إزالة العوائق من أمام معاودة الحكومة اللبنانية اجتماعاتها تفرضها المواضيع المهمة التي تحتاج إلى قرارات من مجلس الوزراء، المعطل منذ 12 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي وهي لا تحصى، وباتت أكثر من 150 بنداً، كما أعلن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي قبل 10 أيام.
ويجري التداول في مخارج منذ زهاء سبعة أسابيع من أجل تفكيك العقد من أمام معاودة اجتماعات مجلس الوزراء، في وقت تصاعدت الاتهامات ضد "حزب الله" بمصادرة القرار اللبناني جراء اشتراطه وحليفه رئيس البرلمان نبيه بري إزاحة المحقق العدلي في جريمة انفجار مرفأ بيروت طارق بيطار الذي يتهمه الحزب بالانحياز والاستنسابية وتسييس التحقيق.
الضغوط لأجل وقف التعطيل قد تنتج حلاً وسطاً يقوم على مقايضات بين الفرقاء تحقق لهم بعض مطالبهم، وتفضي إلى انعقاد مجلس الوزراء، "فلا يموت الذئب ولا يفنى الغنم" كما يقول المثل الشعبي.
ميقاتي سلّف الثنائي الشيعي ولكن...
وسلّف ميقاتي الثنائي الشيعي (حزب الله وحركة أمل) امتناعه عن دعوة مجلس الوزراء إلى الانعقاد لخشيته تصعيد الخلاف معه، خصوصاً أن بري على توافق تام مع الحزب في شأن شرط "تصحيح المسار القضائي" للتحقيق في انفجار المرفأ، فانعقاد أي جلسة لمجلس الوزراء من دون الوزراء الشيعة الخمسة، يمسّ بالعرف اللبناني التقليدي، الذي يقول إنه في حال امتنع جميع ممثلي طائفة معينة في الحكومة أو في البرلمان عن حضور اجتماعاتهما، تسقط "ميثاقية" القرارات التي تتخذ في ظل غياب مكوّن من المكوّنات الطائفية التي تستند إلى "الميثاق" اللبناني الذي ينص على تمثيل الطوائف كافة، ونشأ هذا العرف من اجتهاد في تفسير الفقرة "ي" من الدستور التي تنص على أن "لا شرعية لأي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك".
إلا أن ميقاتي حين أعلن أن "الحكومة ماشية لكن مجلس الوزراء مش ماشي"، بعد اجتماعه إلى رئيس الجمهورية ميشال عون في الأول من ديسمبر (كانون الأول)، فإنه جدد الإعلان أنه يتريث في الدعوة إلى عقد جلسة لمجلس الوزراء "على أمل أن يقتنع الجميع بإبعاده عن كل ما لا شأن له به، وأن القضاء مستقل، من دون أي تدخل سياسي".
وجاء كلامه خلال إطلاق منصة إلكترونية لتسجيل اللبنانيين المحتاجين للمساعدة المالية ومن أجل حصولهم على البطاقة التمويلية، واعتبر أنها "تظهر حجم الكارثة التي نحن فيها ووجوب الإقلاع عن سياسة التعطيل وفرض الشروط"، وأظهر ميقاتي بتلك العبارة أنه لم يعد يحتمل شلّ مجلس الوزراء، على الرغم من مراعاته الحساسية المذهبية والطائفية بعدم دعوته للانعقاد، لأكثر من ستة أسابيع حتى لا يتخذ قراراً يضطره لكسر الجرة مع الثنائي الشيعي، في وقت كان خصوم "حزب الله" يطالبونه بالدعوة لجلسة "وليحضر من يحضر" من دون أن يتجاوب تفادياً لإثارة الحساسية المذهبية والطائفية. وقالت مصادر مقربة منه إنه مهّد بموقفه الأخير عن التعطيل لإمكان خوض تلك المواجهة وأجرى خلال أربعة أيام اتصالات واسعة ملوحاً بنيته الانتقال إلى خطوات تحمّل المعطلين مسؤولية التدهور المعيشي في البلد.
الحاجة إلى معالجة الأزمة المعيشية
مبررات ميقاتي كانت أن تمويل البطاقة التمويلية الضرورية للعائلات الفقيرة لا سيما بعد رفع الدعم عن المحروقات، وعدد كبير من الأدوية للأمراض المزمنة، يحتاج إلى قرارات من مجلس الوزراء، والمصادقة على اتفاقيتين لاستجرار الغاز المصري عبر سوريا إلى لبنان وكذلك استجرار الطاقة الكهربائية من الأردن، إضافة إلى القرارات المطلوبة لجهة تخصيص الاعتمادات اللازمة لمصاريف إجراء الانتخابات النيابية في الربيع المقبل، وتشكيل هيئة الإشراف على الانتخابات، وتأخيرها قد يؤدي إلى الطعن بالانتخابات المنتظرة نظراً إلى ارتباطها بمهل محددة، ويخلق ذرائع للفرقاء الذين من مصلحتهم تأجيلها أو تطيير هذا الاستحقاق.
