تتخوف شرطة مكافحة الإرهاب في المملكة المتحدة من أن تكون التهديدات الإرهابية المحتملة ناشطة في الخفاء، نتيجة الأوضاع التي سببتها جائحة "كورونا"، خصوصاً بعد تراجع عدد الأفراد الذين تم الإبلاغ عنهم بقضايا تطرف بمقدار الخمس خلال عام.
ونبه كبار الضباط في الجهاز إلى "الظروف السيئة المتراكمة" التي أسهمت في تعزيز التطرف، حين دفع إغلاق "كوفيد" بالشباب والأشخاص الضعفاء إلى تمضية وقت أطول على الإنترنت، فيما كانت تزداد حملات "بروباغندا مختلف الأطراف" [الدعاية السياسية].
لكن الأرقام التي نشرت هذا الأسبوع أظهرت أن عدد الأفراد الذين تمت إحالتهم إلى برنامج "بريفنت" Prevent لمكافحة التطرف في العام المنتهي في مارس (آذار) الماضي، قد انخفض بنسبة 22 في المئة، وهو أدنى مستوى مسجل خلال خمسة أعوام في البلاد.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتخشى الشرطة أن يكون هذا يعكس تراجعاً في عمليات الإبلاغ عن المتطرفين، بدلاً من أن يكون تراجعاً للتهديدات الإرهابية بحد ذاتها، أو لعدد الأشخاص الذين ينزلقون إلى اعتناق أيديولوجيات الكراهية.
هذه المخاوف تأتي في وقت فوجئت فيه الأجهزة الأمنية بوقوع هجومين إرهابيين في غضون شهر، في كل من إيسيكس وليفربول، ورفع مستوى التهديد الوطني إلى درجة "شديد"، ما يعني أن مزيداً من الهجمات المتطرفة يظل أمراً "محتملاً للغاية".
وتعتقد الشرطة الوطنية لمكافحة الإرهاب أن إقفال المدارس والكليات أبوابها بسبب الجائحة، تسبب في تراجع كبير في التقارير الواردة من المعلمين.
ماثيو ديفيسون وهو أحد كبار ضباط المباحث في شرطة مكافحة الإرهاب في شمال شرقي إنجلترا، أوضح أن "قيود مواجهة "كوفيد" صعبت على الشباب والأشخاص الضعفاء الوصول إلى خدمات الدعم الحكومي، وخفضت بشكل كبير من إمكان التواصل مع أولئك الذين يمكنهم أن يكتشفوا الإشارات المبكرة للتطرف".
وأضاف: "يقضي الشباب الآن فترات أطول على الإنترنت، أكثر من أي وقت مضى، الأمر الذي يجعلهم عرضةً لخطر أكبر من التطرف، على يد تلك الجماعات التي تسعى إلى استغلال حال عدم اليقين القائمة، وجذب أتباع جدد إلى صفوفها".
وأشار ديفيسون إلى أن "ذلك قد حصل بشكل خاص خلال ذروة الجائحة، عندما دفع فقدان الاتصال مع الأصدقاء المقربين والمعلمين والمرشدين، بالأشخاص نحو منصات الإنترنت التي كانت إحدى الوسائل القليلة التي يمكنهم من خلالها التواصل مع الآخرين".
وسجلت في الفترة الممتدة ما بين عام 2020 والسنة الحالية، 4915 إحالة إلى برنامج "بريفنت" لمكافحة التطرف، أي بتراجع نحو 22 في المئة، مقارنةً بنحو 6300 إحالة في العام الذي سبق.
ورجحت وثيقة صادرة عن وزارة الداخلية البريطانية "أن يكون السبب في هذا الانخفاض، هو مفاعيل قيود الصحة العامة التي تم فرضها على امتداد العام، بغية السيطرة على تفشي فيروس "كوفيد-19".
أما الإحالات إلى برنامج "بريفنت" فنحو نصف عددها أشخاص "يعتقدون بأيديولوجية مختلطة أو غير مستقرة أو غير واضحة، ويمكن أن تشمل أفراداً لديهم مزيج من التأثيرات أو أولئك المهووسين بالعنف الذين لا يستهدفون مجموعة معينة بحد ذاتها".
