وجهت تركيا صفعة قوية إلى إيران بإعلانها أنها ستتوقف عن استقبال نفطها، في وقت كانت طهران تعوّل على شبكة مصالح نفطية مع دول يمكن أن تتفلت من الضغط الأميركي، أولها تركيا. وفي أول ردة فعل إيرانية على هذا التطور، قال القنصل العام الإيراني في دبي عبد الرسول دوكوهكي لـ"اندبندنت عربية" إن "الولايات المتحدة لن تنجح في سعيها إلى تغيير النظام في إيران عبر تضييق كماشة الحصار الاقتصادي عليها، وآخرها الضغوط التي مارستها على تركيا والتي قادت إلى إغلاق تركيا موانئها أمام النفط الإيراني." وأضاف أن بلاده اختارت طريق الحوار، لكن واشنطن لجأت إلى التصعيد. وقلل دوكوهكي من تداعيات القرار التركي على بلاده قائلاً إن "إيران تمتلك ثروات كبيرة وهي قادرة على تأمين احتياجات شعبها بقواها الذاتية."
ورقة ترمب
ما هي أسباب هذا الموقف التركي، خصوصاً أن أنقرة كانت تصر على شراء نفط من إيران؟ تورغوت أوغلو الخبير الاقتصادي التركي المقيم في لندن، أكد أن أنقرة تشتري النفط الإيراني، لكن "في حال استمرارها، فإن الرئيس الأميركي دونالد ترمب، في رأيي، لن يسامح الرئيس التركي رجب طيّب إردوغان." ورأى أن "لدى واشنطن ورقة ضغط قوية جداً على إردوغان وهي رضا زراب تاجر الذهب التركي الذي يُحاكم في نيويورك، الذي كشف أن الرئيس التركي أشرف شخصياً على إتمام صفقة تبلغ نحو مليار دولار، وتتضمن غسل أموال ورشى من أجل خرق العقوبات المفروضة على البرنامج النووي الإيراني النووي." وأضاف أوزلو أن هذا الملف هو الآن أمام ترمب، وأول شخص ورد اسمه فيه هو رجب طيّب إردوغان، الذي يمكن أن تُوجه إليه تهمة غسل أموال النفط الإيراني ونفط "داعش."
وقال الخبير التركي "من هنا يمكن فهم أن قرار إردوغان التوقف عن شراء النفط الإيراني هو الخوف من الانتقام الأميركي. وفي المقابل، إذا أوقفت تركيا شراء النفط الإيراني فيمكن أن تتعرض لانتقام من إيران وروسيا. وذكر"إن الرئيس التركي البراغماتي يدفع اليوم ثمن تصرفه بازدواجية في السياسة الخارجية."
توازن السوق
أمام هذه المستجدات كيف هو وضع أسواق النفط؟ الدول الرئيسية المنتجة للبترول تميل إلى الحفاظ على سقف للإنتاج خلال السنة 2019، للحفاظ على استقرار السوق. حيث توضح أوساط منظمة "أوبك" أن دولها وحليفاتها في مقدمها روسيا، تحاول الحفاظ على توازن بين العرض والطلب وتحقيق استقرار في الأسعار من خلال ضخ كميات أقل من النفط. وأكدت لجنة "أوبك +" أن المجموعة ستمدد هذه السياسة التي رفعت الأسعار نحو 20 دولاراً للبرميل هذه السنة. وإذا ما اتبعت هذا المسار عندما يجتمع المنتجون في يونيو ( حزيران ) المقبل، فستكون هذه هي المرة الثانية في غضون 6 أشهر التي تتجاهل فيها المجموعة الدعوات لوقف سياسات التخفيض في الإنتاج المتبعة منذ الخريف الماضي.
وطالما بقيت حدود الإنتاج قائمة، فمن المرجح أن تظل أسعار النفط ثابتة عند أعلى مستوى لها (73 دولارا) بعدما كانت تراوح على مدى 6 أشهر حول عتبة 63 دولاراً للبرميل. وكانت السوق قد شهدت ارتفاعاً، وبلغت عقود خام برنت الآجلة، وهي المؤشر الدولي، 72.31 دولاراً للبرميل، بارتفاع 34 سنتًا أو 0.5% عند الإغلاق. وارتفعت العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط الأميركي 42 سنتاً أو 0.7% عند 63.52 دولاراً للبرميل.
