أغلقت ليبيا باب الجدل حول القوانين والتشريعات الانتخابية، ودخلت رسمياً أهم منعرج في تاريخها السياسي المعاصر بإعلان المفوضية العليا للانتخابات، الاثنين، البدء في قبول طلبات الترشح للانتخابات الرئاسية والبرلمانية، التي تبدأ بالأولى في الذكرى السبعين لاستقلال البلاد في 24 ديسمبر (كانون الأول)، وتختتم بالثانية في يناير (كانون الثاني).
ويعد إغلاق ملف القوانين الانتخابية والنزاع المحتدم بشأنها بين الأفرقاء السياسيين في الساحة الليبية خطوة جديدة تدعم فرص إجراء الانتخابات في موعدها المحدد، المقرر في اتفاق جنيف العام الماضي، لكنه لا ينهي احتمال تقويضها من أطراف لم تُرضها التشريعات التي تشكل القاعدة القانونية التي ستدار بموجبها العملية الانتخابية.
هذه الاعتراضات التي جلها يأتي من المعسكر السياسي في الغرب الليبي، زادت حدتها بعد أن نسفت هذه القوانين الانتخابية التي اعتمدتها المفوضية فرص المشاركة في الانتخابات الرئاسية لرئيس الحكومة الحالي عبدالحميد الدبيبة، أقوى المرشحين الذين كان يتجهز هذا المعسكر للاجتماع على دعمه، لمواجهة قائد الجيش في بنغازي خليفة حفتر وسيف الإسلام القذافي.
طعون في الطريق
ومع إصرار المفوضية العليا للانتخابات ومجلس النواب في طبرق على إجراء الانتخابات دون أي تعديل على قانون الانتخابات، الذي اتفقا على نصوصه بعد مشاورات طويلة، يبدو أن الرافضين لهذا القانون يتأهبون للمواجهة القانونية بالطعن عليه في المحكمة العليا، ما قد يشكل ضغطاً جديداً على الجدول الزمني الضيق، الذي يعد الهاجس الأول للمفوضية الانتخابية في المرحلة الحالية.
ويدور الخلاف القانوني، المحتمل أن يبدأ في غضون أيام قليلة، حول المادة 12 من القانون الانتخابي، التي تمنع شاغلي المناصب السيادية في الدولة حالياً من الترشح للانتخابات الرئاسية، إذا لم يجمدوا مهامهم قبل موعد الانتخابات بثلاثة أشهر، ما يحرم أسماء بارزة من المشاركة فيها، وعلى رأسهم رئيس الوزراء عبدالحميد الدبيبة.
وفي السياق، كشفت مصادر صحافية ليبية ودولية، عن أن رئيس الحكومة عبدالحميد الدبيبة وجه رسالة إلى رئيس المفوضية العليا للانتخابات عماد السايح، يهدد فيها بالطعن على قانون الانتخابات الرئاسية.
وبحسب المصادر، قال رئيس الحكومة في رسالته، إنه "تلقى مذكرة موقعة من 56 نائباً تطالب بتعديل المادة 12 المثيرة للجدل في القانون الانتخابي، الذي اعتمده البرلمان الليبي في سبتمبر (أيلول) الماضي". ووصف الدبيبة المادة المذكورة بأنها "تمييزية ومنتهكة لمبدأ تكافؤ الفرص".
دعم من داخل البرلمان
وتعززت مصداقية هذه التسريبات، بعد أن وجه النائب الأول لرئيس مجلس النواب فوزي النويري، طلباً معلناً لرئيس مجلس إدارة المفوضية الوطنية العليا للانتخابات عماد السايح، حثه فيه على "عدم التقيد بالمادة 12 من قانون انتخابات رئيس الدولة، الذي أصدره مجلس النواب".
وبرر النويري طلبه بأنه "يسعى لتحقيق مبدأ تكافؤ الفرص بين جميع المرشحين وقبول نتائج الانتخابات". وقال إنه "تسلم مذكرة من 56 نائباً، طلبوا فيها بضرورة إجراء تعديلات على المادة 12 بالقانون رقم 1 لسنة 2021، التي قيّدت الترشح للانتخابات بشروط يرى النواب أنها قد تعرقل السير السليم للعملية الانتخابية، وتفتح الباب أمام مستقبل مجهول في بلادنا، التي تمر بمرحلة حساسة".
