منذ شهرين، والمريضة بالفشل الكلوي، دعاء، بحاجة إلى عملية زراعة كلى جديدة، لكن أطباء غزة عاجزون عن إجراء العملية الجراحية لها، بخاصة أن منسوب "هيموغلوبين" الدم لديها أقل من خمسة غرامات لكل 100 مليليتر دم يجري في جسدها.
وفي حال فكرت دعاء في نقل دم إلى جسمها، فإنها تكون مجبرة على تأخير عملية زراعة الكلى نحو سبعة أشهر، حتى يتكيف الدم الجديد لها مع أعضاء جسدها، ويقول رئيس قسم أمراض وزراعة الكلى، عبد الله القيشاوي، إنه لا يمكن إجراء عملية لها ودمها في هذا المنسوب، وفي حال أجريت الجراحة لها مع نقل دم جديد، فإنه من المتوقع أن تتكون أجسام مضادة تهاجم الكلية باعتبارها جسماً غريباً، والانتظار في حالتها صعب ويشكل لها مضاعفات وألماً كبيراً.
غسل كلى من دون حقن مساعدة
السبب في وراء تأخر دعاء عن عمليتها يكمن في نفاد هرمون "إريثروبويتين"، وهو هرمون تنتجه الكلى بنسبة 85 في المئة، وهو الذي يكون كريات الدم الحمراء، من مستودعات وزارة الصحة، وبلغت نسبته المتداولة في المستشفيات صفراً، وهذه الأزمة أثرت أيضاً في جميع مرضى الفشل الكلوي، بمن فيهم، رجب، الذي يخضع لغسل الكلى بشكل دوري، لكنه على الرغم من ذلك يعاني مضاعفات أخرى.
ويقول رجب إن من المفترض بعد غسل الكلى أن يتلقى جرعة "إريثروبويتين" أو "ريكورمون"، ولكن العلاج غير متوافر في قطاع غزة، الأمر الذي يجعله يعاني انخفاض منسوب الدم، بالإضافة إلى الوهن والهزال الشديد، وعدم القدرة على القيام بالمهام اليومية.
وبالعادة، يتم حقن مرضى الفشل الكلوي أو أولئك الذين بحاجة إلى عمليات زراعة الكلى بحقن "ريكورمون"، وهو هرمون مصنع يشابه "إريثروبويتين" الذي يتم إنتاجه طبيعياً في جسم الإنسان عن طريق الكلية ويعد أحد مكونات كريات الدم الحمراء.
لكن في غزة، اضطر العاملون الصحيون ومقدمو الرعاية الطبية الاستغناء عن هذه الحقنة، وقاموا، مجبرين، بمواصلة عمليات غسل الكلى من دون تقديم جرعات "إريثروبويتين"، فالهرمون نفد من مستودعات وزارة الصحة منذ شهرين، وبلغ منسوب تداوله (أي الكمية الموجودة في صيدليات المستشفيات) صفراً حقيقياً.
ويقول الطبيب القيشاوي إنهم يعانون من نقص حقن "إريثروبويتين" التي تحافظ على مستوى الدم لدى مرضى الفشل الكلوي، وغياب هذا الهرمون يؤدي إلى إصابتهم بفقر الدم، فضلاً عن التعب والهزال، ما يؤدي أيضاً إلى ضعف أو فشل في عضلة القلب.
10 آلاف جرعة شهرياً
أضاف، "هناك كثيرون من المرضى بحاجة إلى إجراء عملية زراعة الكلية، ونقص الهرمون حال دون دخولهم غرف العمليات، إن هؤلاء المرضى بحاجة إلى نقل وحدات دم خارجية لهم بعد العمليات، ما يؤدي إلى تكوين أجسام مضادة تهاجم الكلية المزروعة، لذلك هم بحاجة إلى إريثروبويتين ونفاده يعرقل تقديم الخدمة الطبية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وبالعموم، تجري مستشفيات قطاع غزة نحو خمسة آلاف عملية جراحية شهرياً (ليس لمرضى زراعة الكلى وحدهم)، وعادة ما تتنوع بين عمليات طارئة ومجدولة، وعمليات قيصرية، وتعتمد كلها بشكل أساس على توافر الدواء.
وبحسب المدير العام للصيدلة في مستشفيات وزارة الصحة، علاء حلس، فإن عقار علاج الفشل الكلوي "إريثروبويتين" يستخدم منه شهرياً نحو عشرة آلاف حقنة، ويحتاجه بشكل فوري نحو 2000 مريض.
نقص أدوية وتضييق إسرائيلي
في الواقع، ليس هذا العلاج هو الوحيد غير المتوافر لسكان القطاع، وبلغت إلى جانبه نسبة الأصناف الصفرية بين قوائم الأدوية نحو 38 في المئة حتى شهر أغسطس (آب) الماضي، في حين بلغت نسبة الأصناف الصفرية من قائمة المهمات الطبية نحو 22 في المئة.
وتمارس إسرائيل منذ بدء تفشي فيروس كورونا منعاً لدخول المعدات الصحية والأجهزة الطبية والأدوية لقطاع غزة، وفقاً لبيانات وزارة الصحة والمراكز الحقوقية، في الوقت الذي يحتاج القطاع الصحي إلى نحو 14 جهاز تصوير أشعة، بينها ثمانية أجهزة متحركة تستخدم لتصوير المرضى في العناية المركزة والحضانات والعمليات وأقسام التصوير الأخرى.
إسرائيل تنفي
ويقول مدير دائرة التصوير الطبي في وزارة الصحة، إبراهيم عباس، إنهم قدموا طلباً بحاجة المستشفيات إلى إدخال أجهزة التصوير الطبي، وتوسط في ذلك عدد من المؤسسات الدولية والصحية والمراكز الحقوقية، لكن إسرائيل ما زالت ترفض السماح للمعدات بالوصول للقطاع. ويضيف، "يوجد نحو 22 جهازاً طبياً للتصوير في مرافق وزارة الصحة داخل قطاع غزة، لكن تعطل منها ثمانية أجهزة وباتت خارج الخدمة بشكل نهائي، وكذلك تفرض إسرائيل قيوداً على دخول قطع غيار المعدات الطبية، وهذا يتسبب في عدم التمكن من إصلاحها".
ووفقاً لوزارة الصحة، فإنهم تواصلوا مع العديد من الجهات الدولية والمراكز الحقوقية، بينها منظمة الصحة العالمية للتوسط لدى إسرائيل لإدخال الأدوية، إلى جانب المعدات الطبية، إلا أن تل أبيب ترفض التجاوب مع كل المطالب.
من جهته، يقول منسق نشاطات الحكومة الإسرائيلية في المناطق الفلسطينية، غسان عليان، إنهم لا يمنعون إدخال المواد الطبية إلى قطاع غزة، ويتيحون للمجتمع الدولي تقديم المساعدة للأجهزة الصحية والطبية في القطاع، وأخيراً، سمحوا بإدخال نحو 600 طن من الأدوية والمعدات الطبية الحيوية، ومن ضمنها عشرات آلاف أطقم فحص تشخيص "كوفيد-19".