قد يتساءل كثيرون عن سبب تسمية النحات والرسام عبدالكريم الوزاني (مواليد 1954 تطوان) لمعرضه الجديد في طنجة "طبيعتي" المسندة إلى ضمير المفرد بدل "طبيعتنا" الدال على الجماعة، والراجح أن الفنان المغربي هرب من الشعاراتية إلى الذاتية، وهذا الهرب مرتبط بنظرته الفردية إلى الطبيعة الراهنة من جهة، وإلى وظيفة الفن من جهة أخرى، فالوزاني من نوع الفنانين والمثقفين الذين يفضلون نقل المشاعر بدل الرسائل.
يشي معرض الوزاني الذي انطلق في رواق كينت في طنجة ويستمر إلى 17 فبراير (شباط)، بأننا أمام تجربة فريدة في النحت المغربي، تسندها أربعة عقود ونيف من الخبرة الفنية والتجريب في حقل تتغير معالمه باستمرار، إذ ليس هناك ما يستقر في الفن، ومهمة الفنان هي التجديد الدائم عبر اجتراح أفكار مغايرة وتنزيلها على المادة.
عودة الوزاني للطبيعة ليست بالضرورة عودة لمنتصف القرن الـ 19 ومدرسة الباربيزون Barbizon التي خرجت منها مجموعة من الرسامين الشباب الفرنسيين إلى الطبيعة، من أجل الاحتفاء بها في لوحاتهم، نكاية بهيمنة الحياة المادية واكتساح التقنية والمكننة تزامناً مع عصر الثورة الصناعية، فتجربة الوزاني مختلفة إن على مستوى التصور وإن على مستوى الإنجاز، ذلك أن المنحوتات التي يقترحها في معرضه الجديد تنتمي إلى الطبيعة لكنها مصنوعة من المعدن.
إننا أمام "طبيعة حديدية" لا تشبه طبيعة الواقعيين والرومانطيقيين، إنها على ما يبدو لا تشبه طبيعة أحد.
كائنات تسبح في السوريالية
تبدو السوريالية مدخلاً لقراءة أعمال الفنان المغربي، إذ تفقد مخلوقاته شكلها المعتاد وتتغير بالتالي الأحجام ومعايير القياس الفيزيولوجية. حيوانات الوزاني وطيوره لها عجلات بدل القوائم، وأحياناً يتخذ الرأس شكل بندقية ويظهر الحاجبان على هيئة هوائي، وفي إحدى لوحاته تختفي شجرة داخل قارورة. ربما هذا ما جعل الناقد الفرنسي المقيم في طنجة فيليب غيغه بولوني Philippe Guiguet Bologne يستعين بأشعار بول إيلوار السوريالية لقراءة لوحات ومنحوتات الوزاني، فهو يرى أن الملمح الجمالي لدى الفنان المغربي مستمد من نظرة سريالية إلى تفاصيل الحياة اليومية، ويمكن تعقب الخطوط والدوائر التي تتشكل منها كائنات الوزاني لاستقراء هذه الرؤية.
تبدو الخطوط حرة غير مقيدة بشكل هندسي يعتمد نظام التعامد، وثمة في الغالب دوائر مكتملة وأخرى غير مكتملة، ومنحنيات وخطوط منفصلة بعضاً عن بعض، وهذه الأشكال الهندسية تنسجم مع الأبعاد السوريالية لطبيعة الوزاني. الطائر الرمادي ذو الرأس الدائري والذي يملك جناحاً أصغر من رأسه يبدو حزيناً في وقفته، على عكس السمكة التي تتشكل من أربعة ألوان وقد ارتسمت على وجهها ابتسامة.
وإذا كان طائر الوزاني يربط نظره بالأرض، فإن السمكة السعيدة هي التي تطير بالمقابل.
الزرافة على ظهرها سنام مقلوب، ولها ضرع غريب يفوق حجمه، وهو الضرع نفسه تقريباً الذي يوجد لدى دراجة هوائية بأربع عجلات. وفي إحدى اللوحات يبدو الطائر أقرب في شكله إلى ورقة من شجرة قيقب، أما الصبار فيتشكل من الأزهار بدل الأشواك.
تبدو غريبة حيوانات الوزاني وطيوره ونباتاته وأشجاره، سواء المنحوتة أم المرسومة على الأكريليك. إنها خارجة عن طبيعتنا، فهل كان يريد أن ينبهنا إلى أن الطبيعة قد تغيرت؟ أو أن نظرتنا نحن إلى الطبيعة هي التي طاولها التغيير؟
منحوتات تشبه لعب الأطفال
قد يستعيد زائر معرض "طبيعتي" في رواق كينت عنوان كتاب الشاعر عبداللطيف اللعبي، "أزهرت شجرة الحديد"، وهو يتأمل منحوتات أو لوحات عبدالكريم الوزاني، فطبيعته على الرغم من أنها تتشكل من الحديد والنحاس، غير أنها في معظم عناصرها طبيعة مبهجة، تدل على ذلك الإضاءة القوية وكثرة الألوان، خصوصاً تلك الألوان التي تملأ العين: الأزرق والأحمر والأخضر والأصفر.
تشبه المنحوتات بأشكالها الغريبة وألوانها المفتوحة لعب الأطفال، فثمة مسحة طفولية تغطي أعمال الوزاني، كما لو أن هذه الكائنات الغريبة عن حاضرنا توجه لنا نداء من أجل العودة لطفولتنا وطفولة الطبيعة أيضاً. أليست "العبقرية هي الطفولة المستعادة قصداً" كما قال شارل بودلير؟
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
يستمد الوزاني من الأطفال حريتهم وإمكان ممارستهم لما يرغبون فيه من دون التفكير في أية رقابة. هذه الحرية يحس بها المتلقي وهو يتأمل أعمال الفنان المغربي، فهو يمارس اللعب الفني بحرية طفل في اختياره للأشكال والألوان.
يحظى عبدالكريم الوزاني بتقدير كبير داخل المغرب وخارجه، فهو شارك في تظاهرات فنية عدة في العالم العربي وأوروبا وأميركا وآسيا، وقد تم توشيحه بوسام الجمهورية الفرنسية من درجة فارس في الفنون والآداب سنة 1999، ووسام المملكة البلجيكية من درجة فارس سنة 2004، والوسام الملكي الإسباني من درجة فارس سنة 2007. وفي عام 2014 قلده ملك المغرب وسام الاستحقاق من الدرجة نفسها.