"لماذا؟" هي الإجابة الأكثر شيوعاً كلما سئلت امرأة عن "اليوم العالمي للرجل". و"لم لا؟" هي الإجابة الأكثر انتشاراً على لسان كل رجل في يومه العالمي. المؤكد أن لا النساء ولا الرجال على دراية بأن هناك يوماً عالمياً له من الأساس.
الرأي الطاغي بين النساء هو أن الرجال يسيطرون على العالم والحياة بشكل أو بآخر، فلا حاجة لهم في يوم يذكرنا بهم، عكس المرأة التي تعاني عدم المساواة والقهر والظلم والتمييز التي تحتاج يوماً عالمياً لها للتذكرة بمآسيها. والرأي الشائع بين الرجال هو أنهم الطرف المنسي دائماً وأبداً في الأعياد والمناسبات والأيام العالمية، لذا فيوم عالمي لهم هو أقل ما ينبغي.
ما ينبغي هنا وهناك
لكن ما ينبغي عندنا يختلف عما ينبغي عندهم! وما يطالب به رجال هنا من طرق احتفال بـ"اليوم العالمي للرجل" يختلف عن المتوقع في الاحتفالات المقامة هناك لهم وبهم. عربياً، من سمع عن "اليوم العالمي للرجل" يتوقع إفطاراً في الفراش وتدليلاً طيلة النهار وتوقفاً عن الطلبات والملاحقات من الزوجة والأولاد وقائمة طويلة من أنواع التدليل والتحلل من المسؤوليات، التي تشكو النساء أصلاً قلة قيامهم بها وتحملهم لها. غربياً، هناك احتفالات اليوم أنشطة تركز على الأبوة وأهميتها، والجندر وأدواره، والصحة العقلية للرجال ومكانتها، والمساعدات الاجتماعية والمميزات القانونية التي يذهب أغلبها للمرأة، وخلق عالم أفضل قائم على علاقات بين الجنسين أكثر صحة وتكاملاً وسلاماً ووئاماً.
الوئام الذي شهده مُحاضِر التاريخ في جامعة الهند الغربية في ترينيداد وتوباغو، جيروم تيلكوسينغ، يتبلور عاماً بعد عام في الدول المتحمسة للاحتفال بهذا اليوم، حتى إن بعضها يعتبره إجازة رسمية. الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا وكندا وكولومبيا والصين وروسيا وبريطانيا وأستراليا وجامايكا والنرويج ضمن قائمة طويلة من الدول تخلو من الدول العربية. نساء عربيات يخلطن الجد بالهزل حين يسألن باستنكار: "وما حاجة العرب للاحتفال بالرجال وكل يوم هو احتفال وتذكير بأنهم وحدهم يهيمنون على عوالمهم وعوالمنا؟".
تبدل العوالم
لكن العوالم تتغير وتتبدل. ومُحاضر التاريخ تيلكوسينغ حين طالب وأصر واجتهد على تخصيص يوم عالمي للرجال أسوة بيوم عالمي للنساء وهو يوم الثامن من مارس (آذار) من كل عام لم يكن يهدف إلى منافسة النساء في مناسبتهن، بل إلى تسليط الضوء على القيمة الإيجابية التي يضيفها الرجال لهذا العالم من خلال الأدوار المتعددة التي يلعبونها في عائلاتهم ومجتمعاتهم، بالإضافة إلى رفع الوعي حول صحة الرجال الجسدية والنفسية مع الاحتفاظ بالغاية المزمنة ألا وهي علاقات أفضل بين الرجال والنساء.
وهذا تحديداً الموضوع المختار للاحتفاء باليوم العالمي للرجال هذا العام 2021: "علاقات أفضل بين الرجال والنساء"، في ضوء منظومة تشغل الغرب كثيراً وتجد مقاومة عتيدة في مناطق أخرى ألا وهي تحسين العلاقات الجندرية وتعزيز المساواة المبنية على أساس الجندر.
يشار إلى أن الاختلاف بين الجنس والجندر يكمن في أن الأول هو المواصفات البيولوجية والفسيولوجية بين الذكور والإناث مثل الجهاز التناسلي والكروموسومات والهرمونات وغيرها، في حين يشير الجندر إلى الخصائص المبنية اجتماعياً والخاصة بكل من الإناث والذكور، وتتمثل في العادات والتقاليد والأدوار وطبيعة المسؤوليات الموزعة بين الذكور والإناث.
