يُعد العراق من الدول التي تمتاز بالتنوع الإثني والقومي في منطقة الشرق الأوسط، والتي لا تزال محتفظة بهذه الهوية، على الرغم من "العنف الكبير" الذي تعرضت له هذه المكونات الأساسية منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة، وبخاصة بعد عام 2003، والذي شهد استهدافاً ممنهجاً لها من قبل التنظيمات المتطرفة.
وحاولت الحكومات العراقية المتعاقبة بعد نظام صدام حسين، إعطاء دور لهذه المكونات والأقليات عبر إعطاء عدد محدود من المقاعد في مجلس النواب العراقي بهدف إيجاد دور لهم في صناعة القرار السياسي العراقي، قبل أن يتحول مرشحو هذه المكونات في آخر انتخابات برلمانية إلى واجهات لكتل سياسية كبرى، في الموصل وأربيل وبغداد والبصرة التي تتركز فيها غالبية تلك المكونات.
لكن المخاوف من تفتيت هذه المكونات وانصهارها ضمن المكونات الكبرى وجعلها غير مؤثرة اجتماعياً وسياسياً في الواقع العراقي، جعل العديد من ممثلي الأقليات العراقية يشكون من "ابتلاعهم"، وجعل الكوتا الانتخابية الخاصة بهم مجرد ديكور للأحزاب الكبيرة بهدف الحصول على مقاعد إضافية في مجلس النواب.
سرقة مقاعد المسيحيين
وقال رئيس كتلة "الرافدين" المسيحية، النائب يونادم كنا، إن المكونات الكبيرة تسرق مقاعد المسيحيين المخصصة ضمن الكوتا، ما أفقدها محتواها. وأضاف، "لدينا تفاصيل عن ماذا تطبخ المكونات الكبيرة وكيف تتم سرقة المقاعد المسيحية الخاصة بالكوتا، وكيف ستصادر إرادة هذا المكون وتفرغ الكوتا من معناها ومحتواها"، مشيراً إلى اعتراض المكون المسيحي سابقاً حول آلية الانتخاب لممثلي المكونات ضمن الكوتا، وطالب الأساقفة والمرجعيات المسيحية وممثلو المكون بضرورة انتخاب الممثلين داخل المكون، إلا أن نواب الكتل الكبيرة في اللجنة القانونية رفضوا مناقشة الأمر.
ويقدر عدد المسيحيين في العراق بنحو 300 ألف، من مجموع مليون ونصف المليون مسيحي كانوا يعيشون في البلاد قبل الغزو الأميركي للعراق عام 2003.
في المقابل، ينفي النائب الكردي عن الاتحاد الوطني الكردستاني حسن ألي سرقة "كوتة" الأقليات من قبل الأحزاب الكبيرة، مشيراً إلى أن كل مرشح يحصل على أصوات مؤيديه في نطاق منطقته.
وأضاف "هذه الانتخابات تعتمد على الدوائر المتعددة بالمحافظة الواحدة وبذلك يمكن أن يحصل المرشح على أصوات منطقته ومؤيديه ضمن هذه المنطقة، بغض النظر عن كونه ينتمي إلى حزب معين أو كونه لا ينتمي إلى حزب، بالتالي ممكن الذي يحصل على أعلى الأصوات يفوز بالكوتة"، لافتاً إلى أن هذا النظام الانتخابي سيخدم الأحزاب الصغيرة كونه سيحصر الأصوات ضمن دائرة المنطقة الواحدة.
ويضيف أنه ليس جميع المرشحين الذين يمثلون الأقليات مستقلين فعلاً، فبعضهم يدعي الاستقلالية إلا أنه بالحقيقة ينتمي إلى أحزاب بصورة سرية.