فشل المخارج لمعاودة اجتماعات الحكومة
وجرت محاولات عدة في الأسابيع الماضية من أجل التوافق على مخارج تتيح العودة إلى التئام مجلس الوزراء، كاد بعضها ينجح، لكن تم إحباطه أكثر من مرة على الرغم من التوافق عليه بين الفرقاء الرئيسيين.
أهم المحاولات كان مبادرة البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي في 26 أكتوبر الماضي، حين التقى الرؤساء عون وبري وميقاتي، وتبنى مخرجاً كان اقترحه بري كحل وسط يقضي بالفصل بين التحقيقات التي يجريها القاضي بيطار مع سائر الذين يلاحقهم، عن التحقيقات مع الوزراء والنواب الذين استدعاهم للتحقيق، عبر تشكيل لجنة تحقيق برلمانية تتولى مساءلة هؤلاء، وتحيل من تجدهم متهمين إلى المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء والنواب الذي يتشكل من نواب وقضاة، وفق المادتين 70 و71 من الدستور.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
حين وافق الراعي على مخرج بري، باعتباره "حلاً دستورياً وقانونياً"، وأعلنه من القصر الرئاسي بعد موافقة عون عليه، متوقعاً أن يبدأ تنفيذه في اليوم التالي، أبدى رئيس البرلمان سروره بأن المخرج الذي اقترحه على إثر حوادث "الطيونة" الدموية (في 14 أكتوبر)، التي سقط فيها سبعة قتلى من مناصري الثنائي الشيعي أخذ طريقه إلى التنفيذ. ويقول أكثر من مصدر سياسي إنه سرعان ما جرى إحباط موافقة عون على هذا المخرج واتهمت أوساط بري وبعض القوى السياسية رئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل بعودة عون عن تلك الموافقة، فالمخرج كان يقضي بأن يصدر بصيغة قانونية عن مجلس القضاء الأعلى برئاسة القاضي سهيل عبود.
بين "نهاية" باسيل و"نهاية" الحزب
وقال مصدر سياسي واكب المداولات حول هذا المخرج إن باسيل وجد أن إبعاد القاضي بيطار عن مساءلة الوزراء الذين يلاحقهم بتهمة الإهمال في التعاطي مع انفجار كمية "نيترات الأمونيوم" المخزنة في المرفأ، سيقضي على ما تبقى له من رصيد في الوسط المسيحي على أبواب الانتخابات النيابية المفترض أن تجرى الربيع المقبل، خصوصاً أن منافسيه وتحديداً حزب "القوات اللبنانية" له بالمرصاد لاتهامه بأنه يفرّط بالتحقيق في انفجار المرفأ. فالمخرج المقترح صحيح أنه لا يعني إزاحة بيطار عن التحقيق لكن حرمانه من ملاحقة الوزراء والنواب بحجة أنها من اختصاص المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، يقلّص قدرته على مواصلة التحقيق بطريقة قد تضع "حزب الله" في دائرة الشبهة، وهو ما يخشى منه الحزب نتيجة معطيات لديه بأن بيطار ينوي اتهامه بالتورط في انفجار المرفأ، على الرغم من نفي مصادر رسمية أن يكون لدى المحقق العدلي قرائن ضد الحزب. ورأى المصدر السياسي أن باسيل الذي يخوض معارك سياسية وإعلامية مع بري لا يريد إعطاء رئيس البرلمان رصيد التوصل إلى حل للمعضلة القضائية، ما يشكل انتصاراً سياسياً للأخير.
وأدى موقف باسيل إلى خلاف ضمني بينه وبين الحليف "حزب الله"، ونُقل عن أوساط قيادية في الحزب قولها إنه إذا كان باسيل يعتبر أن هذا الحل ينهيه مسيحياً فهل المطلوب منا أن نوافق نحن على أن ينهينا نحن، عبر إتاحة المجال للقاضي بيطار أن يتهمنا بالتورط في كارثة المرفأ؟ فأوساط الحزب تردد بأنه ليس مستعداً لتكرار تجربة اتهامه باغتيال رفيق الحريري، في قضية المرفأ.
