إلحاقاً لبيانه الأول، أصدر الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة الانتقالي، القائد الأعلى للقوات المسلحة السودانية، حزمة من القرارات والمراسيم الدستورية لترجمة واستكمال وتفصيل ما ورد في إعلانه حال الطوارئ، وتجميد بعض مواد الوثيقة الدستورية، وحل مجلسي السيادة والوزراء، إلى جانب إنهاء تكليف ولاة الولايات، وإعفاء وكلاء الوزارات، وتجميد عمل لجنة التفكيك مؤقتاً، كما ألحقها أيضاً بقرار، حل بموجبه النقابات واللجان التسييرية، واتحاد أصحاب العمل القومي.
وجاء ضمن هذه المراسيم مرسوم منفصل، بخصوص اتخاذ الإجراءات اللازمة لحفظ الالتزامات الناشئة عن اتفاق جوبا لسلام السودان، وهي الحاشية ذاتها التي رافقت مراسيم حل مجلسي السيادة والوزراء، ما يشير إلى أن حركات الكفاح المسلح الموقعة على اتفاق السلام، ستكون في كامل حضورها داخل المشهد السياسي المرتقب، إن لم تنفرد به كله، في ظل استبعاد مشاركة الأحزاب السياسية في ما تبقى من عمر الفترة الانتقالية.
فهل يفتح تجميد كل المواد ذات الصلة بقوى إعلان الحرية والتغيير، وبخاصة المادة (72) من الوثيقة الخاصة المتعلقة بالشراكة الانتقالية، الباب لأن ترث الحركات المسلحة الحرية والتغيير في المرحلة المقبلة، لتصبح الحاضنة السياسية الجديدة لحكومة الكفاءات المستقلة (التكنوقراط) المنتظر تشكيلها بتمثيل لكل ولايات السودانية لإدارة المرحلة الانتقالية؟
من الوريث؟
في هذا السياق، نفى الطاهر حجر، العضو السابق بالمجلس السيادي عن الحركات الموقعة على اتفاق السلام، أن تكون حركات السلام هي الوريث لقوى إعلان الحرية والتغيير كحاضنة سياسية جديدة، بقدر ما هو التزام للدولة السودانية تجاه تنفيذ ما جاء في بنود اتفاق سلام جوبا، ما يصنفه كموضوع منفصل عن القضايا الأخرى، بحيث لا يمكن أن يحسب وجود الحركات في خانة المشاركة الحزبية بقدر ما هو التزام باتفاق واجب التنفيذ.
وعن إمكانية وجود ممثلين عن حركات السلام ضمن طاقم الجهاز التنفيذي، على الرغم من تأكيد الفريق البرهان أنها ستكون حكومة كفاءات مستقلة، بعيداً من الأحزاب السياسية، أوضح حجر أن في تعديل الوثيقة الدستورية لسنة 2020 بعد توقيع الاتفاق، تم تضمين المادة (80) بالوثيقة الدستورية، التي تنص على أنه في حالة حدوث أي تضارب أو تعارض في النصوص بين الوثيقة واتفاق السلام، تسود أحكام الاتفاق على الوثيقة، ما يعني أن نصوص الاتفاقية أقوى نفاذاً من بنود الوثيقة الدستورية.
وفي السياق ذاته، أوضح أمين إسماعيل مجذوب، الباحث والمحلل السياسي، أن ما ورد بخطاب البرهان وقراراته الأخيرة يطرح سؤالاً حول ما إذا كانت حركات الكفاح المسلح الموقعة على اتفاق سلام جوبا قد تحالفت مع الجيش في إدارة المرحلة المقبلة حتى نهاية الفترة الانتقالية، مشيراً إلى أن بيان البرهان التزم بتشكيل حكومة كفاءات مستقلة، وأبقى في الوقت نفسه على اتفاق سلام جوبا باعتباره يمثل العمود الفقري للمرحلة الانتقالية، وهي الالتزامات التي من شأنها أن ترضي أطرافاً عدة للاستمرار بالمشاركة في المشهد الانتقالي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أضاف مجذوب أن "حفظ البرهان، بموجب مرسوم دستوري، الالتزامات الناشئة عن اتفاق السلام، يؤكد أن تلك الحركات ستحتفظ بحصتها من السلطة في كل المواقع الدستورية والتشريعية والتنفيذية"، سائلاً عما إذا كان هذا الاستثناء سيجعل حركات السلام هي الحاضنة السياسية الجديدة للحكومة، بحكم سيطرتها المتوقعة على الساحة السياسية، وما إذا كان ذلك سيشمل المشاركة مع حكومة الكفاءات المستقلة التي أعلن عنها البرهان؟
سياسيون
وطالب المحلل السياسي بضرورة إبعاد الحركات من المشاركة في مجلس الوزراء المرتقب، لأنها في الواقع سياسية حزبية، ولا تنطبق عليها صفة التكنوقراط، تماشياً مع الطبيعة المعلن عنها للحكومة المقبلة، وحتى لا يؤثر على انسجام عمل طاقمها، وحتى تتسق مع ما أعلن حول نوعية الوزارة الجديدة. واعتبر مجذوب أن وجود رئيس الوزراء المقال عبدالله حمدوك، بمنزل البرهان بقصر الضيافة بالقيادة العامة للجيش، قبيل مغادرته إلى منزله، مساء الثلاثاء 26 أكتوبر (تشرين الأول)، تحت حماية مكثفة، يشير إلى أن الباب ربما لا يزال مفتوحاً أمام احتمال عودته إلى المشهد السياسي، ومشاركته في قيادة مجلس الوزراء الجديد في حال موافقته بشروطه الخاصة.
