Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

بين بيضاء وسوداء... ما قصة لون العمامة في زعامة "حزب الله"؟

اختيار نعيم قاسم خالف بعض التوقعات حول هوية من سيخلف حسن نصرالله الذي كان خلف عباس الموسوي قبل أكثر من 30 عاماً

اختير قاسم وهو من أصحاب العمامة البيضاء بعدما كان الاعتقاد سائداً بأن الحزب سيختار خلفاً من أصحاب العمامات السوداء (اندبندنت عربية)

ملخص

بعد اغتيال حسن نصرالله واختيار نعيم قاسم خلفاً له، الأسئلة التي تطرح اليوم: ما قصة العمامة البيضاء؟ وما قصة العمامة السوداء؟ وما تأثير لون العمامة على منصب أمين عام "حزب الله"؟ ولماذا تم اختيار قاسم وهو من أصحاب العمامة البيضاء بعدما كان الاعتقاد سائداً بأن الحزب سيختار بالتأكيد خلفاً من أصحاب العمامات السوداء؟ مثل رئيس المجلس السياسي في الحزب إبراهيم أمين السيد؟

مرت 33 عاماً بين أول أمين عام لـ"حزب الله" من أصحاب العمامة البيضاء غير "السادة"، وهو "الشيخ" صبحي الطفيلي (مواليد 1948) الذي بقي أميناً عاماً للحزب لستة أعوام، قبل اختيار مجلس شورى الحزب "الشيخ" نعيم قاسم (مواليد 1953) وهو أيضاً صاحب عمامة بيضاء، منذ يومين أميناً عاماً بعد شهر ونيف على اغتيال سلفه "السيد" حسن نصرالله (1960- 27 سبتمبر 2024) الذي تولى المنصب مدة 32 عاماً متواصلة من سلفه "السيد" عباس الموسوي (1952- 1992) الذي اغتالته إسرائيل في جنوب لبنان عام 1992 بعد عام فقط على انتخابه خلفاً لصبحي الطفيلي.

قبل انتخاب قاسم دار جدل بين أوساط الباحثين السياسيين حول خليفة نصرالله من مشايخ "السادة" الشيعة، وتوجهت الأنظار مباشرة نحو "السيد" هاشم صفي الدين (1964- 2024) الذي شغل منصب رئيس المجلس التنفيذي لـ"حزب الله" منذ عام 2001 وحتى تاريخ اغتياله في الثالث من أكتوبر (تشرين الأول) 2024، بغارة جوية للمقاتلات الحربية الإسرائيلية على مقر إقامته في ضاحية بيروت الجنوبية، والذي كان المرشح الأوفر حظاً بعد اغتيال نصرالله لتولي المنصب، وهو ابن خالته ومن "السادة" أصحاب العمامات السوداء ويعرف بتشابهه مع نصرالله في المظهر وأسلوب الحديث، بما في ذلك اللثغة (بالراء) المشتركة بينهما، ولديه علاقات قوية مع إيران ونظام المرشد الأعلى. 

من هم السادة الشيعة؟

"السيد" يعني لغوياً الرئيس والكريم (جمعه: السادة والأسياد) واصطلاحاً هو وصف لمن تحدر من أبناء هاشم بن عبد مناف، الجد الثاني لنبي الإسلام محمد، والمنتسبون إليه يأتون تحت عنوان الهاشميين أو بني هاشم. ويطلق المصطلح اليوم على سلالة الرسول محمد من علي بن أبي طالب وفاطمة الزهراء بنت النبي، وابنيهما الإمامين الحسن والحسين وأئمة الشيعة الـ12 من أولاد الحسين. وقد تعداها البعض إلى كل هاشمي. 

لكن الأسئلة التي تطرح اليوم هي ما قصة العمامة البيضاء؟ وما قصة العمامة السوداء؟ وما تأثير لون العمامة في منصب أمين عام "حزب الله"؟ ولماذا اختير قاسم وهو من أصحاب العمامة البيضاء بعدما كان الاعتقاد سائداً بأن الحزب سيختار بالتأكيد خلفاً من أصحاب العمامات السوداء؟ مثل رئيس المجلس السياسي في الحزب إبراهيم أمين السيد؟

بين السوداء والبيضاء

يسود اعتقاد عام في الأوساط الشيعية بأن العمامة السوداء تشير إلى أن صاحبها يعود نسبه إلى بيت النبي محمد ويطلق عليه لقب "سيد"، أما البيضاء فتدل على أن من يرتديها لا ينتمي إلى سلالة الرسول وبذلك يسمى "شيخ"، لكن الاثنين من رجال الدين، كما أن لون العمامة لا يرتبط بالدرجة العلمية التي يكتسبها مرتدوها فبإمكان الاثنين الوصول إلى مرتبة علمية عليا ويصبحان من المراجع الدينية. من ثم لون العمامة ليس شرطاً في من سيتولى زعامة "حزب الله"، لكن يتفق المتابعون على أن العمامة السوداء تعطي مرتديها جرعة قوة أكبر بخلفية دينية.

