تنصت رؤى إلى صوت المطر الذي يطرق نافذة غرفتها، وبشغف، تحرّك دولاب كرسيها المتحرك نحو النافذة، تبتسم لا إرادياً وهي تلعب بالقطرات التي جمعتها، لكن سرعان ما تفيق على ما يعنيه الشتاء لذوي الإعاقة.
"كثير من الألم يحمل الشتاء في طياته"، تقول رؤى الطفلة الفلسطينية (10 سنوات)، والتي باتت من ذوي الإعاقة الحركية بعدما اخترقت رصاصة أطلقت من جندي إسرائيلي عمودها الفقري، وحولتها إلى فتاة تتنقل على كرسي متحرك.
شتاء الإذلال
تحب رؤى وتكره فصل الشتاء في آن واحد، تحبه عند الحديث عن المطر لما فيه من حياة بالنسبة لها، لكنها تكرهه عندما تنظر إلى كرسيها المتحرك، فتتذكر معاناة ذوي الإعاقة، وتقول، "بالعادة نسمي هذا الفصل، شتاء الإذلال، فهو قاس جداً على الأشخاص ذوي الإعاقة"، وتضيف، "المطر يمنعني من الذهاب للمدرسة، فأنا أسكن في منطقة حدودية، والشوارع فيها ترابية، وعند هطول المطر تغرق المنطقة بالكامل لمدة أسبوعين، وهذا يعيق تحركي على الكرسي المتحرك".
ويعيش سكان غزة منذ ثلاثة أيام منخفضاً جوياً قاسياً، تساقطت خلاله أمطار غزيرة أغرقت أحياء سكنية فيه، وأدت إلى ازدحامٍ مروري، كما تعطلت حركة الأشخاص ذوي الإعاقة.
ومدرسة رؤى تبعد عن منزلها نحو كيلومتر واحد، وعادة ما تذهب إليها سيراً بواسطة الكرسي المتحرك وتتنقل فيه عبر شارعٍ ترابي مليء بالحفر، ولا يستطيع والدها استئجار سيارة لتنقل طفلته إلى المدرسة، بخاصة أن ما يجنيه شهرياً بالكاد يكفي لشراء المستلزمات الأساسية لعائلته.
وتوضح رؤى أنه من الصعب السير بواسطة كرسيها المتحرك في شارع ممتلئ بالحفر التي تغطت بمياه الأمطار، حتى وإن كانت برفقة أحد من أهلها.
الشوارع غير موائمة
وبحسب طبيعة شوارع قطاع غزة، فإن غالبيتها رملية غير معبدة، وفي حال هطول المطر، تغرق الطرقات بالمياه لفترة طويلة قد تزيد على أسبوعين، كونها تفتقر لأنظمة لتصريفها، وتنتشر ظاهرة عدم وجود مصارف للمياه العادمة أو الأمطار في شوارع كبيرة وحيوية، في معظم مناطق القطاع.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتشير رؤى إلى أنه بسبب الشوارع الرملية التي تغرق دوماً بمياه الأمطار، تضطر إلى التوقف المؤقت عن مواصلة تعليمها لحين جفاف الطرقات، وتقول، "في العام الماضي، خاطرت وحاولت الذهاب، لكنني سقطت في إحدى الحفر أنا ووالدتي"، وتؤكد رؤى أن كل شوارع منطقتها غير موائمة بشكل يناسب احتياجات ذوي الإعاقة، وهذا يصعب عليها الحركة كثيراً طيلة العام وليس فقط في فصل الشتاء، لافتة إلى أنها طالبت أكثر من مرة بلديات قطاع غزة بضرورة مواءمة الطرقات لتصبح حياة ذوي الإعاقة أسهل.
مطالبات وفق القانون
وفي الواقع، لا تعاني رؤى وحدها من مشكلة سوء حال شوارع غزة، بل يشاركها أيضاً ما يزيد على 130 ألف شخص من ذوي الإعاقة، بحسب بيانات التعداد العام للسكان لعام 2019. وتشكل هذه الفئة ما نسبته 6.8 في المئة من إجمالي سكان القطاع البالغ عددهم نحو مليوني نسمة، لكن منظمة الصحة العالمية تقدر أن 15 في المئة من السكان لديهم إعاقة، ويعيشون ظروفاً صعبة بسبب عدم مواءمة المرافق العامة لحاجاتهم.
ويقول ممثل جمعية المعاقين حركياً مصطفى عبد الوهاب إنهم منذ عام 1994 يطالبون بمواءمة شوارع القطاع، وأماكنه العامة، لتصبح مناسبة للأشخاص ذوي الإعاقة، ولكن لا يجدون أي اهتمام من الجهات الحكومية، على الرغم من أن هذا الإجراء حق مكفول وفق القانون الفلسطيني وأصدر لوائح لتنفيذه، ولم يبق إلا تطبيقه.
وينص قانون حقوق المعوقين لعام 1999، على أن المواءمة إلزامية لجميع هيئات الدولة الفلسطينية، بهدف تحقيق بيئة مناسبة للمعوقين تضمن لهم سهولة واستقلالية الحركة والتنقل، والاستعمال الآمن للأماكن العامة بما فيها الطرقات الفرعية.
البلديات نحاول المواءمة
وسط هذه الأجواء، أوضح رئيس بلدية خان يونس علاء البطة أنهم أجروا، ضمن مسؤوليتهم المجتمعية، مواءمة شوارع عدة في القطاع خدمة لاحتياجات ذوي الإعاقة، الذين كانوا يعانون من ارتفاع منسوب المياه خلال موسم مياه الأمطار، مشيراً إلى أن العام الحالي، سيشهد تدخلات كثيرة من البلدية من أجل مواءمة أكبر عدد ممكن من الشوارع للمصابين وذوي الإعاقة وكبار السن لخدمة السكان في ظل الظروف الراهنة.
وتحمل بلديات قطاع غزة إسرائيل جزءاً من المسؤولية عن تدمير الطرقات وجعلها غير موائمة للأشخاص ذوي الإعاقة، ويقول رئيس اتحاد بلديات قطاع غزة يحيى السراج إن صواريخ الطائرات المقاتلة استهدفت الشوارع وتركت حفراً تحت الأرض بعمق يتراوح من خمسة إلى 10 أمتار، ودمرت خطوط الصرف الصحي وأنابيب نقل المياه ومناطق تجميع الأمطار، ويضيف أن الدمار الذي لحق بالبنية التحتية يقع وسط مناطق مأهولة بالسكان، وباتت هذه المناطق فارغة من أي تربة تحمل الأرض المشيّدة عليها المباني والعمارات السكنية، لافتاً إلى أن هذا ينذر بانهيارات أرضية قد تطال 80 نقطة مأهولة بالسكان وبينهم أشخاص ذوو إعاقة.