واعتبر النويري أن تذرع المفوضية بضيق الوقت في رفضها أي مقترحات لتعديل القوانين الانتخابية غير مبرر، مستنداً إلى أن مجلس النواب أجرى تعديلاً على قانون الانتخابات الرئاسية المختلف عليه في 25 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، بإضافة شريحة عمرية جديدة يجوز لها الترشح ما بين 35 و40 عاماً، ما يعني أنه صدر قبل شهرين فقط من موعد الاقتراع، مع الإصرار على وجود شرط التوقف عن العمل بالصيغة الواردة بشروط الترشح الصادرة قبلها.
وهدد نائب رئيس البرلمان بأن "هذه المادة ستظل محل خلاف قانوني وطعن مقبول في كل المحاكم الليبية، إذ إنه يمنع شريحة كاملة من المجتمع من الترشح، في حين تسمح لهم مادة أخرى بذلك".
ونشرت المفوضية، الأحد، لائحة المرشحين لانتخابات رئيس الدولة، وكذلك مجلس النواب، وفق قراري مجلس الإدارة رقم 73 و74 لسنة 2021، بعد اعتمادهما، وتضمنا شروط الترشح للانتخابات الرئاسية، التي من بينها المادة 12 التي طلب النويري من السايح عدم التقيد بها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
مطالبة بالتحقيق مع النويري
من جانبها، عبرت هيئة رئاسة البرلمان عن استغرابها من الرسالة المتداولة المرسلة من النائب الأول لرئيس مجلس النواب فوزي النويري، إلى رئيس المفوضية العليا للانتخابات، عماد السايح، مطالباً إياه بـ"خرق القانون وتجاهل المادة 12 من قانون انتخاب الرئيس".
وعلقت الهيئة على ما ورد في الرسالة المذكورة، قائلةً إنه "لا توجد جلسة اليوم (الأحد)، والرسالة لم تعرض على هيئة الرئاسة، ولم نسمع بها إلا من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، والقانون لا يعدله إلا قانون بمذكرة تصاغ للجنة الدستورية والتشريعية، ومن ثم عرضه على القاعة بحضور كل النواب للتصويت، وليس برسالة ترسل عبر الـ(واتساب)".
وتابعت، "بعض النواب يطالبون بالتحقيق في دوافع مطالبة النويري للسايح بخرق القانون الانتخابي، بخاصة مع ما يتداول عن (عروض ومال سياسي) لشطب المادة 12، التي أقرت بحضور النواب والنويري في جلسة على الهواء، ولم يعترض عليها حينها، ولا نعلم دوافع مطالبته بشطبها الآن عبر رسالة لا قيمة قانونية لها".
الانتخابات أو الحرب
ولم يكن رئيس الوزراء عبدالحميد الدبيبة وحلفاؤه الطرف الوحيد المعترض على فتح باب الترشح للانتخابات وفق التشريعات التي أعلنتها المفوضية العليا، بل انضمت إليهم شريحة واسعة من الطيف السياسي في مصراتة وطرابلس، وأبرزهم جماعة الإخوان المسلمين، التي علق القيادي البارز فيها، عبدالرزاق العرادي، على فتح المفوضية باب الترشح للانتخابات وفق القوانين التي أعدها البرلمان، قائلاً، "أتفهم موقف الذين رحبوا بإعلان المفوضية فتح باب الترشح، لكنني لا أتفق معهم".
وأضاف، "عليهم أن يعوا أنهم من أجل مصلحة ارتأوها داسوا على الاتفاق السياسي وقبلوا بالقوانين المعيبة، مع أنهم يعلمون أنها صممت على مقاس أطراف، ومنعت أطرافاً أخرى من المشاركة".
وتابع، "عليهم أن يعوا أيضاً أن الانتخابات قد تفشل، وأنهم أعطوا الحجة للرافضين بعدم القبول بنتائجها، إن أجريت، وأتمنى أن يكونوا على صواب، وأكون على خطأ".
من جانبه، رأى عضو مجلس الدولة عن مدينة مصراتة، عبدالرحمن السويحلي، أن "الخيار لليبيا ليس بين الانتخابات أو الحرب، كما يروج البعض، بل بين انتخابات آمنة متوافق عليها ومغامرة محفوفة بمخاطر تفاقم الانقسام".
وساند السويحلي الأصوات الداعية إلى إجراء الانتخابات البرلمانية وتأجيل الرئاسية المختلف على قانونها، "أيهما أفضل انتخابات آمنة متوافق عليها باختيار مجلس نيابي جديد يشارك فيه الجميع، وينهي الانقسام التشريعي ويدعم الاستقرار النسبي الذي تحقق، أو مغامرة محفوفة بمخاطر تفاقم الانقسام، وقد تنتهي بمواجهات مسلحة أو صناعة ديكتاتور، ويسمونها (الشعب يختار رئيسه)".