تتنافس القوى السياسية، الممثلة داخل الحكومة اللبنانية، لتحقيق مكاسب شعبية تحت راية "مكافحة الفساد". فخلال أكثر من 19 جلسة، امتدت ساعات طويلة، ناقش 30 وزيراً بنود الموازنة في محاولة لخفض عجز الدولة من 11.5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، سجلت في العام 2018، إلى حدود 7 في المئة في العام 2019.
يعتبر لبنان من الدول الأكثر فساداً. إذ يهدر سنوياً حوالى 10 مليارات دولار، أي ما نسبته 10 في المئة من الناتج المحلي. وفي بلد زادت فيه مستويات الفقر وتراجع النمو، أصبحت زيادة ضرائب جديدة مسألة صعبة، خصوصاً أن سلسلة من الضرائب فُرضت في وقت سابق عندما أُقرت سلسلة الرتب والرواتب للقطاع العام.
المزايدات السياسية
أعطى ارتفاع العجز في موازنة العام 2018 من 8.4 في المئة متوقعة إلى 11.2 في المئة، صورة سلبية للمجتمع الدولي عن إدارة الدولة اللبنانية ماليتها. لذلك، اعتُبر خفض العجز أولوية. فانكبّ الوزراء للبحث عن أبواب تُنقذ لبنان وصورته، على أن تكون تقشفية وموجعةً، وفق رئيس الوزراء سعد الحريري. فخفّضت ميزانيات الوزارات ومكتسبات موظفي القطاع العام والجيش، وفرضت ضرائب على فوائد المصارف وضريبة على الاستيراد. وهذه إجراءات مقبولة في الشكل، لكنها تبقى بعيدة من مطالب وقف الهدر والفساد.
وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل، وهو رئيس التيار الوطني الحر، رفع سقف الإجراءات المقترحة، مطالباً بإضافة تعديل على تطبيق التدبير رقم 3 ووقف التهرّب الضريبي وضبط الحدود وإخضاع مصرف لبنان للضريبة على الفوائد وخفض أكبر لموازنات بعض الوزارات ووضع سقف لمنح التعليم وتخفيض الرواتب العالية ووقف مفعول التدرج وإلغاء التوظيفات التي تمّت بعد سبتمبر (أيلول) 2017 لعدم قانونيتها.
وهذه اقتراحات تراها الأحزاب الأخرى قديمة جديدة، ومشكلتها في إمكان تطبيقها من عدمها. ويرى النائب جورج عدوان، وهو يمثل حزب القوات اللبنانية، في الموازنة والاقتراحات محاولة جدية قد تؤسس لمرحلة مقبلة، لكنها تبقى خارج إطار معالجة المسائل في جوهرها. فموازنة النصف عام يجب أن تكون متكاملة مع السنوات المقبلة، فالحالية تفتقر إلى رؤية اقتصادية، كما تحتاج أرقامها للتدقيق والتنفيذ، خصوصاً بعد الفشل في الالتزام بموازنة 2018.
ووفق عدوان، لم تلحظ الموازنة التطور الاقتصادي الشامل في بنودها والضروري للخروج من التباطؤ الاقتصادي وخلق فرص العمل.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويؤكد عدوان أن المجلس النيابي سيبحث في كل بنود الموازنة، خصوصاً بعد توصيات لجنة المال والموازنة، التي ستُرفع إلى الهيئة العامة للمجلس ليُصوّت عليها ومن ثم تُعدل بحسب التصويت الجديد.
ويطرح عدوان سلسلة من الأسئلة بقيت من دون إجابة: ما هو توجه الدولة في قطاع الاتصالات وبشأن الشركتين المشغلتين للقطاع؟ ماذا عن مرفأ بيروت وإدارته والهدر الكبير المعروف بالأرقام؟ هل ستُعامل مشكلة التهرب الجمركي بجدية؟
تبدأ مكافحة الفساد من هذه البنود وكل ما دون ذلك غير جدي، وفق عدوان، الذي يؤكد أنه سيطرح هذه المواضيع في المجلس النيابي ويتوقع أن تأخذ النقاشات بين أربعة وخمسة أسابيع.
الإجراءات الأهم لرفع إيرادات الدولة
الإجراءات الأساسية مالياً التي لُحظت في الموازنة طاولت تعديل قوانين البرامج، أي بمعنى آخر تأخير تنفيذ المشاريع الاستثمارية من العام 2019 إلى أعوام لاحقة، كعتاد وتجهيزات وبنى تحتية، ما سمح بتوفير 500 مليون دولار أميركي.
زيادة الضريبة على الفوائد على الحسابات المصرفية، ستسمح بتحقيق دخل بقيمة 500 مليون دولار. كما جُمدت الإحالة على التقاعد ثلاث سنوات، ويُتوقع أن تسمح بوفر يُقارب الـ 300 مليون دولار. بالإضافة إلى فرض 2 في المئة على الاستيراد، ما سيؤمن 300 مليون دولار.
أما إسهام المصارف في الاكتتاب بدين الدولة بفوائد مخفّضة فستوفر حوالى مليار دولار.
وهذه أرقام إيجابية ستوقف المسار الانحدار الذي سلكه لبنان في المرحلة الماضية. لكن مع انقضاء نصف العام 2019 واستمرار الإنفاق ومكامن الهدر والفساد، هل سيقتنع المجتمع الدولي بما تطرحه الحكومة على الورق؟
الأكيد أنه على الرغم من كل الضجيج والإضرابات والشلل في المؤسسات العامة والتأخير، انتقلت الموازنة إلى مجلس النواب، وأولى محطاتها ستكون في لجنة المال والموازنة، على أن تُعرض أخيراً على الهيئة العامة، ليبدأ العمل بموادها في أوائل يوليو (تموز) المقبل.
وبانتظار إصلاحات جدية تُعالج الهدر والفساد، الترقب الدولي سيد الموقف. فموازنة تجميلية كالتي مررت في العام 2018 لن تلقى تجاوباً ولن تُقنع أحداً.