Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لماذا تواجه المحكمة الأميركية العليا أخطر مراحلها هذه الدورة؟

قوتها الهائلة جعلتها لاعباً رئيساً في سَن السياسة لكن شرعيتها مهددة

حقوق المرأة الإنجابية على رأس القضايا المثيرة للجدل التي ستبدأ المحكمة النظر فيها (رويترز)

تبدأ المحكمة الأميركية العليا وهي أعلى سلطة قضائية في الولايات المتحدة، الاثنين المقبل، دورة جديدة تحمل تحديات مفصلية في حياة الأميركيين، لأنها ستحسم نزاعات قضائية تتعلق بمسائل حساسة ومثيرة للجدل، مثل حيازة الأسلحة والدين وحرية المرأة الإنجابية، لكن هذه القضايا تهدد بتآكل شرعية المحكمة بعدما تراجعت نسبة التأييد الشعبي لها إلى أقل من 60 في المئة حسب استطلاعات الرأي، ما يمثل أدنى نقطة لها منذ عقود، على الرغم من أنها ما زالت أفضل من الشعبية التي يحظى بها الكونغرس أو الرئيس، فما السبب وراء تراجع شعبية المحكمة وهل يُنظر إليها على أنها مُسيسة؟ أم أن حالة الاستقطاب المستمرة في المجتمع الأميركي انعكست على المحكمة كما انعكست على سلطات الحكم الأخرى في البلاد؟

 كثير من الجدل

على الرغم من أن أول يوم اثنين من كل شهر أكتوبر (تشرين الأول)، هو اليوم التقليدي الذي تعقد فيه المحكمة الأميركية العليا دورتها الجديدة، فإن قدراً واسعاً من الجدل والتدقيق والتمحيص يحيط بالمحكمة هذا العام، بسبب أجندة مزدحمة من القضايا المشحونة التي سوف تنظرها المحكمة خلال الأسابيع والأشهر المقبلة، أبرزها ثلاث دعاوى تتعلق بانتهاكات الحقوق الدستورية في قضايا تتعلق بالحقوق الدينية والإنجابية وحقوق حيازة السلاح، وفي هذه القضايا الثلاث الكبرى قد تحرك المحكمة التي يهيمن عليها المحافظون الآن تفسير القانون الدستوري الأميركي في اتجاه جديد. 

وتأتي حقوق المرأة الإنجابية على رأس القضايا المثيرة للجدل التي ستبدأ المحكمة النظر فيها أول ديسمبر (كانون الأول)، لتبت الحكم فيها في يونيو (حزيران) 2022، فمنذ عام 1973 اعترفت المحكمة العليا بالحق الأساسي للمرأة في اتخاذ قرارها بشأن الإنجاب، إلى أن يمكن للجنين أن يعيش بمفرده خارج الرحم، أي بعد نحو 24 أسبوعاً من الحمل، لكن ولاية ميسيسبي حظرت الإجهاض بعد 15 أسبوعاً، فيما حظرته ولاية تكساس بعد ستة أسابيع من الحمل، وتأمل الولايات الجمهورية المحافظة أن تلغي محكمة عليا أكثر تحفظاً الحكم الصادر عام 1973 أو تعدله، إذ سينظر القضاة في الجدل الطويل حول ما إذا كان الدستور يحمي الحق في الاختيار، أو ما إذا كان الإجهاض يقع خارج نطاق الحقوق وينبغي بدلاً من ذلك أن يخضع لحكم الأغلبية الذي يقرره التشريع العادي في الولايات.

في عين العاصفة 

ووسط الخلاف المجتمعي والديني حول ما إذا كان الجنين يتمتع أيضاً بحق الحياة، أو أن حق المرأة الحامل يغلب على حق الجنين، بينما لا يقدم الدستور أي توجيه بشأن هذا السؤال، تجد المحكمة العليا نفسها في عين العاصفة السياسية المحتدمة والاستقطاب السياسي الحاد الذي انعكس في انقسام الرأي العام الأميركي بشدة، إذ يعتقد نحو 20 في المئة من الأميركيين في ضرورة حظر الإجهاض قانونياً في جميع الظروف، بينما تعتقد نسبة مماثلة السماح بالإجهاض في جميع الظروف، لكن 50 في المئة من الأميركيين تفضل السماح القانوني للإجهاض مع بعض القيود، ومع ذلك لا يزال الخلاف مشتعلاً حول نوع القيود التي يمكن أن يُسمح بها. 

