استمع تحقيق عام يجرى في المملكة المتحدة إلى معطيات تفيد بأنه كان ممكناً إيقاف مفجر "مانشستر أرينا" (من أكبر القاعات المغلقة التي تستضيف المهرجانات والاحتفالات والفاعليات الكبرى) لو استجوبته شرطة مكافحة الإرهاب قبل أيام من تنفيذه الهجوم على المجمع. إذ سافر سلمان عبيدي وشقيقه هاشم إلى ليبيا بتذكرتي ذهاب من دون عودة، في أبريل (نيسان) 2017، وتركا مكونات صنع قنبلة داخل سيارة ركنت قرب شقة شخص كان الشقيقان على تواصل معه. وفي ما بعد، عاد سلمان إلى المملكة المتحدة وحده في 18 مايو (أيار) 2017، قبل أربعة أيام من تنفيذه التفجير الانتحاري، لكن الأجهزة المعنية لم تعمل على توقيفه لدى وصوله إلى مطار "مانشستر".
وفي ذلك الصدد، أقر أحد عناصر "جهاز مكافحة التجسس" البريطاني MI5 (وكالة الأمن الداخلي ومكافحة التجسس في المملكة المتحدة) الذي لا يمكن ذكر اسمه ويكتفى بتعريفه على أنه "الشاهد جي" Witness J، بأن الشرطة كان بإمكانها القبض على الإرهابي بموجب قوانين مكافحة الإرهاب، وتستجوبه وتصادر الأجهزة الإلكترونية التي بحوزته.
وكذلك كان مستطاعاً توقيف عبيدي بموجب الجدول السابع من "قانون مكافحة الإرهاب 2000" Terrorism Act 2000، الذي يتيح لأجهزة الشرطة البريطانية أن تحدد مدى إمكانية أن يكون الأفراد الذين يمرون عبر المرافق الحدودية للبلاد، متورطين في قضايا إرهاب، وغالباً ما يستخدم الجدول في جمع المعلومات الاستخبارية وتعطيل المؤامرات موضع الشبهة.
وقد اعتبر محامي المرافعة بيت ويذربي (يشار إليه بلقب "كيو سي QC أو "مستشار الملكة") الذي يمثل بعض الأسر المكلومة، أنه لو اعتمد إجراء "التوقيف في المطار" لأمكن الكشف عن خطط سلمان عبيدي.
وفي المقابل، طرح ويذربي أسئلةً مفادها أنه حتى لو كان سلمان مفرجاً عنه، كان باستطاعة الأجهزة الأمنية أن تلاحظ الإجراءات التي اتخذها بعد ذلك بهدف تفادي مراقبته، ولا سيما حينما اشترى هاتفاً جديداً وبطاقة خليوية SIM في المطار، ما من شأنه فتح إمكانية تتبعه وملاحقته مباشرةً إلى السيارة التي المحملة بالمكونات المتفجرة.
وفي جلسة الاستماع التي عقدت يوم الثلاثاء الماضي، أضاف ويذربي، "من الممكن بالتأكيد عند ملاحظتك سلوكاً مريباً وغير عادي إلى حد ما في المطار، ثم تتبعه، بحسب قولك، فإن من شأنه أن يقودك إلى القنبلة".
وطرح محامي المرافعة السؤال الآتي، "لو عملت الشرطة على توقيفه، وجمعت معظم أدلة الاشتباه، هل يؤدي ذلك إلى وجود إمكانية أن تمنعه من تنفيذ المؤامرة؟"، وجاءت إجابة "الشاهد جي" عبر الكلمات التالية، "نعم، إن ذلك يكون معقولاً، إذ توجب علينا بهدف العمل على تقديم سياق معين، سواء بالنسبة إلينا أو الشرطة أو كلانا معاً، أن يتابع المسار الذي سيتطلب منا إجراء تحقيق ينال أولوية عالية للغاية".
واستطراداً، رأى الضابط في جهاز "أم آي 5" أن ذلك "الأمر كان يتطلب بشكل شبه أكيد إجراء مراقبة من النوع الذي يجرى عادةً في إطار التحقيقات ذات الأولوية العالية. لقد توافرت لنا في حينه أجزاء مما نعرفه الآن. وامتلكنا صورة غير واضحة في ذلك الوقت، ولم نستنتج أننا أمام معلومات استخبارية تتعلق بالتخطيط للهجوم".
وكذلك أقر "الشاهد جي" يوم الاثنين الماضي بأن "مسار عمل أفضل" كان له أن يضمن توقيف سلمان عبيدي لدى عودته إلى المملكة المتحدة. وفي المقابل، أكد الشاهد نفسه أن اتخاذ قرار بعدم التصرف، كان "حكماً معقولاً"، وربما لم يكن كافياً في منع التفجير.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في سياق موازٍ، أطلق السير جون سوندرز، رئيس لجنة التحقيق، صفة "التكهنات المحضة"، على ذرائع جهاز "أم آي 5" بأن الهجوم لم يكن ممكناً منعه من خلال إجراء مختلف، لأنه لم يمتلك طريقة لمعرفة ما الذي يمكن العثور عليه إذا جرى التوقيف في المطار.
