع رئيس الوزراء (عبد الله حمدوك) حول المبادرة السياسية، وقلنا يجب أن تشمل جميع الأحزاب وليس أربعة فقط". وهذا ما دفع وجدي صالح، عضو لجنة إزالة التمكين المعنية باسترداد الأصول المالية للنظام السابق إلى القول بأن "مَن يريد حماية الثورة والتحول الديمقراطي عليه اتخاذ خطوات عملية لإعادة هيكلة تلك المؤسسات وتفكيكها وتنقيتها من الكيزان فلول النظام البائد".
هذا التصريح دفع العسكريين إلى سحب القوات التابعة للجيش والشرطة من مقر "لجنة إزالة التمكين"، مما أدى إلى احتشاد الثوار في المكان مرددين بأنهم لا يريدون حكماً عسكرياً مجدداً، متهمين رئيس مجلس السيادة، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، بالعمل لصالح فلول النظام السابق.
النظام السابق
وأثار ما حدث حفيظة عناصر النظام السابق، إذ قال القيادي الإسلامي عوض بابكر إن "هناك عدة أسباب تدفع مجموعة قوى الحرية والتغيير الحاكمة إلى اتهام الإسلاميين أو فلول النظام السابق، أبرزها الأخطاء التي ارتكبتها هذه المجموعة الحاكمة نفسها بمجرد وصولهم إلى الحكم، ما أثّر في بنية الدولة نفسها، وإبعاد التيارات الإسلامية جميعاً، حتى تلك التي ظلت معارضة للنظام السابق. وهذا جزء من فشلهم لأنهم لا يملكون خبرة في إدارة هذه الأمور، ووضح ذلك من خلال المشاكل الحقيقية التي واجهتهم في إدارة الدولة. منها مشاكل ذات طابع فني وسياسي، وعندما لا يستطيعون حل هذه المشاكل الحقيقية يلجأون إلى شماعتهم، النظام البائد أو الإسلاميين، ظناً منهم بأن الشارع له موقف سلبي من الإسلاميين". وأضاف بابكر أن "العالم أو المجتمع الدولي يتعامل مع السياسة بطريقة براغماتية، ولن يصبر على فشلهم المتكرر ويتجاوز إخفاقات الدولة السياسية والاجتماعية وغيرها مقابل حجة النظام السابق، وفي الوقت ذاته يؤكدون للخارج مدى تأثير النظام الإسلامي في العملية السياسية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأكد بابكر أن "المجموعات الإقصائية من المجموعة الحاكمة يوجهها تفكير أوحد، يتمثل في كيفية القضاء على التيار الإسلامي تماماً حتى ما بعد الفترة الانتقالية، كي لا يكون له دور في العملية السياسية مستقبلاً، وهذه واحدة من أسباب إطلاق مصطلح النظام المباد وليس السابق بواسطة قوى الحرية والتغيير، لأن شعورهم الداخلي يريد إبادة هذا النظام".
انقلاب أم لا؟
في الوقت الذي يتبادل فيها الجميع الاتهامات ويتحدث عن وضع البلاد التي دخلت في أزمة اقتصادية وأمنية، رأى البعض أن ما يحدث "انقلاب عسكري بطريقة غير كلاسيكية"، بينما اعتقد آخرون أن ما يحدث ليس سوى مناكفات عادية لن تفسد العلاقة بين المكونَين المدني والعسكري.
وعبّر الصحافي عباس محمد عن اعتقاده بأن "ما يجري في السودان حالياً هو انقلاب عسكري غير تقليدي، تقف خلفه قوى إقليمية ظلت تعمل من دون كلل على قطع الطريق أمام ثورات الشعوب. لكن غير المرئي هو أن ثورة ديسمبر (كانون الأول) 2018، في السودان تختلف عن الثورات التي شهدتها المنطقة. والسودانيون قادرون على هزيمة هذا الانقلاب الزاحف. وللعسكريين والقوى الموالية للمحاور في المنطقة حساباتها الخاطئة، فالدولة الخارجة من حصار أميركي ومقاطعة دول الغرب سرعان ما سترتد ويتهدم كل المُنجز".
وعن الوضع الاقتصادي أضاف عباس "حالياً الاقتصاد السوداني ماضٍ صعوداً، لذا أولى خطوات الانقلابيين بدأت بإغلاق الميناء الرئيس لخنق البلاد وخلق تذمر في الشارع. كما تُعدّ المواني محل صراع، لذلك تسارعت التحركات لقطع الطريق أمام أي حكم مدني، لأنه يمكن للعسكر تقديم تنازلات لا تعود بالفائدة على السودان".
ورأى الناشط السياسي حسن بكري أن "ما يحدث معركة مستمرة لم تنته بين شعبنا من جهة والنظام المُباد وبدائله الزائفة من جهة أخرى، وهي ليست معركة عسكريين ضد مدنيين إنما معركة وطنيين ضد أعداء الوطن. والوطنيون منهم العسكري والمدني. ولا علاقة للأمر مطلقاً في تقديري بأداء المدنيين أو غيره. لدى البعض نزعات انقلابية ويعتقد أن الوقت مناسب لذلك". وأضاف حسن أنه "لا يمكن فصل ما يحدث عن أحداث الشرق والانفلات الأمني بالعاصمة كلها إشارات إلى محصلة واحدة، مفادها أن الثورة على المحك والمخرج من كل شيء يتمثل في وحدة قوى الثورة، مَن يدعم الانتقال ومَن يقف في الجانب الآخر".