المستقلون حظوظهم محدودة
ووفق هذه الآلية، فإنه من ممكن ألا يحصل ممثلو المسيحيين المستقلين إلا على مقعد واحد أو اثنين في أحسن الأحوال من مجموع مقاعد المسيحيين المخصصة، بحسب كنا، الذي أوضح أن المكونات كبيرة، وسواء أكانت شيعية أو كردية، ستستولي على مقاعدهم من خلال التصويت لمرشحين مسيحيين داخل كتلتهم.
وأشار كنا إلى أن الكوتا أصبحت جزءاً من القرار السياسي، في وقت المفروض تكون لها خصوصية دينية أو قومية تمثل المكون، لافتاً إلى أن ممثلي المسيحيين في البرلمان المقبل سيمثلون كتلاً سياسية ولا يمثلون المسيحيين، وينفذون أجندة تلك الكتل، سواء أكانت شيعية أو كردية.
وغادرت أعداد كبيرة من المسيحيين بعد عام 2003، وهُجرت أعداد كبيرة منهم بعد غزو "داعش" لمحافظة نينوى عام 2014 إلى خارج العراق، فيما استقر قسم منهم في مدن إقليم كردستان، وبخاصة أربيل.
وتعد منطقة سهل نينوى، شمال العراق، الموطن الأكبر لوجود المسيحيين في العراق، إذ تضم أقدم الكنائس والأديرة في منطقة الشرق الأوسط.
ثلاثة نواب إيزيديين
ورجح النائب عن المكون الإيزيدي صائب خدر أن يحصل مكونه على ثلاثة أو أربعة مقاعد من ضمنها مقعد الكوتا، معرباً عن تخوفه من إذابة الأقليات ضمن الكتل الكبيرة.
وأضاف أن "هناك أحزاباً تحاول الاستيلاء على مقعد الكوتا من خلال ضخ أصوات لمرشحين من الأقليات ضمن كتلها"، داعياً المجتمع الدولي والمحلي لأن يحافظ على تمثيل المكونات.
واعتبر أن مشكلة الأقليات أنها توجد في مناطق متنازع عليها، فكثير من الكتل السياسية تستقطب مقعد الأقليات ضمن الكوتا، فمثلاً المكون المسيحي له وجود في كافة أنحاء العراق من الجنوب للشمال، وبذلك تعمل الكتل السياسية على التشويش على مقعد الأقليات.
تذويب المكونات
وأعرب خدر عن تخوفه من تذويب المكونات داخل الكتل ليصبحوا ممثلين لتوجهات الكتلة لا للمكون، موضحاً أنه بعد الانتخابات ستحاول الأقليات أن تتحد، إذ كانت هناك محاولات سابقة لاتحادها في البرلمان، إلا أنها انقسمت، ولذلك يجري العمل على ذلك مجدداً.
ويبلغ عدد الإيزيديين ما يقارب 1.5 مليون تعيش غالبيتهم في العراق، ويقدر عدد من الإحصاءات أن أعدادهم تصل إلى 550 ألفاً، إلا أن إحصاءات أخرى تقدر أن تكون أعدادهم أقل من ذلك، بعد هجرة عدد كبير منهم، وتستقر غالبيتهم في سنجار التابعة لمحافظة نينوى، شمال العراق، مع وجود أعداد أقل في المناطق الناطقة بالكردية في تركيا وسوريا.
وعانى الإيزيديون التهجير عام 2014 بعد احتلال "داعش" عدداً من محافظات العراق، فيما قُتلت أعداد منهم على أيدي التنظيم الإرهابي، وتم سبي وقتل المئات من نسائهم.
وبعد طرد "داعش" من العراق، عاد الإيزيديون إلى مناطقهم في سنجار، فيما هاجرت أعداد منهم إلى دول العالم المختلفة، ومن ضمنها أوروبا.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
الصائبة قانعون
بدوره، بيّن هيثم حميد، عضو مجلس شؤون طائفة الصابئة، أن مقعد الصابئة في البرلمان مخصص لممثل يفهم خصوصية المكون، والمقعد يلبي هذا الطموح.