على صعيد متصل، استبعد نور الدائم محمد أحمد طه، نائب رئيس حركة تحرير السودان، القيادي بقوى الحرية، أن تتحول الحركات الموقعة على اتفاق السلام إلى حاضنة سياسية لما تبقى من المرحلة الانتقالية، لأننا ضد فكرة ما يسمى الحواضن السياسية، ونرى أن تكون حاضنة المرحلة المقبلة هي الوثيقة الدستورية والقوانين، معتبراً أن جرثومة الحاضنة هي التي أدت إلى إرباك الوضع في المرحلة السابقة.
التزام أخلاقي
وأوضح طه أن الحركات الموقعة لا تعتبر نفسها مكوناً سياسياً، بل يرتبط وجودها باتفاق السلام الذي يعني في حال انهياره، العودة مرة أخرى إلى مربع الحرب، مشيراً إلى أن كلاً من الحكومة والحركات لديها التزام أخلاقي، بغض النظر عمن سيحكم الفترة الانتقالية، وأن السبب الرئيس لوجود الحركات، تنفيذ اتفاق السلام، بما يضمن عودة النازحين واللاجئين ومعالجة الحرمان التاريخي الذي عاشته مناطق عدة بالسودان سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، أما من يريدون خلاف ذلك فهم دعاة حرب لا تحتملهم البلاد.
أضاف، "لدينا ترتيبات مع القوات المسلحة سنعمل على أن يمضي تنفيذها بالشكل المطلوب، كما لدينا التزامات بمعالجة أساس الخلل الذي أدى إلى الحرب، بما فيها جذور المشكلة، لذلك نحن ملتزمون بكل ما ورد في اتفاق السلام، طالما ظل الطرف الآخر في الحكومة ملتزماً". واعتبر طه أن هناك قضايا عالقة كثيرة تحتاج إلى المعالجة، في ظل دولة مهددة بالتفكك، بخاصة بعد أن بات شرق السودان خارج سيطرة الحكومة، وعلى الطريق نفسه يمضي كل من كردفان ودارفور، وهي قضايا أكبر من الصراع على السلطة، وكلها ترتبط بالسلام، فضلاً عن قضايا أخرى مثل تسليم مجرمي الحرب إلى المحكمة الجنائية والدستور.
وشدد نائب رئيس حركة تحرير السودان على أنه لا مخرج لأزمة السودان إلا عبر حوار شامل لمعالجة قضايا الوطن، والاتفاق على النظام والقوانين والدستور التي ستحكم البلاد، مشيراً إلى أنه، وعلى الرغم من خسارة الحرية والتغيير في صراعها مع المكون العسكري، سيظل صراعها الداخلي قائماً إلى أن يحسم عبر انعقاد مؤتمرها العام.
وقلل طه من أهمية الإدانات الدولية لإطاحة البرهان بحكومة الفترة الانتقالية، قائلاً، "هناك إدانات، ولكن أيضاً هناك تأييداً، إلا أن مشاكل السودان لا تحل فقط بالتأييد الدولي، الذي ظل موجوداً طوال الفترة السابقة، لكنه لم يحل مشاكلنا القائمة، إذ إنها مشاكل داخلية تحتاج إلى حلول مماثلة، تستشعر من خلالها القوى السياسية الوطنية مسؤولياتها، وتقبل بعضها البعض، وتهيئ نفسها للانتخابات في 2023".
انتحار سياسي
واعتبرت القيادية بالحزب الشيوعي السوداني آمال الزين أن تعامل أي قوى سياسية مع سلطة الانقلاب العسكري الذي نفذه البرهان، سيكون بمثابة انتحار سياسي مشيرة إلى أن تعاطي الحركات الموقعة على السلام مع الانقلاب ليس مستغرباً، لأن التخطيط للانقلاب قد بدأ أصلاً، باختطاف المكون العسكري ملف السلام من الجهاز التنفيذي وتوقيع اتفاق جوبا، الذي كان انقلاباً مبكراً على الوثيقة الدستورية، ما أدى إلى معظم المطبات التي تعرضت لها الفترة الانتقالية، وكانت بالتعاون بين الحركات المسلحة وبقايا (فلول) النظام السابق، متوقعة أن يشكل البرهان كل أجهزته من تلك الفئات والمتعاونين معه منذ بداية الترتيب لانقلابه العسكري.
وكان الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة الانتقالي، القائد الأعلى للقوات المسلحة، قد أعلن في بيان متلفز للشعب السوداني، حال الطوارئ وحل مجلسي السيادة والوزراء وإعفاء ولاة الولايات ووكلاء الوزارات، وعلق العمل بعدد من مواد الوثيقة الدستورية، مؤكداً في الوقت ذاته، حرصه على الوصول بالفترة الانتقالية إلى نهاياتها بإجراء الانتخابات العامة في موعدها في يوليو (تموز) 2023، وقال إنه سيشكل مجلساً تشريعياً (برلماناً ثورياً) من شباب الثورة، وحكومة كفاءات مستقلة (تكنوقراط).