ظهر على الساحة السياسية الفرنسية معلق سياسي يميني متطرف على طراز ترمب، فأثار استياء اليمين المتطرف والمؤسسة السياسية التقليدية المحافظة في البلاد، على حد سواء.
يتحدر إريك زمور من عائلة مهاجرين جزائريين، ويشتهر بمواقفه العنيفة المعادية للمهاجرين. إنه مثقف فرنسي كلاسيكي يخاطب قسماً ضئيلاً من الناخبين الفرنسيين المعادين للمفكرين المثقفين والهجرة.
واستطراداً، يتناول برنار كوتر، خبير العلوم السياسية في "معهد باريس للدراسات السياسية"، ذلك الأمر، مشيراً إلى أن "الخطر يكمن في شدة حساسية ما يقوله وطريقة إدارته حملته والقضايا التي يطرحها. كلما لامست مسألة الهوية، تكون النهاية سلبية. وليس الهوس بموضوع الهوية خطيراً بحد ذاته، لكنه يؤسس مناخاً سلبياً ويبعث على الشؤم".
وكذلك أدت مقاربة زمور الجدية بشأن احتمال ترشحه في الانتخابات الفرنسية الرئاسية 2022 التي تشهد منافسة شديدة، إلى اشتعال مناخاتها، وكذلك زادت الرهانات في انتخابات اعتقد كثيرون أنها ستكرر مشهد المنافسة بين الرئيس إيمانويل ماكرون ومرشحة اليمين المتطرف مارين لوبن في الجولة الثانية من انتخابات 2017.
وقد أظهر استطلاع تفاعلي أجرته شركة "هاريس" تقدم زمور على لوبن ومرشح اليمين التقليدي، في سباق رئاسي من جولة وحيدة.
وكذلك تبين كل استطلاعات الرأي خسارته أمام ماكرون في حال تواجَها في الجولة الثانية. في المقابل، تعيش فرنسا مزاجاً سياسياً متقلباً، ويتساءل مراقبون كثر عن إمكانية أن يعطي هجوم إرهابي إسلامي واحد أو موجة قاسية من "كوفيد" الفرصة لزمور في التغلب على ماكرون.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
حالياً، يتصدر وجهه الهزيل أغلفة المجلات. ويشكل احتمال ترشحه موضوع بحث البرامج الحوارية وتحليلات الصحف. ويتساءل كثيرون في أوساط المثقفين الفرنسيين إن كان الحديث المكثف عنه بهذا الشكل سيسهم في صعوده، كما أسفر هوس شاشات التلفزة الأميركية بترمب عن تقديم دعاية مجانية لحملته الانتخابية في 2016، تقدر قيمتها بمليارات الدولارات الأميركية.
وفي ذلك الصدد، يتحدث دومينيك سوبو، رئيس مجموعة من النشطاء تركز على موضوع التمييز وتسمى "أس أو أس راسيزم" (SOS Racisme)، عن زمور، "يمثل خطابه، الذي تنقله بسرور وسائل إعلامية عدة أسهمت في خلق تلك الشخصية، خطر التأثير في جدول أعمال الانتخابات الرئاسية وأجوائها من طريق توجيه الأحزاب والمرشحين نحو مزيد من العنصرية والحقد".
لا يزال الصحافي البالغ 63 سنة من العمر والمؤلف كتباً عدة تصدرت قوائم الكتب الأكثر مبيعاً، عنصراً ثابتاً في البرامج الحوارية. وقد اشتهر بسبب تصريحاته الجدلية حول النساء والمسلمين والمثليين، التي أوقعته مرات عدة في مشاكل مع السلطات الفرنسية.
وأدلى الشهر الماضي بخطاب في هنغاريا توسل فيه للأوروبيين البيض أن ينجبوا مزيداً من الأطفال، مؤكداً، "نحن عالقون بين الكثافة السكانية الإسلامية الغزيرة من جهة، وذلك الخطاب التفكيكي باسم ما يسمى المساواة بين الرجال والنساء، وباسم حرية المثليين، من جهة أخرى".
ورداً على سؤاله عن سياساته المحددة خلال مقابلة مطولة مع محطة التلفزة الفرنسية "أل سي آي" LCI تباهى على غرار ترمب بالحشود التي تستقطبها تجمعاته.