المخرج نفسه فشل ثانية بعد أن اجتمع الرؤساء الثلاثة عون، بري وميقاتي على إثر فعاليات عيد الاستقلال في 22 نوفمبر (تشرن الثاني)، بناء لمسعى من ميقاتي مع بري، في ذلك الاجتماع الذي دعا خلاله ميقاتي إلى إنهاء تعطيل مجلس الوزراء ووافقه عون، أصرّ بري على المخرج نفسه الذي كان اقترحه للمشكلة القضائية، وسأل عون: أنا اقترحت الحل ووافقت عليه حين زارك البطريرك الراعي، هل ما زلت عند هذه الموافقة؟ فرد عون بالإيجاب، وقال له بري: إذاً فليطلب (المستشار في الرئاسة الوزير السابق) سليم جريصاتي من القاضي بيطار أن يأخذ بهذا الحل، كان ذلك تلميحاً مرة أخرى من بري بأن جريصاتي ينسق مع بيطار ويساهم في توجيه التحقيق. فالثنائي الشيعي لديه شكوك بأنه ينسق مع بيطار على الرغم من سمعة الأخير بأنه مستقل في عمله ولا يأخذ بتوجيهات أحد.
تقليص صلاحيات بيطار عن طريق البرلمان؟
إلا أن المصدر السياسي أكد أن باسيل عاد فتدخل لدى عون حتى لا يواصل التزامه بمخرج بري، وفي كل الأحوال، حسمت محكمة التمييز الموقف السلبي من أن يؤخذ بمخرج تقليص صلاحيات بيطار عن طريق القضاء في اجتماع للهيئة العامة لمحكمة التمييز العليا برئاسة رئيس مجلس القضاء سهيل عبود، التي أصدرت قراراً بحصر أي طلبات قدمها الوزراء الملاحقون من قبل بيطار لكفّ يد الأخير عن التحقيق، بإحدى غرف محكمة التمييز، ورفضت الهيئة العامة للمحكمة طلباً تقدم به وكلاء رئيس الحكومة السابق حسان دياب الذي طلب المحقق الاستماع إلى أقواله كمدعى عليه، بكفّ يد بيطار.
لم يبق أمام المخرج الذي اقترحه بري سوى أن يصدر بقرار عن البرلمان بدل القضاء، ولذلك دعا بري إلى جلسة نيابية عامة في السابع من ديسمبر، يتردد أن باسيل وافق على حضورها من قبل تكتله النيابي من أجل ضمان تأمين نصاب الجلسة لكن من دون تصويت النواب أعضاء "التيار الوطني الحر" في كتلته لمصلحة قرار كهذا، والاكتفاء بتصويت النواب الحلفاء في التكتل مثل النائب طلال أرسلان والنائب العلوي عن عكار مصطفى حسين، مع إضافة نائب أو نائبين ليسوا منتمين إلى "التيار الحر" وهم حلفاء، إلا أن بري رفض ذلك معتبراً أن النواب غير المنتمين للتيار سبق أن أبلغوه موافقتهم على المخرج الذي يقترحه.
المعطيات تفيد بأن باسيل طلب مقابل التصويت لمصلحة المخرج الذي صاغه رئيس البرلمان، أن يحصل على مقابل له في قانون الانتخاب يقضي بقبول الأكثرية النيابية بمطلبه إعادة تصويت المقترعين المغتربين لستة نواب يتوزعون على قارات الاغتراب، كان البرلمان ألغى المادة التي تنص عليه في انتخابات الربيع المقبل. فـ "التيار الحر" يعتقد أن هذا البند لمصلحته في عملية اقتراع المغتربين، وهذا مكسب له (قدم طعناً أمام المجلس الدستوري بقرار إلغائه)، وتردد أيضاً أن عون وباسيل طالبا بموافقة وزراء بري في الحكومة على توقيع مرسوم ترقية ضباط معظمهم من الموالين للفريق الرئاسي في دورة المدرسة الحربية لعام 1994، كان وزراء المال المتعاقبون الموالون لبري جمدوا إصداره، مقابل التصويت في البرلمان على مخرج بري في شأن فصل التحقيقات في شأن المرفأ عن صلاحيات القاضي بيطار، وإذا لم يضمن رئيس البرلمان تصويت نواب "التيار الحر" إلى جانبه لن يطرحه على الجلسة النيابية المقبلة.
وفي وقت أمل المتفائلون بصدور مخرج بري عن البرلمان، ذكرت أوساط الأخير أنه لم يقبل بالمقايضات التي طرحها الفريق الرئاسي، ووصفت أوساط نيابية مستقلة عن الفريقين هذه المقايضات بأنها مساومات "صغيرة" على قضية كبرى.
لكن "حزب الله" ما زال يسعى لحصول تنازلات متبادلة بين حليفيه، فهل يجري التصويت على هذا المخرج كي تعود الحكومة إلى الاجتماع؟