يشار أيضاً إلى أن مؤسسات وهيئات وكيانات عربية عدة ترفض انتشار مفهوم "الجندر" بديلاً للجنس، وترى في "الجندر" تعدياً على خصوصيات ثقافية ودينية (لا سيما إسلامية) عربية تتمسك بتلابيب الأدوار التقليدية للمرأة والرجل، بالإضافة إلى تشابكات وتلامسات بين مفهوم الجندر والانتماءات الجنسية وبينها المثلية وهي من القضايا الشائكة عربياً.
أوسع من الجندر
لكن لحسن الحظ أن اليوم العالمي للرجل هذا العام لا يحصر نفسه في مسألة الجندر وهو ما يتيح للمتحرجين والمتخوفين التفكير في الاحتفاء برجالهم من دون قيود، فقط أعمدة.
الأعمدة الستة التي يقوم عليها "اليوم العالمي للرجال" تنص على: تعزيز الأدوار النموذجية الإيجابية التي يلعبها رجال كثيرون في الطبقات العاملة ويعيشون حياة طبيعية صادقة وليس فقط نجوم السينما والرياضة؛ والاحتفاء بمساهمات الرجال الإيجابية في المجتمع والأسرة والزواج ورعاية الأطفال والبيئة؛ والتركيز على صحة الرجال ورفاههم الاجتماعي والعاطفي والجسدي والروحاني؛ وتسليط الضوء على التفرقة ضد الرجال في مجالات تستحوذ عليها النساء مثل الخدمات الاجتماعية ونصوص القانون والمواقف والتوقعات الاجتماعية المنحازة للنساء؛ وتحسين العلاقات بين الذكور والإناث؛ وخلق عالم أفضل وأكثر أمناً حيث يعيش البشر بشكل آمن يمكنهم من تنمية إمكاناتهم وملكاتهم والاستفادة منها بشكل آمن وعادل.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
الأمن والعدل
الأمن والعدل لا يفرقان بين رجل وامرأة في عالم مثالي، لكن حيث إن عالمنا ليس مثالياً، فإن "اليوم العالمي للرجل" قد يكون فرصة مناسبة لطرح ظاهرة جديدة جديرة بالاهتمام. فعلى الرغم من تأكيدات عديدة من قبل منظمة الصحة العالمية بأن النساء أكثر عرضة من الرجال للإصابة بالاكتئاب، فإن دراسة أجرتها جامعة كامبريدج البريطانية وأعلنت نتائجها عام 2019 أشارت إلى أن الرجال في المناطق المنخفضة الدخل أكثر عرضة للإصابة باضطرابات الصحة النفسية مقارنة بالنساء. وأشارت كذلك إلى أن الاكتئاب بات يصيب أعداداً متزايدة من الرجال في العديد من دول العالم، وقد يؤدي إلى الانتحار في حال لم يتم التعامل معه بالعلاج.
وفي المقابل، فإن المسائل المتعلقة بالصحة النفسية كثيراً ما يتم تجاهلها أو التغاضي عنها من قبل الرجال، باعتبارها "مشكلات نسائية" أو وصمة تصيب مكانتهم الذكورية وقوتهم وسطوتهم وصورتهم القوية في مقتل.
صورة الرجل القوية
صورة الرجل القوية قد تصيبها الأنماط الثقافية المتحجرة والعادات والتقاليد الجامدة في مقتل إذا نما إلى مسامعها أن الرجل مكتئب أو يعاني ضغوطاً نفسية نالت من صحته، لكن السكوت على إصابة الرجل بأمراض قاتلة تقتل الرجل نفسه وليس صورته.
مصر أطلقت قبل أسابيع حملة فريدة من نوعها عنوانها "صحتك ثروتك" وهي موجهة لصحة الرجل. وبدأت أولى محطاتها في سبتمبر (أيلول) الماضي في مدينة الأقصر (جنوب مصر) بحملة لفحص الدم بحثاً عن أمراض تتعلق بالبروستاتا، لا سيما "سرطان البروستاتا" الذي ارتفعت نسب الإصابة به والوفيات الناجمة عنه بشكل ملحوظ في السنوات القليلة الماضية.
