على الرغم من اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية العراقية التي لم يتبق لها سوى أيام معدودة، فإن الدعاية الانتخابية اقتصرت على شريط يضم بعض المناطق، وغاب عن المناطق الشعبية التي سجلت معدلات مرتفعة في تمزيق الصور واللافتات الخاصة بالمرشحين تنفذ من قبل مجهولين أو أحزاب لها نفوذ في تلك المناطق.
وعند التجوال في مناطق المنصور والحارثية وحي الجامعة والغزالية والعدل ذات الغالبية السنية التي تقع غرب العاصمة بغداد، تظهر الدعايات الانتخابية بشكل منظم ومكثّف على العمارات والمباني والمراكز التجارية والأندية الرياضية وعلى الأرصفة، لتبين أن هناك منافسة كبيرة للحصول على مقاعد هذه المناطق.
لكن بالتوجه نحو شرق وشمال العاصمة مثل مدينة الصدر والشعب والشعلة ذات الغالبية الشيعية والكثافة السكانية يبدو الاهتمام بالانتخابات من قبل الجمهور محدوداً والدعاية الانتخابية هي الأقل منذ أول انتخابات عراقية في عام 2005، حيث تظهر صور المرشحين ممزقة وتم تخريبها بالحبر أو الرسم على الصور مما يجعلها مثيرة للسخرية.
ويبلغ عدد المرشحين الكلي في الانتخابات العراقية 3249 مرشحاً بينهم 951 امرأة توزعوا على دوائر انتخابية في مختلف المدن العراقية.
دعاية بسيطة
وتقول المرشحة عن الدائرة الخامسة في بغداد ماجدة محمود عطية إن دعايتها الانتخابية بسيطة لأنها لا تمتلك أموالاً كبيرة بعكس مرشحين آخرين. وتضم الدائرة الخامسة في بغداد كل مناطق بغداد الجديدة والأمين والمشتل في شرق العاصمة.
وأضافت عطية أن "أن هناك أحزاباً فاسدة منذ سنوات في الدولة ولديها المعرفة الكافية بالعملية الانتخابية وتنظيم الدعاية الانتخابية بعكس المستقلين ذوي الإمكانات البسيطة الذين تكون دعايتهم الانتخابية متواضعة"، مشيرة إلى أنها تراهن على الوعي الجماهيري في اختيار المرشح بغض النظر عن حجم هذه الدعاية.
وأشارت عطية إلى قيام مجهولين بتمزيق صورها ودعايتها الانتخابية في إحدى مناطق شرق بغداد الشعبية، لافتة إلى وجود مرشحين منافسين في دائرتها الانتخابية وهم من النواب الحاليين والمسؤولين الحكوميين وقد أنفقوا الكثير على الدعاية الانتخابية.
بغداد الغربية
بدورها بينت المرشحة عن الدائرة الانتخابية "13" نور خوام النعيمي أن "المناطق التي تمثلها تعتبر أكثر رُقياً في دعايتها الانتخابية من حيث التنظيم إلا أنها لا تخلو من بعض التجاوزات على دعاية المرشحين". وتضم الدائرة "13" عدداً من مناطق غرب بغداد مثل العدل والغزالية وأبو غريب والرضوانية.
لا توجد مخالفات
وأضافت النعيمي أن المناطق الشعبية والمناطق الأكثر رُقياً تشهد التجاوزات نفسها في تخريب إعلانات المرشحين، وهي تتم من أحزاب معينة، مشيرة إلى "أن دائرتها الانتخابية تعتبر أكثر تنظيماً في الدعاية الانتخابية ولا توجد مخالفات لشروط المفوضية من لصق الدعاية على الجدران أو الأبنية الحكومية أو الجسور".
ولفتت إلى أن "دعاية المرشحين أصحاب الإمكانات المحدودة تختلف عن دعاية الأحزاب التي تمتلك أموالاً طائلة إلا أننا نعتمد على أهالي مناطقنا في اختيار الأفضل".
دعاية بدائية
ووصف رئيس مركز العراق للدراسات الاستراتيجية، غازي فيصل، الدعاية الانتخابية بالعراق بـ"البدائية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأضاف أن "دعاية المرشحين ترتبط بالمسألة المالية للمرشح أو الحزب، وهذه الدعاية يفترض أن تخصص لها ميزانيات مدعومة من الدولة بصورة متساوية كما يحصل في دول العالم، أو تبرعات للمرشحين كما يحصل في الانتخابات الأميركية التي يحظى خلالها المرشح بملايين الدولارات من أجل دعم حملته الانتخابية".
