دعت الجزائر إلى جمع الفصائل والقوى الفلسطينية في إطار خطوة نظر إليها الفلسطينيون على أنها مقدمة لدور وساطة تفاوضي تؤديه الجزائر بدلاً من مصر، فيما يُعتقد أن تلك الدعوة قد تكون مرتبطة بالتخطيط لعقد القمة العربية في مارس (آذار) المقبل، في حال نجحت الجزائر في ترتيب خطواتها التنظيمية بالتنسيق مع الجامعة العربية وأمينها العام أحمد أبو الغيط.
وتُعتبر الجزائر دولة مهمة في السياق السياسي والدبلوماسي وتبنت في الفترة الأخيرة الدعوة إلى حل وحلحلة الصراعات، وهو ما يُطرح في الخطاب السياسي والإعلامي للحكومة الجزائرية منذ أشهر عدة، ولم يبرز فقط في الملف الفلسطيني ومحاولة تجميع الفصائل، بل وأيضاً من خلال دخول الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون على خط أزمة "سد النهضة" الإثيوبي وإعلانه عن قرب إعلان مبادرة حل للأزمة، إلا أنه لم يحدث شيء حتى الآن، وهو الأمر الذي قد يتكرر مع تبعات وتعقيدات الملف الفلسطيني بكل تفاصيله المتشعبة.
وارتبط عرض الجزائر لعب دور الوساطة بزيارة أجراها إليها الرئيس الفلسطيني محمود عباس، لكن الإشكالية مرتبطة بالموقف الجزائري ومسعاه للتعامل مع تطورات الملف الفلسطيني بأكمله، وليس فقط تجاه حركة "فتح" أو حركة "حماس"، بل تجاه كل الفصائل الفلسطينية التي تسعى إلى تقريب وجهات النظر في ملفات عدة، بخاصة وأن استمرار حالة الانقسام مستمرة وستزيد، بدليل إجراء الانتخابات البلدية وعدم مشاركة حركة "حماس" في التفاصيل الخاصة بالعملية الإجرائية واستمرار هجومها على السلطة الفلسطينية، وهو الأمر الذي سيؤكد أن السلطة الفلسطينية ستمضي في مسارها ولن تتراجع عنه في إطار المصالحة أو خارجها.
ولم تقم الجزائر حتى الآن بأي خطوة يمكن رصدها على أي مستوى يمكن من خلاله التأكيد على نوايا الجانب الجزائري في ممارسة دور الوسيط في ظل استمرار تمسك مصر بملف الوساطة وأداء دورها، وهو ما اتضح من خلال زيارة وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لابيد إلى مصر وتحرك الأخيرة في اتجاهات عدة، وإن كان ذلك ارتبط بنهج سياسي جديد سيركز في الأساس على استمرار دعم قطاع غزة وتقديم كثير من المنح والتسهيلات على الرغم من توتر الأجواء، لكن لوحظ أن القاهرة لم تستقبل حتى الآن أي مسؤول من الفصائل أو السلطة الفلسطينية، ما يشير إلى وجود تحفظات مصرية على ما يجري، ولكن بعيداً عن العلن، وفي ظل موقف سياسي واستراتيجي محدد.
في المقابل، تعمل الجزائر في اتجاهات عدة، وإن بقيت في دائرتها حتى الآن، ومن أهمها، أولاً، الإعلان عن المسعى التفاوضي مع تكشف المواقف والاتجاهات لكل الأطراف، بخاصة وأن الجزائر قدمت في مراحل معينة كثيراً من المساعدات والدعم المباشر للسلطة الفلسطينية كما تمتعت في كل المراحل بمصداقية معينة وشفافية في التعامل.
ثانياً، لم يسبق للجانب الجزائري أن قام بمحاولات للوساطة، وربما يكون التعويل هنا، حول إمكانية القيام بجهد موازٍ، بخاصة وأن الجزائر تمتعت حقيقة بحضور لدى الفلسطينيين ومصداقية مقبولة من الجميع، وهو ما يدركه الجانب الفلسطيني في رام الله وقطاع غزة معاً.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ثالثاً، سبق وأن دخلت دول كبرى مثل روسيا على خط الوساطة ولم تستطع القيام بأي جهد حقيقي باستثناء العمل على محاور حقيقية مرتبطة بتطورات ما جرى في موسكو أكثر من مرة. ولم يتمكن الجانب الروسي على الرغم من تكرار محاولاته، من تحقيق أي تقدم وبقي الأمر في دائرته السياسية الراهنة، حيث عزفت دول عدة عن تحقيق أي خروقات في هذا الملف. ولا يوجد ما يدفع الجزائر سوى الرغبة في تحقيق تقدم، وربما استثماراً لقرب رئاسة الجزائر، القمة العربية، ووقتها سيكون لكل حادث حديث، بشأن ما يمكن أن يتم في المديَين القصير والطويل الأجل.
رابعاً، قد لا يحتاج الجانبان في رام الله وغزة إلا إلى تطبيق ما يمكن من أعمال وفعاليات تم الاتفاق عليها خلال اللقاءات التي رعاها الوسيط المصري من قبل، لكن يمكن القول، إن الإشكالية التي تواجه ذلك الأمر، مرتبطة بعدم توافر الإرادة السياسية لكل طرف، ومن ثم فإن الانتقال من مرحلة إلى أخرى قد يرتبط فعلياً بموقف واحد من قبل الوسيط الجزائري، وهو ما قد لا يملكه بالفعل، بخاصة وأن الجانبين ربما وصلا إلى مرحلة حاسمة من الخلاف الحقيقي، في ظل توجه كل طرف إلى إجراءات انفرادية، وهو ما سيعمق الخلاف الراهن، وقد يؤدي به إلى قطيعة وليس مجرد خلاف أو تباين في الرؤى.
خامساً، تزايدت مساحات الخلاف السياسي والاستراتيجي بين رام الله وقطاع غزة، ما يؤكد أننا أمام سيناريو مفتوح، فقد تم حظر حركة "حماس"، أخيراً، في بريطانيا، وهو الأمر المرشح ليتطور ويصبح أوروبياً، وقد يصل الوضع إلى مرحلة حقيقية من التجاذبات السياسية المستمرة التي قد لا تمكن الحكومة الجزائرية من لعب دور تفاوضي حقيقي في الوقت الراهن، لاعتبارات متعلقة
أيضاً بإشكاليات ومصاعب متعددة بخاصة في ظل وجود مشكلات متعددة إقليمية سواء في نطاق المنطقة المغاربية أو خارجها. ويعني ذلك أن الجزائر قد لا تتقدم في الخطوة الراهنة في ظل الصعوبات العديدة، وما يجري من تطورات حقيقية في القطاع ورام الله، وهو ما يدركه الجانب الجزائري جيداً، إذ لا يستطيع الدخول في متاهة المفاوضات المفتوحة، وفي إشكالية على أي أرض يعمل أو يتجه وكيف سيتعامل مع المتغيرات الجارية التي يمكن أن تعلن عن نفسها في ظل غياب الرؤية أو المنهج أو التعامل الحقيقي، الذي يتطلب بالفعل موقفاً مباشراً وتراكماً في العمل والمراجعة السياسية للخلفيات الحاكمة، وكلها إجراءات مرحلية ومتراكمة.
الخلاصة
قد يكون من المرجح أن تقدم الجزائر على خطواتها في حال وجود رغبة وقدرة حقيقية من قبل الطرفين، وهو أمر يصعب التوصل إليه في الوقت الراهن لاعتبارات متعلقة بالخطوة التالية وقدرة الوسيط الجزائري على تجديد طرحه وأن يعمل عليه، وهو أمر يرتبط بكثير من المقومات التي قد لا تتوافر حالياً ليس من قبل الجزائر، بل من قبل طرفَي المعادلة وفي ظل حالة التباين الكبرى التي لن تكون مرتبطة بالجانب الجزائري فقط بل مرتبطة بمواقف أطراف أخرى. ومن ثم فإن ممارسة دور الوسيط لن تكون سهلة وسيتحتم على الجزائر العمل في إطار توجهات ومسارات قد تبدو مرتبطة ومعقدة.