وبالتطابق مع ما كانه الأمر مع ترمب، يشتهر زمور كذلك بتصريحاته المسيئة للنساء، وقد وصل به الحال إلى حد تأليف كتاب يدين دور المرأة في المجتمع.
وكتب في مؤلفه، "الجنس الأول" The First Sex، "غالباً ما يفسر الركود الفكري والاقتصادي في أوروبا بتقدم سكانها في العمر، ولا نفكر أبداً، أو لا نجرؤ على التفكير، بتأنيثها".
وبطريقة مماثلة، يتشابه مناصروه مع مناصري الرئيس الأميركي السابق في ميلهم إلى العنف، على غرار ما حدث حين هاجمت عصابة موالية لزمور كاهناً وأصدقاءه داخل حانة في مدينة "ليل" في وقت سابق من الشهر الحالي. وبقوة، يهاجم جيشه غير الرسمي من المتصيدين الإلكترونيين منتقديه على وسائل التواصل الاجتماعي.
وفي تعليق على ذلك، ترى تارا فارما، رئيسة "مكتب المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية" في باريس، أن "مناصري زمور يشبهون مناصري ترمب، إذ يقولون إنهم لا يثقون بأي شخص آخر في السلطة. ويضمون مؤثرين شباباً على وسائل التواصل الاجتماعي، وشابات في العشرينيات من العمر يصورن فيديوهات على منصة (تيك توك) المخصصة لصنع أشرطة مرئية- مسموعة". ويحضر الآلاف تجمعاته، ويحتشد كثيرون حوله حين يظهر بشكل مفاجئ في الأحياء والبلدات. وتضيف فارما "يدلي بتصريحات بسيطة جداً. ولا يبدو عليه أنه يزدري الجمهور".
في المقابل، فخلافاً لترمب، فإن زمور نحيل وذكي ويتحدث بأسلوب منمق لا يخلو من التلاعب حين يتناول السياسة، والابتعاد عن التصنيع في الاقتصاد الفرنسي، والعلاقات بين المسلمين والمسيحيين عبر التاريخ. في مقابلة له مع صحيفة "لوموند" قبل بضع سنوات، أورد إشارات إلى المؤرخ البريطاني من القرن الثامن عشر إدوارد غيبون، كما الإمبراطور الروماني ثيودوسيوس وكارل ماركس.
وأضاف في مقابلته مع قناة "أل سي آي" التلفزيونية، ان "السياسة بالنسبة إليَّ صراع أفكار".
من العناصر الأساسية التي تشكل جاذبية زمور مزيج من تعصب اليمين والنظرة الليبرالية للاقتصاد، إذ يرى أن الدولة الفرنسية منتفخة وبحاجة إلى إصلاح جذري، خلافاً للوبن التي جاءت تصريحاتها لمصلح زيادة الإنفاق على الخدمات الاجتماعية.
في ملمح بارز، أثار صعود زمور الفوضى في معسكر لوبن، وأخذ كثيرون يناقشون كيفية التهجم عليه من دون جعل صلته أوثق بمناصريه عن غير قصد، على غرار ما حدث حين نعتت هيلاري كلينتون مناصري ترمب بـ"سلة البؤساء" وجعلتهم يتقربون أكثر من المقاول العقاري والشخصية المشهورة على تلفزيون الواقع.
وكذلك تمهد الطريق أمام صعود زمور مع سحق ماكرون الثنائية الحزبية القديمة الراسخة في البلاد حين ترشح في عام 2017 وهمش الاشتراكيين والمحافظين الذين هيمنوا على الساحة السياسية الفرنسية منذ الحرب العالمية الثانية. فقد أسس ماكرون، سواء عمداً أو من غير قصد، واقعاً سياسياً سوف يعطى الخيار فيه إلى الناخبين عبر مرحلتي النظام الانتخابي الرئاسي، كي يحسموا خيارهم بينه [ماكرون] وبين مرشح اليمين المتطرف، سواء أكانت لوبن أو زمور.
ويقول كوتر "خلق ماكرون واقعاً فيه طريق باتجاه واحد وهو الطريق الوحيد".