وأشار إلى أن الحملة الانتخابية في الأساس هي خطاب يوجه للجمهور، وأي حزب ينجح في توجيه هذا الخطاب يمكن أن يفوز بأعداد مرتفعة من الأصوات، لافتاً إلى أن الدعاية من الموضوعات المهمة والمعقدة فيمكن لخطاب واحد أن يؤدي إلى الفشل أو النجاح.
"التخلف السياسي"
وأرجع فيصل عشوائية الدعاية الانتخابية إلى "التخلف الفكري والسياسي وتخلف الخطاب الإعلامي وعدم وجود متخصصين لتنظيم هذه الحملات الإعلامية التي هي قريبة من حملات العلاقات العامة"، مشيراً إلى أن الدعاية الانتخابية بدائية وتستثمر الجلسات العشائرية للحديث مع المرشح لعرض الأفكار بطريقة البحث عن المصالح الشخصية وإصدار الوعود.
انتشار الفقر والجهل
وعن سبب تخلف الدعاية الانتخابية وتمزيق بعض صور المرشحين في بعض المناطق يبين فيصل أن "هناك علاقة بين طبيعة البنية الاجتماعية والثقافية وطريقة التفكير، فمثلاً بعض المناطق في شرق بغداد التي ينتشر فيها الفقر والجهل يعتبر تعاملها مع الانتخابات بدائياً، مؤكداً أن تمزيق الصور هو تعبير عن الاحتجاج على الانتخابات ورفض العملية السياسية والحملة الانتخابية".
ويخلص بالقول إنه "لا يمكن مقارنة بعض مناطق بغداد ذات المستوى الثقافي المرتفع بالمناطق الفقيرة والشعبية، فالبيئة الاجتماعية تحكم هذه الأمور وتكون دعايتها أكثر تنظيماً".
التنوع مرتبط بالفساد
وقال المتابع للشأن السياسي، الباحث رحيم الشمري، إن تنوع اتجاهات الدعاية بين منطقة وأخرى لا يرتبط بالقومية والعرقية والإثنية والديانة والمذهب، وإنما بحجم الفساد والسيطرة على أموال الشعب العراقي خلال السنوات الماضية.
وأكد الشمري أن الدعاية باتت صوراً تتمزق وأموالاً تبعثر، وصرف نقود جاءت من دون جهد وتعب، لافتاً إلى أن نسبة التصويت تتراجع عاماً بعد عام ولا يمكن لدعاية انتخابية تعلق بالشوارع أن تغير قناعة الناخب.
غرب بغداد تتصدر التنظيم
من جانبه قال الصحافي والكاتب، باسم الشرع، إن مناطق غرب بغداد خصوصاً المنصور والحارثية والقادسية وغيرها تتصدر مشهد تنظيم الدعاية الانتخابية والالتزام بتعليمات المفوضية العليا للانتخابات بشأن عدم الإضرار بالأرصفة والجدران.
وأضاف الشرع أن الملاحظ لمناطق غرب العاصمة أن خيارات الدعاية الانتخابية متنوعة وفيها نوع من الجذب، سواء عبر اللوحات الكبرى التي وضعت على المباني، أو عبر الشاشات الموضوعة في شوارعها، أو الشاشة العملاقة التي وضعت في "مول بغداد" والتي تقوم بالدعاية الانتخابية لمرشحين ويشاهدها الآلاف يومياً.
شرق بغداد خارج التغطية
وأوضح الشرع أن مناطق شرق العاصمة تعاني فوضى كبيرة في الدعاية الانتخابية وحرب تمزيق وتخريب الصور من أطراف مشاركة في الانتخابات، ولا يمكن للأجهزة الأمنية أو القضائية التدخل لوقف هذه الفوضى أو الانتهاكات التي تحصل.
ولفت إلى أن الوضع في هذه المناطق معقد جداً وحساس أمنياً لوجود جماعات مسلحة مؤثرة هناك يصعب على الأجهزة الرسمية ملاحقتها أو التعامل مع انتهاكاتها الدعاية الانتخابية، لكونه قد يؤدي إلى اضطراب الأوضاع وعدم إقامة الانتخابات فيها.