وكان يتوقع كثر في صفوف بيئة الحزب ولبنان أن من سيخلف نصرالله لا بد أن يكون من أصحاب العمامة السوداء، لكن اختيار نعيم قاسم خالف هذه التوقعات.

يقول النائب السابق في البرلمان اللبناني ضمن كتلة "حزب الله" الأستاذ في القانون الدولي نزيه منصور إنه "إذا كانت القصة مجرد عمامة سوداء فيمكن أن نبدل عمامة الشيخ نعيم قاسم بعمامة سوداء، وهناك أمثلة عديدة لمشايخ قلبوا العمامة البيضاء إلى عمامة سوداء، وهنا نكون في حال سخرية من الدين، وهناك إساءة للإنسان كإنسان، إذ لا يمكن أن تميز إنساناً عن آخر بشكله بقدر ما هو عطاؤه وعمله وسلوكه والتزامه الديني والعملي وإنسانيته وأخلاقه". ويتساءل "هناك عدد كبير من العمامات السوداء، لكن هل يمكن أن تصلح جميعها لأن تكون في مواقع القيادة؟ نكون كمن يميز بين إنسان وآخر هذا سيد وهذا عامة. ليس دقيقاً هذا الكلام وإنه إساءة للدين وتمييز لا يجوز ونحن لسنا في زمن الجاهلية ونفرق بين السادة والعبيد، هذا أمر خطأ".


انتخاب الأمين العام ضرورة

وعن مدى ضرورة انتخاب أمين عام جديد للحزب في هذه المرحلة الحرجة وعدم التأخير إلى ما بعد انتهاء الحرب يرد المحامي منصور "من الأهمية بمكان بالنسبة إلى أي مؤسسة في العالم أو أي نظام سياسي، ألا يكون هناك فراغ في موقع المسؤولية الأعلى ولمدة طويلة، لذلك يعد انتخاب أمين عام جديد بالغ الضرورة خصوصاً أن ’حزب الله‘ سبق وسقط له أمين عام اغتيالاً هو عباس الموسوي وجرى في فترة قصيرة تعيين أمين عام جديد كان حسن نصرالله، أضف إلى ذلك أن الحزب على علاقة وطيدة بإيران التي قضى رئيسها السابق إبراهيم رئيسي مع وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في حادثة تحطم مروحية كانت تقلهما، وخلال الوقت عينه وضمن المهلة القانونية وخلال أقل من 50 يوماً جرى انتخاب رئيس جديد للبلاد".
ولفت إلى أن هذا الأمر "يتم على مستوى العالم بأسره وليس على الطريقة اللبنانية والنظام اللبناني الذي تديره اليوم حكومة مستقيلة، ولا رئيس للجمهورية منذ الـ31 من أكتوبر 2022". وفي اعتقاد منصور أن "الحزب يمر اليوم بأكثر مرحلة يحتاج فيها لأن تكون مؤسساته وتنظيماته السياسية منتظمة، من الأمين العام إلى المجلس التنفيذي وحتى المواقع التي باتت شاغرة بسبب الاغتيالات التي حصلت، ونحن نتحدث عن حزب في حال قتالية وفي خضم الحرب لا يصح أن يبقى من دون مرجعية مكتملة، وأعتقد أن يكون الاختيار تم قبل الآن لكن تأخر الإعلان عنه".