ويندرج ضمن ما ساعد في تمهيد الطريق أمام زمور كذلك تشرب اليمين واليسار المتزايد أفكار اليمين المتطرف حول الهجرة والإسلام. وكذلك يتمثل ما يجعله مقبولاً أكثر في استعدادهم لتوسيع حدود المقبول في الخطاب الفرنسي.
واستطراداً، تعبر حجته الزائفة بأن حكومة فيشي الصورية التي دعمها النازيون في فرنسا أنقذت الفرنسيين اليهود خلال أربعينيات القرن الماضي، عن رفض مزمن من المؤسسة الحاكمة في فرنسا للتعامل مع ماضيها القاتم. وفيما يحقر المهاجرين القادمين من الجزائر أصر ماكرون منذ وقت قريب على أن الجزائر لم تكن موجودة قبل الاستعمار الفرنسي.
وفي ذلك الصدد، يشير دومينيك سوبو، من منظمة "أس أو أس راسيزم"، إلى أن زمور "ينتمي إلى فئة غير أصيلة من اليمينيين المتطرفين الواضحين. ولكن الخطر الذي يمثله ينبع من أن قسماً من الطبقة البورجوازية الفرنسية مسؤول بشكل كبير عن نجاحه في استطلاعات الرأي، وجد فيه أيضاً أداة مثالية لتهميش فيشي والجزائر الفرنسية اللتين يشكل الدفاع عنهما ركيزتين لليمين المتطرف".
وعلى الرغم من تصريحاته الجدلية، ظل حتى وقت قريب يكتب مقال رأي في صحيفة "فيغارو" الفرنسية اليومية التابعة لتيار يمين الوسط الرئيس. وتشير فارما إلى أن زمور "كان شخصية هامشية فعلياً، لكنه لم يعد كذلك".
في سياق موازٍ، يرى البعض أن إدانة زمور بتهم إثارة النعرات قد تحول دون تأهله للترشح لمنصب الرئاسة. وكتب الباحث القانوني توماس هوشمان، أن "القانون الفرنسي يتضمن آليات تحمي الديمقراطية الليبرالية. وتشمل عدم أهلية العنصريين الذين أدانتهم المحكمة. يجب حث المحاكم على إصدار مزيد من هذه الأحكام، ويفترض استخدامها ضد إريك زمور".
ومن العوائق اللوجيستية الحصول على توقيع 500 مسؤول منتخب من 30 إقليماً فرنسياً، يدعمون ترشيحه.
وكذلك يشكك البعض في أن يقدم فعلاً على الترشح.
في مقابلة له الشهر الماضي، أورد زمور أن "أشخاصاً كثيرين يشجعونني منذ سنوات كي أترشح، ويؤمنون بأن أفكاري ملائمة لفرنسا".
لكن برأي كوتر، لقد وضع زمور نفسه في مأزق وأصبح مضطراً إلى الترشح. وظهرت بالفعل مجموعات عفوية تدعم ترشيحه على وسائل التواصل الاجتماعي.
ويعتبر كوتر أنه "سيذهب إلى الآخر. سوف يترشح، سيكون عدم ترشحه كارثة، وسوف يشوه ذلك صورته بشكل كبير".
وإضافة إلى كونه خطيباً سياسياً مفوهاً، يعتبر زمور مناظراً ماهراً يربك الضيوف. ويخشى كثيرون من تيار اليسار الفرنسي حصول مواجهة بينه وبين ماكرون قبل التصويت في 10 أبريل (نيسان). وفي مقابلة مع "أل سي آي" الشهر الماضي، ذكر زمور أن المشهد السياسي الفرنسي بات سهل التنبؤ، إذ يعلم الجميع أن ماكرون سيفوز على لوبن في الجولة الثانية من الانتخابات. وثمة شيء جذاب بشكل واضح: لمَ لا تصوتون لزمور وتحركون الأوضاع قليلاً؟
وكخلاصة، يرى كوتر أن زمور "يتمتع بالقدرة على المجادلة والدفاع عن رأيه في مقابلات صعبة. ما زالت آثار أداء مارين لوبن الضعيف بمواجهة ماكرون في 2017 تلاحق مناصريها. وفي المقابل، ينجذب ناخبو اليمين المتطرف واليمين المتشددون إلى إمكانية أن يتمكن زمور من التفوق على ماكرون في المناظرات".
© The Independent