وكذلك خاطب سوندرز "الشاهد جي" عبر طرح إشكالية افتراضية صاغها على النحو التالي، "لنفترض أنك دققت في هاتف سلمان عبيدي ووجدت تعليمات مفصلة عن طريقة صنع قنبلة، وأنه راجعها في وقت قريب، لربما كنت قد أقدمت على اتخاذ إجراء فوري من شأنه إيقاف تنفيذ الاعتداء".
ورد العضو في "جهاز الاستخبارات الداخلية البريطانية" بأن تفحص هاتف منفذ التفجير والتدقيق فيه والنظر رسمياً في جعله موضوع تحقيق، من شأنه أن يستغرق بعض الوقت. وأضاف أن مراقبة سلمان في الأيام الأربعة بين عودته إلى المملكة المتحدة وتنفيذه الهجوم، بدت "صعبة للغاية".
وتساءل السير جون سوندرز أيضاً عما إمكانية أن يعمد سلمان حينها إلى "إرجاء" عمليته لو جرى توقيفه، بمعنى أن يكون قد اشتبه في قرارة نفسه بأن جهاز "أم آي 5" بات بالفعل "على علم بتحركاتي".
وفي وقت سابق، خلصت مراجعة أجراها اللورد أندرسون على أثر الهجمات الإرهابية التي وقعت في 2017، إلى أن عدم وضع سلمان على قائمة "إجراءات منافذ الدخول" بعد أن سافر إلى ليبيا في أبريل (نيسان) من تلك السنة، يعد فرصةً ضائعة.
وكذلك أشارت المراجعة إلى أن إدراج عبيدي على القائمة حينذاك "من شأنه أن يطلق إنذاراً لدى عودته قبل وقت قصير من الهجوم، الأمر الذي يتيح استجوابه آنذاك وتفتيشه في المطار على يد شرطة مكافحة الإرهاب، بموجب الجدول السابع من "قانون مكافحة الإرهاب 2000".
وجاء في تقرير المراجعة أن جهاز "أم آي 5" تلقى معلومات استخبارية "لم يجرِ تقدير أهميتها الحقيقية في حينه" قبل حدوث التفجير.
في المقابل، أشار "الشاهد جي" إلى أن المراجعات التي أجريت ما بعد الهجوم، خلصت إلى أن "نجاح عملية وقائية استباقية قبل الاعتداء، لم يكن ضمن الاحتمالات". وأضاف، "من جهتي، أؤيد هذا التقدير لأنني اطلعت على المعطيات المتعلقة به. إن التخطيط للهجوم كان جارياً منذ الوقت الذي غادر فيه عبيدي إلى ليبيا".
ورد السير جون سوندرز رئيس التحقيق بأنه قد "ينظر بعين ناقدة" إلى تلك المسألة خلال جلسات الاستماع المغلقة، حين يجري استبعاد عائلات الضحايا ومحاميهم والصحافة عن الحضور، أثناء التدقيق في جوانب تتعلق بالأمن القومي.
وفي ذلك الصدد، تجدر الإشارة إلى أن سلمان عبيدي صنف لدى "جهاز الاستخبارات الداخلية" البريطانية على أنه لم يعد "شخص موضع اهتمام" Subject of Interest ، ما يعني أنه لم يكن قيد التحقيق، بل مجرد شخص بين 20 ألفاً آخرين شملهم ذلك الوضع آنذاك، حينما أجرت الأجهزة الأمنية أيضاً 3 آلاف تحقيق مباشر في قضايا مكافحة الإرهاب.
واستطراداً، لفت "الشاهد جي" إلى أن جهاز "أم آي 5" تعرض لضغوط مع تزايد عبء العمل، خصوصاً مع انتقال قرابة 850 شخصاً من المملكة المتحدة إلى سوريا، ونتيجة استمرار القتال في العراق المجاور، وتواصل الحرب الأهلية في ليبيا.
وفي وقت سابق، استمع التحقيق إلى معلومات تفيد بأن سلمان عرف بعلاقته مع ثمانية أشخاص آخرين على الأقل، مشتبه في ارتباطهم بالإرهاب. وكذلك حددت منطقة جنوب "مانشستر" التي عاش عبيدي فيها، بأن لديها مشكلة محتملة في التطرف والأصولية. ولا يزال ذلك التحقيق مستمراً.
تقارير إضافية من وكالة "برس أسوسييشن"
© The Independent