يسود الغموض ما ستكون عليه الحكومة العراقية الجديدة التي تترجح خياراتها بين الغالبية السياسية والتوافقية، وعلى الرغم من أن ملامح حكومة الغالبية السياسية، التي يطمح إليها زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر شبه معدومة، بسبب معارضة معظم الكتل السياسية لها، فإن الحكومة التوافقية هي الأقرب إلى الواقع السياسي الحالي الذي يعاني أزمات سياسية منذ إجراء الانتخابات المبكرة في 10 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
تحالفات جديدة ومباحثات جادة
وفي الخطوات الأولى المعلنة نحو تشكيل الحكومة، أعلن القيادي في تحالف "عزم" أحمد الجبوري تشكيل تحالف جديد يضم 34 نائباً، وأكد أن التحالف الجديد يدعم الحكومة التوافقية، وقال إن "التحالف الجديد الذي نعلن عنه سيكون باسم تحالف العزم بدلاً من عزم ويضم 34 نائباً والعدد قابل للزيادة"، وتابع أن "التحالف يدعم تشكيل حكومة توافقية لأن هذا مطلب غالبية الشعب العراقي".
في المقابل، اتفق زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، خلال اتصال هاتفي مع رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود برزاني على تفعيل الحوار بشأن التحالفات المقبلة لتشكيل الحكومة الجديدة، وأفاد المكتب الإعلامي الخاص بزعيم التيار الصدري بأنه "تلقّى اتصالاً هاتفياً مهماً من مسعود برزاني تناولا خلاله ضرورة التواصل من أجل مصالح العراق والشعب، واتفقا على تفعيل الحوار الجاد في ما يخص التحالفات المقبلة بما يضمن مصالح البلد والشعب الذي ينتظر المصادقة على نتائج الانتخابات ليستعيد هيبته وكرامته وتوفير العيش الرغيد".
جدلية تشكيل الحكومة المقبلة
إلا أن الباحث السياسي نبيل جبار العلي رأى أن جدلية تشكيل الحكومة المقبلة بين كونها حكومة (غالبية وطنية) كما يرغب بها التيار الصدري الفائز بأعلى المقاعد النيابية، أو حكومة توافقية، وهو ما تدعو إليه قوى الإطار التنسيقي الشيعي (مجموعة من الأحزاب الشيعية المتحالفة)، وقال إن "أبعاد هذين المطلبين تعود إلى مجموعة من الأسباب، فالصدر قد يكون إصراره على مطلب حكومة الغالبية الوطنية مرتبطاً اولاً بالتزامه ببرنامجه الانتخابي حول تشكيل حكومة الغالبية الوطنية، وعدم تكرار أخطاء الماضي وتجارب حكومات الشراكة أو التوافق التي أضعفت الأداء الحكومي، وقد يكون السبب الثاني رغبة منه باستثمار فوزه الانتخابي وإضعاف خصومه من خلال إبعادهم عن تولّي المناصب الحكومية والتنفيذية".
أضاف الباحث السياسي، "تأتي رؤية قوى الإطار التنسيقي بدعوتها إلى تشكيل حكومة التوافق العودة لبناء توازنات سياسية قد تكون بنظرها ضرورية لإعادة الاستقرار للنظام السياسي وأحزابه التي اهتزت أخيراً" بعد أحداث أكتوبر 2019، ولضمان تشكيل حكومة لا تتعرض لمضايقات ومساءلة من قبل أطراف سياسية لها وزن نيابي وشعبي في جبهة المعارضة، فضلاً عن مخاوفها بالدرجة الأولى من أن تكون في جبهة المعارضة السياسية لتتم "قصقصة" أجنحتها ونفوذها السياسي والتنفيذي من خلال سياسات حكومية كما حدث في تجربة حكومة مصطفى الكاظمي الأخيرة التي تعتبرها، اليوم، من وجهة نظرها، "مجنّدة لإنهاء وجودها السياسي".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأكد الباحث السياسي نبيل جبار العلي أنه "على الرغم من هذا كله، فإن تجربة حكومة الغالبية الوطنية ليست بالتجربة الجديدة، فما أفرزته انتخابات 2018 دفع الكتل السياسية إلى إجراء تحالفين واسعين (تحالف البناء وتحالف الإصلاح) ضم كل منهما أطرافاً شيعية وسنية وكردية، ولولا الخلاف على مَن من التحالفين يشكل الكتلة الأكبر (لأسباب تتعلق بانتقال النواب وأحزاب بين التحالفات) لكان من المؤمل أن ينتج الحراك السياسي تشكيل حكومة غالبية وطنية شبه مثالية تتسق مع مخرجات الانتخابات وأحزابها".
وتابع، "على الرغم من ذلك، تشكلت حكومة بتوافقات غير تامة، تشبه الدعوات اليوم إلى تشكيل حكومة مشابهة تقريباً تحت مسمّى ’الغالبية الوطنية‘، ضمت أطرافاً شيعية وسنية وكردية، واستبعدت أطرافاً أخرى كائتلاف "الوطنية" بقيادة إياد علاوي وائتلاف "النصر" بقيادة حيدر العبادي، كذلك استُبعد تيار "الحكمة" بزعامة عمار الحكيم، وائتلاف "دولة القانون" بقيادة نوري المالكي وأطراف سياسية سنية وكردية لم تكُن لها مشاركة في عملية تشكيل حكومة عادل عبد المهدي، كذلك الحال في تشكيل حكومة الكاظمي، فلم تكن الأطراف السياسية كافة قد تشاركت في تشكيلها، واستُبعدت بعض الأطراف وتم تحييد بعضها تدريجاً، لذلك لا يمكن القول إن حكومة الغالبية المزعومة قادرة على تحقيق متطلبات وآمال الشعب العراقي، لكنها من الناحية العملية، لكونها تمثل حكومة توافق وشراكة جزئية بدلاً من أن تكون حكومة توافق تام وشراكة تامة، تمنح الجميع مشاركة في المناصب الحكومية".
حكومة توافقية بشروط الغالبية
في الأثناء، أكد الباحث السياسي علي البيدر، "حتى الآن، لم يتم حسم القضية، تحقيق الغالبية صعبة وفق الثقافة السياسية التي اعتادت على التوافقية التي تخشى وجود معارضة لها"، مبيّناً أن "الجميع يريد الحصول على مغانم السلطة لا الوجود في خانة المعارضة"، وأضاف، "لا أحد يفكر في المصلحة العامة من أجل العراق ويقدم تنازلات لذلك، كذلك، من الممكن أن نشهد حكومة توافقية بشروط الغالبية وهذا خيار وسط لتجاوز الأزمة".