وعلى الرغم من أن غالبية المؤيدين والمعارضين للحقوق الإنجابية يتوقعون أن تلغي المحكمة الحكم السابق الذي سمح بالإجهاض، يقول ريتشارد باسيلي، أستاذ العلوم السياسية في جامعة تينيسي، إن تحليل موقف المحكمة يتطلب التوفيق بين واقعين متنافسين، أولهما أن القضاة متسقون نسبياً في صنع القرار، فالمحافظون يصدرون قرارات محافظة، والليبراليون يتخذون قرارات ليبرالية، أما الثاني فهو أن المحكمة نادراً ما تلغي أحكامها السابقة، فعلى سبيل المثال، أعرب سبعة من القضاة قبل عقدين من الزمن عن وجهة نظر مفادها أن حكم السماح بالإجهاض كان خطأً، لكن المحكمة لم تصوت أبداً على نقض الحكم السابق وإلقائه في سلة مهملات التاريخ.

مزيد من الانقسام

ومع ذلك فإن المحكمة عندما تنقُض أحكاماً سابقة لها، فإنها تفعل ذلك بعد مرور 50 عاماً، وهو ما يثير مخاوف الليبراليين من أن المحكمة التي يسيطر عليها المحافظون قد تُسقط الحكم السابق بشأن الإجهاض بعد أن مرت خمسة عقود تقريباً على صدوره، الأمر الذي سيجلب عليها كثيراً من الانتقادات كمؤسسة تصنع القانون بدلاً من أن تفسره، بخاصة أن المحكمة تتخذ بين حين وآخر قرارات لا تتماشى مع الرأي العام، وقد تدفع المؤسسة القضائية ثمناً باهظاً نتيجة لذلك مثلما حكمت محكمة فيدرالية عام 1857 بأن العبيد المحررين لا يمكن أن يصبحوا مواطنين.

وبالإضافة إلى الانقسام المجتمعي حول الحقوق الإنجابية، تبرز قضيتان ساخنتان، تتعلق الأولى بالحق الأساسي للمواطنين في حمل الأسلحة النارية من أجل الحماية الشخصية وهل يمكن للحكومات المحلية تقييد الحق في حماية المنزل فقط، أم أن للمواطنين حقاً أوسع في حمل أسلحة مخفية أثناء وجودهم في المجتمع، أما القضية الأخرى فسوف تحدد المحكمة ما إذا كان يجوز للدولة رفض منفعة عامة على أساس أنها ستستخدم لدفع تكاليف تعليم ديني، أو ما إذا كان التعديل الأول في الدستور يتطلب معاملة مالية متساوية تماماً بين المدارس الخاصة الدينية والمدارس العلمانية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

تأييد متراجع 

غير أن الجدل حول القضايا المطروحة أمام المحكمة العليا، والهمسات بأن بعض الأحكام السابقة على وشك أن يتم إسقاطها، جعلت المحكمة تحظى بمزيد من الاهتمام بما يهدد شرعيتها التي تتمثل في القبول الشعبي لها، ذلك أن اعتبار المحكمة مُسيسة من شأنه أن يضر بمصداقيتها ومكانتها، وعلى الرغم أن المحكمة ما زالت تحظى بتأييد شعبي أكبر من الكونغرس والرئيس، فإن نسبة تأييدها تراجعت عن العقود الماضية ووصلت إلى نسبة تتراوح بين 50 و60 في المئة بين الأميركيين وأصبحت بذلك في أدنى مستوياتها منذ عقود.

ويعود هذا التراجع إلى الانتقادات التي توجه إلى قضاة المحكمة بسبب اتخاذهم قرارات يعتبرها البعض ذات طابع سياسي، وهو أمر مثير للجدل لأن قضاة المحكمة العليا غير منتخبين ويتمتعون بميزة البقاء في مناصبهم مدى الحياة، ولا يمكن التصويت بطردهم من مناصبهم إلا من خلال آلية العزل فقط أمام الكونغرس حال ظهور مخالفات تمس نزاهتهم ويكون ذلك بأغلبية الثلثين في مجلس الشيوخ، وهو ما لم يحدث من قبل مع قضاة المحكمة العليا. 

قوة هائلة

ولكن هل تراجعت قوة المحكمة العليا الهائلة بسبب النفوذ السياسي الذي اكتسبته بما أدى في النهاية إلى تآكل شعبيتها؟ اشتهر ألكسندر هاملتون، وهو مُنظر قانوني كان أحد أكثر الآباء المؤسسين تأثيراً في الولايات المتحدة، باعتقاده أن القضاء سيكون أضعف فرع من فروع الحكم، إذ اعترف بأن المحكمة العليا تفتقر إلى السيف الذي تملكه السلطة التنفيذية، كما تفتقر إلى المحفظة المالية التي تتحكم فيها السلطة التشريعية، وبالتالي لا يمكنها تنفيذ قراراتها، لكنها سوف تحتاج إلى الاعتماد على المساعي الحميدة لفرعي الحكم الآخرين أي السلطتين التنفيذية والتشريعية. 