وكان ربع عدد الأشخاص قد أبلغ عنهم بسبب الاشتباه في جنوحهم نحو التطرف اليميني، فيما أبلغ عن قرابة 22 في المئة بسبب مخاوف من ميلهم إلى التطرف الإسلامي. ولم يتخذ أي إجراء إضافي إزاء خمس الإحالات، فيما حولت نصف الإحالات إلى خدمات أخرى كالصحة النفسية والدعم التعليمي.
وتم توجيه نحو 27 في المئة من الأشخاص نحو الإرشاد الأيديولوجي في إطار برامج "تشانيل" Channel (برامج سرية هدفها حماية الأشخاص الذين تم تحديدهم على أنهم عرضة للانجرار إلى الإرهاب).
وتقول القائدة في الشرطة فيكي واشنطن وهي المنسقة الوطنية لبرنامج "بريفنت": "لقد نبهنا قبل فترة طويلة إلى أن "الظروف السيئة المتراكمة" نتيجة عوامل عدة، قد تدفع بمزيد من الشباب إلى الانخراط في المحتوى المتطرف عبر الإنترنت، وربما سلوك طريقهم نحو الإرهاب".
وأوضحت أن "تزايد المواد المتطرفة على شبكة الإنترنت، والظروف الناشئة عن فيروس "كوفيد-19" التي أدت إلى قضاء أشخاص مستضعفين وقتاً أطول في عزلة وعلى الإنترنت، وسط تضاؤل عوامل الحماية من حولهم، كلها جعلتنا دائماً شديدي القلق من أن الأشخاص الذين يحتاجون لمساعدتنا لن يتمكنوا من تلقيها".
وأضافت واشنطن: "يبدو أن هذه التوقعات قد أثبتت أنها صحيحة، ويا للأسف، فقد بلغ معدل اعتقال اليافعين بسبب جرائم إرهاب أعلى مستوى له على الإطلاق، في الوقت الذي انخفض فيه عدد الشباب الذين تمت حمايتهم من التطرف من خلال برنامج "بريفنت"، إلى أدنى مستوياته".
ودعت منسقة البرنامج أهالي هؤلاء وأصدقاءهم وأفراد أسرهم إلى تعلم طريقة اكتشاف ما إذا كان "هؤلاء الصغار يستدرجون ويعدون من قبل المتطرفين" عبر الإنترنت.
وكان نيل باسو الرئيس السابق لـ"شرطة مكافحة الإرهاب في المملكة المتحدة" UK Counter Terrorism Policing قد أشار في ديسمبر (كانون الأول) 2020، إلى أن "وباء (كوفيد) أوجد ظروفاً سيئة لجهة عزل الأفراد، ونمو وسائل الإعلام عبر الإنترنت، وعلى مستوى الاحتياجات النفسية المعقدة للشباب".
باسو الذي ترك مهام وظيفته منذ ذلك الحين، وصف في حديث مع "اندبندنت" الوضع بأنه "مثير للقلق كثيراً".
وأضاف قائلاً: "يحاول المتطرفون العثور على أشخاص ضعفاء ومرنين يسهل إغراؤهم بمثل هذا النوع من الأمور. لقد شهدنا تزايداً في الدعاية من جانب مختلف الأطراف".
واعتبر الضابط رفيع المستوى أن القبض على الإرهابيين وسجنهم "لم يسهم في معالجة" التهديد، موضحاً أن "العلاج يكون من خلال الوصول إليهم قبل أن يتمكن المتشددون من السيطرة عليهم وتوجيههم نحو مسار مختلف في نطاق ما قبل الجريمة".
برنامج "بريفنت" يخضع في الوقت الراهن لمراجعة من المتوقع أن يتم تقديم تقرير عنها بحلول نهاية السنة، بعد أن كانت قد تعرضت لتأخيرات وخلافات تتعلق بتحيز مزعوم.
وكانت الحكومة البريطانية قد أعلنت في يناير (كانون الثاني) عام 2019، عن أنه سيتم تعديل هذا البرنامج، وذلك بعد أعوام من الاتهامات له بأنه يسيء إلى المسلمين، ويخنق حرية التعبير في المدارس والجامعات.
تبقى الإشارة أخيراً إلى أن تساؤلات تطرح حول مدى فاعلية برنامج "بريفنت"، بعد أن تبين أن عدداً من الإرهابيين كانوا قد أحيلوا سابقاً إليه بسبب الاشتباه في تطرفهم، كما تم سجن عدد من المتطرفين في وقت لاحق بتهمة التخطيط لشن هجمات.
© The Independent