همهمات الصحة الجنسية
وعلى الرغم من الهمهمات المصاحبة لكل إعلان عن صحة تتعلق بأعضاء تناسلية أو جنسية، فإن الحملة حققت نجاحاً باهراً. الهدف كان الكشف على ألفي رجل، لكن تم الكشف على عشرة آلاف رجل نتيجة الإقبال الشديد.
الإقبال الشديد على الاحتفاء بالرجل في يومه العالمي في دول عدة حول العالم، أغلبها ليس دولاً عربية، يشهد أنشطة وفعاليات عدة على الرغم من شبح الإغلاقات المتجدد بسبب موجة خامسة لارتفاع الإصابات بـ"كوفيد-19". العديد من هذه الفعاليات يدعم قدراً أكبر من مشاركة الرجال في رعاية الأطفال، وفتح النقاش حول قوانين الزواج والعمل والمساواة وغيرها.
مغالاة في المساواة
البعض يتشبث بتلابيب المساواة لدرجة المغالاة. والدليل على ذلك "موفمبر"، حيث دمج لكلمتي "موستاش" moustache أي شارب بالإنجليزية ونوفمبر (تشرين الثاني) باعتباره الشهر الذي يحتفي في يومه الـ19 بيوم الرجل، والدعوة إلى إطلاق الشارب من قبل صديقين أستراليين في عام 2003 للفت الانتباه لصحة الرجل.
وانتشرت الحملة من أستراليا إلى العديد من دول العالم، وأصبحت جمعيات خيرية عدة تتبنى الفكرة وتطبع تي شيرتات وأكواباً وترسل رسائل إلكترونية توعوية خاصة بصحة الرجال.
الفكرة تتركز على توعية الرجال وأسرهم بالحفاظ على صحتهم والوقاية من الموت المبكر بالكشف عن والخضوع للفحوصات الدورية المبكرة لسرطان البروستاتا، وكذلك الاضطرابات النفسية، والتنبه إلى مغبة الخمول والكسل الناجمين عن وتيرة الحياة العصرية الممتلئة بالعمل من دون وقت للرياضة والترفيه.
الطريف أن البعض تمادى في "موفمبر" وطالب بأن تطلق النساء كذلك شواربهن أو طالبهن بتركيب شوارب في هذا اليوم كنوع من أنواع التضامن مع الرجال في يومهم العالمي.
"شنبو في المصيدة"
"شنبو في المصيدة" (عنوان فيلم كوميدي بطولة الراحل فؤاد المهندس) يتداوله البعض عربياً على "تويتر" احتفاءً باليوم العالمي للرجل بطريقة كوميدية، حيث مطالبات بدخول الرجال غير المتزوجين مصيدة الزواج، أو مصيدة تلبية قوائم التسوق الخاصة بالنساء، أو مصيدة الخضوع والإذعان بأن العالم لم يخلق للرجال فقط بل للنساء أيضاً. وكلمة شنب تعني شارب.
وسواء دخل "شنبو" المصيدة أو ظل خارجها، يبقى يوم 19 الحالي يوماً عالمياً لرجال العالم، سواء من يطالبون بمساواة الرجل بالمرأة من حيث الحقوق التي اكتسبنها وحدهن من دون الرجال، أو من يطالبون بأن يعترف الرجال بأن الكوكب ليس مخصصاً لهم وحدهم.
يشار إلى أن دعوات عديدة ظهرت في دول كثيرة في ستينيات القرن الماضي للاحتفال بيوم عالمي للرجال. أغلب هذه الدعوات ارتكنت إلى مبدأ المطالبة بالمساواة مع النساء اللاتي تم تخصيص يوم لهن في الثامن من مارس من كل عام منذ مطلع القرن.
لكن الدعوات لم تتبلور في احتفاء فعلي إلا في عام 1999 على يد مُحاضِر التاريخ تيلكوسينغ، الذي وجدت دعوته أصداء بالغة الإيجابية في منطقة الكاريبي، ومنها إلى دول عدة في العالم. وتبقى الدول العربية استثناء، ربما لأن كل يوم هو يوم للرجل فيها.