المخزونات والسقوف
وكانت واشنطن قد فرضت عقوبات على إمدادات النفط من إيران وفنزويلا. وطالب الرئيس الأميركي الدول المنتجة، بتعويض النقص في السوق من خلال ضخ المزيد من النفط. في الوقت ذاته حذر وزير الطاقة السعودي خالد الفالح، من أن مخزونات الخام العالمية آخذة في الارتفاع، ما يهدد بفائض عالمي من النفط يليه انهيار للأسعار. ورأى أن "السوق العالمية هي في وضع دقيق". وقال "من ناحية، هناك الكثير من القلق، ونحن نعي ما يحصل في ما يتعلق بالاضطرابات والعقوبات وانقطاع الإمداد، لكننا من ناحية أخرى، نلاحظ ارتفاع المخزونات، ونرى وفرة في جميع أنحاء العالم."
جمع معطيات
وتسعى دول "أوبك" وحليفاتها في المرحلة الراهنة إلى إبقاء نحو 1.2 مليون برميل يومياً خارج السوق. لكن العرض انخفض أكثر من هذا الرقم من جانب منتجي المجموعة، وفق ما تؤكده لجنة المراقبة الوزارية المشتركة التابعة لها JMMC. هذه اللجنة أنشئت لرصد الامتثال لحصص الإنتاج بموجب صفقة الإنتاج التي تم الاتفاق عليها لأول مرة في ديسمبر (كانون أول) من العام 2016 وتم تجديدها في الخريف الماضي. وقد اجتمع اعضاؤها في جدة قبل أيام، ولم تقدم توصياتها إلى المجموعة الأكبر، التي تلتقي في مقر "أوبك" في فيينا الشهر المقبل. لكن اللجنة عكست إلى حد كبير تعليقات الفالح، مشيرة إلى أنها بحاجة لمزيد من المعلومات من محللي سوق النفط قبل اتخاذ قرار في ما يتعلق بالقيود الراهنة الموضوعة على الإنتاج.
السعودية والإمارات
وفي تحليل للأوضاع الراهنة في أسواق النفط، تدرس لجنة "أوبك +" احتمال إرجاء اجتماع يونيو (حزيران) حتى يوليو (تموز) المقبل، وربما يكون لدى المنتجين شهر آخر من البيانات والمعطيات للنظر فيها. وينتظر أعضاء اللجنة أن يتبلور أكثر منحى الحرب التجارية بين واشنطن وبكين التي تؤثر في نمو الاقتصاد العالمي والطلب على النفط. وتعتبر روسيا أن سوق النفط هي الآن غير مستقرة، وأن من الصعب وضع سياسة طويلة الأجل.
ويعتقد خبراء الطاقة أن قرار إدارة ترمب لا يمكن أن ينجح إلا بدعم وتعاون من السعودية والإمارات اللتين تصران على أن تكون وتيرة استبدال صادرات النفط الإيرانية وفق شروطهما. وفيما تلتزم الدولتان الحد من تهور إيران ووقف تدخلها في دول المنطقة، لكنهما تعرفان أيضاً أن سوق النفط هي أكثر ضعفاً عمّا كانت عليه قبل 6 أشهر، نتيجة تباطؤ الطلب العالمي وارتفاع مخزونات النفط الخام وتراجع المعروض من النفط الفنزويلي والليبي بسبب الصراع الداخلي في الدولتين. وتميل الدولتان إلى تجنب اتخاذ خطوات متسرعة أثناء تقويمهما لظروف السوق، وتحديد المسار الأفضل لهما من خلال حماية مصالحهما. وقد عبّر عن ذلك بوضوح وزير النفط الإماراتي سهيل المزروعي في أحد المؤتمرات بقوله: "أعتقد أننا تعلمنا الدرس... لن ننتج مسبقاً كميات غير مطلوبة بعد." ويمكن للإمارات أن تزيد إنتاجها إلى 3.5 ملايين برميل يومياً عن المستوى الراهن البالغ قرابة 3.045 ملايين. ومن شأن هذا الحجم أن يستوعب بسهولة صادرات إيران المتبقية البالغة مليون برميل يوميا، على الرغم من أنه من غير المرجح أن تتراجع مبيعات الخام الإيراني إلى الصفر.
احتياطات نفطية
وتشير تقديرات "وكالة الطاقة الدولية" إلى أن أعضاء "أوبك" يحتفظون بفائض 3.4 ملايين برميل في اليوم، بينما لم تكن لدى حلفائهم من خارج المنظمة أكثر من 330 ألف برميل يوميا. وقد استحوذت السعودية على ما يقرب من ثلثي الطاقة الاحتياطية المعلنة من "أوبك" (2.02 مليونا برميل في اليوم)، في مقابل، كميات أصغر يحتفظ بها العراق (330 ألف برميل في اليوم) والإمارات العربية المتحدة (330 ألف برميل في اليوم) والكويت (220 ألف برميل يوميا). أما روسيا، فلديها معظم الطاقة الاحتياطية غير التابعة لمنظمة "أوبك" (قرابة 250 ألف برميل يوميا) مع قدرة إنتاجية ضئيلة أو معدومة لدى الحلفاء الآخرين من خارج المنظمة.