وأضاف حميد، "أن هناك مقعداً واحداً مخصصاً للصائبة تتنافس عليه مجموعة من المرشحين الجيدين، ونحن نختار مرشحاً فيما بينهم"، لافتاً "إلى رغبتنا بأن ينحصر التصويت داخل المكون، إلا أنه لم تحصل موافقة على اعتماد هذه الآلية".
ورأى ممثل الطائفة في البرلمان أن على المرشح فهم خصوصية المكون، وأن يكون حلقة وصل بين الطائفة والمؤسسة التشريعية حتى لا تكون هناك تقاطعات لتشريع معين ضد هوية المكون، ومن ضمنها قوانين الأحوال الشخصية.
وحذر حميد من انضمام بعض مرشحي المكونات ضمن كتل سياسية، ما يفقد الكوتا معناها الحقيقي الذي شُرعت من أجله.
والصابئة المندائية هي أحد الأديان الإبراهيمية، يؤمن أتباعها بأن يحيى بن زكريا هو صاحب رسالتهم، ويؤكدون أنهم أول وأقدم الديانات والشرائع التوحيدية، وهي ديانة غير تبشيرية ولا تؤمن بدخول أحد إليها، وتحرم الزواج من خارج الديانة.
وينتشر الجزء الأكبر منهم في العراق، وبعضهم يتوزعون في جنوب العراق.
ولا توجد إحصاءات دقيقة عن أعدادهم، إلا أنه بحسب متحدثين عن الطائفة، توجد 1500 عائلة في جنوب العراق فقط، إلا أن أعدادهم تناقصت بشكل كبير بعد الأوضاع الأمنية التي شهدها العراق.
سرقة المقاعد
من جانبه، قال المتخصص بشؤون الأقليات، سعد سلوم، إن مقاعد الأقليات تُسرق من قبل التيارات السياسية الكبرى، مستبعداً تكوين تجمّع للأقليات بعد الانتخابات.
وأضاف أن "التيارات السياسية التي تضم مرشحين عن الأقليات توعز أتباعها التصويت لمرشحي الأقليات ضمن قوائمها، وبهذا الشكل يستطيع أن يفوز بعدد أصوات أكبر من المنافسين المستقلين ضمن الأقليات".
دعوات للتغيير
وأشار إلى وجود دعوات لتغيير هذا النظام، فمثلاً بعض الطوائف الدينية تدعو إلى تحويل الكوتا السياسية إلى دينية يتم اختيارها من قبل الطائفة، وألا يكون الترشيح من التيار السياسي، لافتاً إلى أن هذا التعديل يعني أن رؤساء الطوائف الدينية ستتحكم بالكوتا.
ويعتقد سلوم أن عدد مقاعد الأقليات ضمن قانون الانتخابات هي 8، وبذلك ستكون مشاركتهم رمزية وديكورية.
وأكد أن محاولات لجمع الأقليات ضمن تكتل واحد بعد الانتخابات غير موجودة، وذلك بسبب الانقسامات فيما بينها، فضلاً عن صعوبة توحيد الأقليات نفسها، فمثلاً المسيحيون لديهم 12 حزباً سياسياً والشبك ثلاثة تيارات سياسية، والإيزيدية أربعة تيارات، مؤكداً الحاجة إلى توحيد الأقلية الواحدة، ومن ثم يجتمعون ضمن مظلة واحدة.
وبحسب قانون الانتخابات في فصله الرابع في مادته 13، فإن المجلس يتكون من 329 نائباً يتم توزيعهم على 320 مقعداً توزع على جميع محافظات العراق في حدودها الإدارية، ويتم توزيع 9 مقاعد كوتا بحيث يخصص خمسة مقاعد للمكون المسيحي في كل من بغداد ونينوى وكركوك ودهوك وأربيل، فيما يخصص مقعد للمكون الإيزيدي في نينوى ومقعد للمكون الصابئي في بغداد، وللمكون الشبكي مقعد واحد في نينوى وللكرد الفيليين مقعد في محافظة واسط.