الشخصية المؤثرة

ويتابع منصور "من الخطأ الجسيم أن تتجه عامة الناس نحو تقديس فرد بعينه يمكن أن تهواه وتؤيده وتعتبره مثالاً وله رمزيته، لكن أية شخصية ستتبوأ هذا الموقع ستتحصن بالمؤسسات والتنظيم الذي يقوم عليه، وهو كشخص ماذا يمكن أن يفعل وحده؟".
وحول إذا ما كانت شخصية حسن نصرالله ستطغى على شخصية الأمين العام الجديد وتؤثر في شعبيته، يجيب منصور "من الطبيعي أن تختلف الشخصيات داخل القيادات الحزبية خصوصاً في المرحلة التي مر بها الحزب منذ عام 1982 وحتى اليوم، بدءاً بصبحي الطفيلي وبعده عباس الموسوي ثم حسن نصرالله الذي بقي أطول مدة، لا يمكن أن تجد شخصية طبق الأصل لكن الموضوع عند الحزب ليس متعلقاً بفرد بل ثمة مجلس شورى ومجلس تنفيذي ولا صلاحيات لاتخاذ قرارات فردية، الشخصية تختلف بالأسلوب والتعاطي وبالخطاب السياسي ولا يمكنني أن أدعي أن الأمين العام الحالي هو نسخة طبق الأصل عن سلفه، ولكنه بالأطر التنظيمية سيكون النموذج عينه. لكن أن يكون معشوقاً من الناس والجماهير، لا أعتقد أن أحداً سيتقمص هذه الشخصية خلال الظروف الحالية". والسبب برأي منصور أن "نصرالله عاصر أكثر من جيل إذ بقي لـ32 عاماً أميناً عاماً وكان يتمتع بأسلوبه الذي ميزه، فضلاً عن أن نجله سقط في مواجهة مع الإسرائيليين بعد مدة قصيرة من توليه مهام الأمين العام ما زاده تأييداً، ولم يكن تجاوز الـ37 سنة من عمره". وزاد المتحدث ذاته "حتى إن الشيخ نعيم قاسم عندما تحدث بخطابه الأخير نشعر بأن لديه نوعاً من الولاء الخاص لنصرالله، وهو يريد أن يعطي انطباعاً للآخرين على المستوى النفسي وعلى المستوى العملي أنه سيبقى في هذا الظل وسيبقى سائراً على النهج الذي سار عليه سلفه، وهو أمر مهم، لكن لن يمكنه من أخذ الكاريزما عينها، مع أنه معروف جداً على المستويات الحزبية والإعلامية والسياسية، ومنذ وقت طويل".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


العمامة السوداء في إيران

لدى سؤال الباحثة في التاريخ الفارسي والإيراني الدكتورة دلال عباس عن أهمية العمامة السوداء التي تمثل "السادة" من المشايخ عند الإيرانيين وانعكاسها على "حزب الله" في لبنان، تجيب "في إيران يحبون كثيراً السادة أصحاب العمامات السوداء لأنهم يعتبرون أنهم من أتباع وسلالة أهل البيت (أهل بيت النبي) لكن هناك تقديراً لأصحاب العلوم حتى أن ’الولي الفقيه‘ علي الخامنئي يقدس كثيراً ويقدر الراحل محمد تقي بهجت (1915- 2009) مع أنه ليس من ’السادة‘. الإيرانيون يحبذون ويؤثرون تقدير الإنسان بعلومه وليس بعمامته، خصوصاً إذا ما اقترن العلم الفائض لديه بالعلم المدني والعلم الديني والعرفان، مركزاً على الأمور الروحية أكثر من الأمور العملية". وتضيف "هناك كثر من أصحاب العمامات البيضاء في إيران يحتلون مواقع تقدير في الأوساط الدينية والسياسية. أما تقدير ’السادة‘ لديهم فيعود إلى قديم الزمان، إذ كان أبناء الأئمة الشيعة عندما يفرون من الملاحقة والاضطهاد من العراق في زمن العباسيين والأمويين كانوا يلجأون إلى إيران، وهناك مجموعة من المقامات التي تحمل أسماء أصحابها من أهل البيت الذين يعدون من السادة ولأنهم من نسل الرسول".
وتنتقد الباحثة دلال عباس "كثيرين من أئمة ومشايخ العمامات البيضاء ممن ذهبوا إلى الحوزات العلمية في إيران ولبسوا هناك عمامات سوداء وعادوا واحتفظوا بها على اعتبار أنهم اكتشفوا أنهم من نسل الرسول. 


علاقات موغلة

وعن علاقة الأمين العام السابق حسن نصرالله بالإيرانيين تشير دلال عباس إلى أن "من مبادئ الثورة الإيرانية وهدفها الأساس هو تحرير القدس. نصرالله كان تلميذ عباس الموسوي وهما من الرعيل الذي تخرج من حوزات العراق وتأثر بالثورة الإيرانية. الموسوي كان من تلامذة محمد باقر الصدر (مرجع ديني شيعي ومفكر وفيلسوف إسلامي عراقي) وكانت ثمة علاقة متينة بين العلماء الكبار في النجف (العراق) وإيران، علاقة علمية ونسبية". وتضيف "حبهم لنصرالله لأنه كان خليفة الموسوي ويطبق المبادئ التي نفسها التي سار عليها سلفه".

وعدت المتحدثة ذاتها أن الإيرانيين يحبون نصرالله لأنه كان يطبق المبادئ التي دعا إليها الإمام الخميني (1902- 1989) مؤسس الجمهورية الإسلامية بإيران خلال عام 1979 الذي شهد الإطاحة بالملكية البهلوية ومحمد رضا بهلوي الشاه الأخير في البلاد، وتضيف أن احترام الإيرانيين "لعمامة نصرالله كونه اتبع التيار الذي دعا إليه الإمام الخميني منذ عام 1962".

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات