بعد لقاء هو الأول لزعيم أجنبي مع الإمبراطور الياباني، ناروهيتو، بدأ الرئيس الأميركي دونالد ترمب محادثات مع رئيس الوزراء شينزو آبي تتعلق بالشق الأصعب من زيارة الدولة التي يقوم بها لليابان، وهو ملف التجارة. وبدا سيّد البيت الأبيض متفائلاً في سعيه إلى التفاوض على صفقة تجارية جديدة مع طوكيو تخفّض العجز التجاري بينهما، البالغ 68 مليار دولار، بعدما تجاهل نداءات يابانية متكررة إلى إزالة زيادات جمركية فرضها على الصلب والألومنيوم، على الرغم من أنه قام بتأخير تعريفات على السيارات الجديدة لمدة 6 أشهر ريثما يتم التوصل إلى اتّفاق مع طوكيو في يوليو (تموز) أو أغسطس (آب) 2019. وفي وقت تتدهور فيه العلاقات الأميركية الصينية بسبب الحرب التجارية، يأمل رئيس الوزراء الياباني في "تمتين" الروابط مع واشنطن مراهناً على صداقته الشخصية الوثيقة مع ترمب.
تسريع المحادثات
وتشكل المحادثات التجارية مع الولايات المتحدة إرباكاً بالنسبة إلى طوكيو، لأن اليابانيين راضون عموماً عن الوضع الراهن، وليست لديهم مطالب يريدون لتحقيقها الحصول على تنازلات من واشنطن. ولعل هذا ما جعل مناقشات وزير الاقتصاد الياباني توشيميتسو موتيغي مع الممثل التجاري الأميركي روبرت لايتيزر في مارس (آذار) الماضي تنتج ما بدا أنه تفاهم متبادل على العمل معاً للتوصل إلى اتفاق سريع. وقد يكون هذا التصرف، بحسب خبراء اقتصاديين أميركيين "خطوة ذكية من طوكيو، التي تدرك أن السرعة في هذه الحالة تعمل لمصلحة اليابان"، وكان النمط السابق المألوف عن اليابانيين أنهم يخوضون مفاوضات طويلة الأمد على نزاعات تجارية، ولا سيما في مرحلة السبعينيات والثمانينيات، عندما كان اقتصادهم "عملاق تصدير" في مقابل فرض حواجز على الواردات إليهم. في ذلك الوقت، كانت "تويوتا" و"باناسونيك" و"سوني" علامات تجارية قوية في الولايات المتحدة، في حين أن طوكيو كانت تقاوم الصادرات الأميركية وتؤخر دخولها إليها حمايةً لكتل الإنتاج لديها، ولا سيما منها المصنّعون والمزارعون.
العجز التجاري
ويرى الرئيس الأميركي أن بلدان الفائض التجاري كاليابان تستفيد بطريقة أو بأخرى من بلدان العجز التجاري. وكان ممثله في المحادثات التجارية قد أعلن أن "العجز التجاري بين واشنطن واليابان قد ارتفع في العام 2018 بنسبة كبيرة لمصلحة طوكيو (67.6 مليار دولار من البضائع)". وما عزز القلق الأميركي زيادة هذا العجز بنسبة 9.8% في مارس (آذار)، وفقا لأرقام وزارة التجارة اليابانية. وما يريده الأميركيون هو إرساء "ساحة لعب متكافئة"، بدأت ملامحها بفرض تعريفة جمركية قيمتها 25% على جميع واردات الشاحنات من اليابان، ما أراح المصنعين الأميركيين في ديترويت الذي يواجهون منافسة قوية من المنتجات اليابانية، في وقت حاولت طوكيو، بلا جدوى، التأكيد أن تعريفتها على السيارات والشاحنات هي صفر في المئة.
براغماتية يابانية
ويميل المسؤولون اليابانيون إلى أن يكونوا أكثر "براغماتية"، لأنهم يرون أن هذه هي الوسيلة الأفضل لتحاشي نزاع تجاري في هذه المرحلة. فهم يعلمون أن الإدارة الأميركية تخوض في الخارج حرباً ضارية مع الصين، ويعلمون كذلك، أنها تتعرض لضغوط متزايدة في الداخل ولا سيما من المزارعين الأميركيين. وقد استيقظ اليابانيون على حقيقة أن سوقهم العالمية للأغذية الكبيرة وغالية الثمن، تنزلق من يدهم إلى منافسيهم. فأستراليا ونيوزيلندا وكندا يمكنها الآن الاستفادة من التعريفات الزراعية المنخفضة التي بدأت تطبق وفق اتفاقية التجارة الحرة الآسيوية المعروفة باسم "الاتفاقية الشاملة والمتقدمة للشراكة عبر المحيط الهادئ"، هذه الصفقة تشمل 11 دولة (أستراليا ونيوزيلاندا واليابان وماليزيا وسنغافورة وفيتنام وبروناي وكندا والمكسيك وتشيلي والبيرو)، وتتناول قضايا التجارة والعمل والملكية الفكرية ودور الشركات المملوكة من الحكومات. وكان المقصود من هذه الاتفاقية، المعروفة أصلاً باسم "شراكة عبر المحيط الهادىء TPP"، إضافة الولايات المتحدة إليها، لكن ترمب انسحب منها فور توليه منصبه مشترطاً تعديلها لمصلحة بلاده.
صفقة ثنائية سريعة
وبالنظر إلى الموقف المبدئي للرئيس الأميركي، من غير المرجح أن يتراجع عما يكرره من أنه يفضل الصفقات التجارية الثنائية. ففي إحدى تغريداته على تويتر قال إن "لواشنطن اتفاقات ثنائية مع 6 دول من الدول الإحدى عشرة في اتفاقية TPP-11، ونعمل على عقد صفقة مع أكبر تلك الدول، اليابان، التي أضرت بنا بشدة تجارياً على مدى أعوام". وتحتاج واشنطن إلى صفقة سريعة، لكن المشكلة أن الاتفاقات التجارية معقدة للغاية وغالباً ما تستغرق سنوات من العمل التفصيلي. وقد بدأت المحادثات في شأن اتفاقية TPP في العام 2008، لتنتهي بعد 10 أعوام بوثيقة من 5600 صفحة شملت تعريفات لكل نوع من أنواع المنتجات، حتى فيما يتعلق بتجارة البيع بالتجزئة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
جوائز يابانية لترمب
وقياساً على ذلك، لا يمكن للجانبين البدء من النقطة الصفر، وهناك حاجة إلى حل جاهز. ويرى الجانب الياباني أن اتفاقية TPP تصلح في هذا الإطار لتكون نواة الصفقة الجديدة، بحيث يمكن للولايات المتحدة فقط الحصول على جميع فوائد مستويات الاتفاقية، وسيكون ذلك عرضا مغرياً للمصالح الزراعية الأميركية مثلا. لكن ترمب برهن على أنه يحتاج دائماً إلى "جوائز كبيرة". وقد تدفع صناعة السيارات اليابانية ثمن جائزته هذه المرة. فاليابان تُعد مستثمرا رئيسياً في الولايات المتحدة، ولا سيما في الولايات التي يفضلها ترمب. وتظهر بيانات وزارة التجارة الأميركية أن جديد الاستثمارات اليابانية في أميركا بلغ 43.9 مليار دولار في العام 2017، وتأتي في المرتبة الثانية بعد كندا. ويُقدر الاستثمار التراكمي بنحو 477 مليار دولار في العام 2017، مع طرح أكثر من 860 ألف فرصة عمل في العام 2016.
ويتمثل الهدف الأكبر بالنسبة إلى اليابان في تجنب الألم، فالخطر الأكثر إلحاحاً هو فرض إدارة ترمب تعريفة إضافية على قطاع السيارات الياباني الرئيسي. وتروّج الحكومة اليابانية للأرقام أعلاه في هذا الصدد، وتتحدث مصانعها الجديدة عن سعيها إلى التكيف مع المتطلبات العصرية للسوق التي تحتاج مثلاً سيارات من دون سائق. ولتقديم مزيد من الإغراءات يتوقع مطلعون أن تطرح طوكيو زيادة إنفاقها الدفاعي مع واشنطن، أو أن تحوّل وجهة مشترياتها من الغاز الطبيعي المسال إلى الولايات المتحدة.