وعندما صمم الآباء المؤسسون نظام الحكم في الولايات المتحدة كان من المفترض أن يكون الكونغرس أقوى مؤسسة، لكن الجمود استنفد حيويتها، كما أن الرؤساء الذين يتمتعون بسلطة هائلة في الشؤون الخارجية غالباً ما يكونون مقيدين في إدارة السياسة الداخلية، لكن على الرغم من القيود المفروضة على المحكمة العليا كونها لا تمتلك جهات تنفيذ إدارية، فإنه أصبح يُنظر إليها في بعض الفترات على أنها أقوى سلطة من سلطات الحكم الثلاث، لكن هذه القوة الهائلة جعلت المحكمة لاعباً رئيساً في سَن السياسة في الولايات المتحدة.

وللمحكمة العليا سلطة تقديرية شبه كاملة بشأن القضايا التي تنظر فيها، فبينما تتلقى سنوياً عدداً يتراوح بين 7000 و8000 التماس للنظر فيها، إلا أنها تقبل فقط نحو 85 قضية لمراجعتها الكاملة بشكل نهائي، لكن قرار المحكمة النهائي هو سابقة ملزمة للمحاكم الأدنى درجة في الولايات المتحدة وللقضاة أنفسهم.

الملاذ والملجأ

واكتسبت المحكمة العليا هذه القوة عبر السنين، لأن الحكومة الأميركية والولايات والشركات والنقابات وجماعات المصالح يستخدمون جميعاً المحاكم بشكل استراتيجي بما في ذلك المحكمة العليا في إطار جهودهم لتحقيق أهداف سياساتهم، فقد تلجأ مجموعة مصالح مثل اتحاد الحريات المدنية الأميركي إلى المحكمة العليا لحماية حرية التعبير، وقد تنقض الجمعية الوطنية لتقدم الملونين تشريعات الولاية أو التشريعات الوطنية التي يُنظر إليها على أنها تقمع حقوق التصويت، كما اشتهر دعاة الحقوق المدنية باستخدام السلطة القضائية، لأن الكونغرس أو الرئيس أو كليهما لم يستجيبا لضغوطهم ومناشداتهم. 

وقد تستخدم المجموعات المختلفة ساحة المحاكم، لأن القضاء هو المكان الأنسب للدفاع عن حقوق المجموعات التي لا تحظى بتأييد شعبي أو من أجل ضمان الحماية للمتهمين، ذلك أن المحاكم تحمي بشكل أفضل ضد استبداد الأغلبية، وعلى سبيل المثال قد ترفع المجموعات قضية لحماية حرية ممارسة المسلمين عقيدتهم، أو لرفض المساعدات الحكومية التي تقدم للمدارس الدينية على اعتبار أنها تفضيل دين على آخر.

تفسير الدستور

ولكن على الرغم من أن أحد إغراءات المحكمة العليا هو أن ما تقرره من الناحية الدستورية يُحفر في الحجر كسابقة يستمر استخدامها لعدة عقود، فإن الصراع السياسي في الولايات المتحدة يطرح أسئلة شائكة مثل: هل يجب أن يكون للمحكمة العليا الكلمة الأخيرة عندما يتعلق الأمر بتفسير الدستور؟

فيما يبدو أن قضاة المحكمة العليا يعتقدون ذلك بالتأكيد، يقول منتقدوهم إن هذا الموقف يهدد الديمقراطية، لكن كيث ويتينغتون، أستاذ القانون في جامعة برينستون، يجادل بأن قضاة المحكمة لم يستولوا على السلطة ولم يتحايلوا على السياسة، وإنما فُرضت عليهم السلطة من قبل السياسيين لتحقيق مصالحهم، فقد اعتقد الرؤساء بأن السيادة القضائية في مصلحتهم الأولى، لأنهم لا يتحملون المسؤولية عن تفسير الدستور، وفي كثير من الأحيان تعاون الرؤساء في زيادة سلطة المحكمة العليا وتشجيع نشاطها، ولهذا يرى ويتينغتون أن الادعاء بأن القضاة قد اغتصبوا الديمقراطية هو ادعاء باطل لأن السيادة القضائية هي نتاج السياسة الديمقراطية.

وعلى الرغم من كل الضوضاء التي تصاحب تصدي المحكمة العليا لحسم قضايا شائكة في المجتمع الأميركي، فإن رغبة المحكمة في شق طريقها وسط حالة الاضطراب السياسي تلقى ترحيباً من قبل السلطتين التشريعية والتنفيذية اللتين يمكنهما تجنب الأسئلة الصعبة من الجمهور وكسب تأييد الناخبين، بينما تظل الانتقادات توجه إلى المحكمة العليا لتنتقص من شعبيتها وشرعيتها بعيداً عنهم. 

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير