على الرغم من أن المرأة السودانية خرجت في التظاهرات السلمية لوقف الانتهاكات الجسدية واللفظية التي تمر بها في حياتها اليومية، يبدو أن ثورة ديسمبر (كانون الأول) لم تكن كافية للقضاء على العنف الموجّه ضدها.
ومع انتشار تقارير كشفت عن قيام الحكومة السابقة بانتهاكات في إقليم دارفور إبان حرب استمرت لأكثر من 30 عاماً، اتضح أن الحكومات المتعاقبة مارست الأمر نفسه لكسر شوكة المرأة التي تمثل وقوداً حقيقياً للثورات التي مرت على السودان حتى قبل استقلاله.
كذلك، أظهرت تقارير نشرتها جهات مختصة تعرض عشرات النساء للاغتصاب خلال فض اعتصام القيادة العامة الذي أسهم في إسقاط نظام عمر البشير. وقادت النساء في حينه حملات مناهضة للاعتداءات التي تتعرض لها المرأة السودانية خلال تعبيرها عن رفضها للحكومات التي هضمت حقها ومنعتها من ممارسة حياتها بصورة طبيعية وفرضت عليها قوانين قاسية.
19 ديسمبر
بعد انقلاب 25 أكتوبر (تشرين الأول)، خرجت فئات واسعة من الشعب السوداني إلى الشارع، وعبرت عن رفضها قيام حكومة عسكرية من جديد. وكانت المرأة في مقدمة المواكب. واستمرت التظاهرات التي كان شعارها "لا تفاوض، لا شراكة ولا شرعية"، حتى خروج آخر مسيرة حاشدة في 19 ديسمبر، جمعت بين المطالبة بإسقاط العسكر والاحتفال بالذكرى الثالثة لانطلاق الثورة في 2018. ولكن، بعد يوم من التظاهرة، خرجت تقارير تؤكد تعرض نساء وفتيات للاغتصاب خلال المواكب.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في هذا الصدد، قالت الناشطة الحقوقية إيناس مزمل، إن "سلاح الاغتصاب والعنف الجنسي ضد النساء ليس جديداً، ويتم استخدامه كسلاح في الحروب، وقد استخدم في أجزاء كثيرة في السودان وخصوصاً في دارفور، حيث توجد مغتصبات كثيرات. ويستخدم ذلك لكسر النفس وللهزيمة المعنوية وخلق صدمة وسط الناس لتكميم الأفواه وبث الانهزام في النفوس وعدم إبداء أي نوع من المقاومة".
وقالت مزمل، "في التظاهرات الأخيرة، خصوصاً يوم 19 ديسمبر، تعرضت 13 فتاة للاغتصاب، منهن من دخلت المستشفى لتلقي العلاج. وكان وسيلة من القوات والقائمين على القمع لكسر شوكة الفتيات لردعهن من الخروج إلى الشارع، والتأثير على الحراك والتقليل من القوة الفاعلة، وهي النساء. بالإضافة إلى أنه امتداد للذين فقدوا أرواحهم وتم قتلهم خلال التظاهرات، والذين فقدوا أطرافهم وعيونهم، والذين أصيبوا بإصابات دائمة وإعاقات، وهي كلها شكل من أشكال العنف، ولكن العنف الجنسي ضد النساء، وحتى ضد الرجال، هو سلاح مزدوج للهزيمة الجسدية وتخويف الأسر وتوجيه رسالة لهم لمنع بناتهن من الخروج إلى الشارع".
وتابعت مزمل، "العنف الجنسي له أشكال كثيرة، منه الإلكتروني، ومنه نعت اللاتي يشاركن في التظاهرات بصفات سيئة، ومنه التحرش اللفظي أو الجسدي بهن".
العلاج والعقوبة
وكشفت مديرة وحدة مكافحة العنف ضد المرأة في وزارة التنمية الاجتماعية في السودان، سلمى خليفة، أن "8 سيدات على الأقل، تعرضن للاغتصاب في محيط القصر الرئاسي، خلال مليونية 19 ديسمبر". وأكدت خليفة أن "هناك بعض الضحايا فتحن بلاغات جنائية".
وعرضت الاختصاصية النفسية نهى الحاج لآثار العنف الجنسي، ومنها "الوصمة التي تلاحق الضحية لسنوات، والتعامل مع الضحية باحتقار وتعرضها للإهانة، والحالة النفسية التي تعانى منها الضحية وخصوصاً الخوف من علم المجتمع بما تعرضت له، لأن المجتمع ينظر إلى ضحايا الاغتصاب بعين مريبة ووصفها بالمقصرة والمساهمة في الجريمة واعتبار خروجها في التظاهرات سبباً لتعرضها للاغتصاب".
وأضافت الحاج أن "اللاتي تعرضن للاغتصاب يجب أن يخضعن بصورة سريعة للعلاج النفسي، خصوصاً أن الصدمة تكون قوية عليهن ولا يمكن تجاوزها من دون العلاج. ولأن المجتمع يؤثر على الضحية، يجب إخفاء الأسماء، إلا إذا أرادت الضحية الكشف عنه والتعامل مع قضيتها بوصفها قضية عامة، وعدم توجيه اللوم إليها، وفي حال كان لديها رغبة في فتح بلاغ ضد الجناة يجب مساعدتها، فهذه الأمور تساهم في تسريع الاستجابة للعلاج والخروج من الصدمة النفسية بأقل الأضرار".
ولفت المحامي خالد صديق إلى أن "القانون يدعم الضحية في حال قامت بفتح بلاغ ضد متهم اعتدى عليها، ولكن المسألة تستغرق وقتاً طويلاً لإثبات التهمة، خصوصاً إذا ما أنكرها الجاني. وفي حال ثبوت الجريمة، يتم الحكم على الجاني بالسجن لمدة تصل إلى سنتين".
وبخصوص إفلات الجناة من العقوبة، توقع صديق "إفلات الجاني إذا لم تكن هناك إثباتات. لهذا يجب ألا تربط الضحية تعافيها من الصدمة بالحكم على الجاني بالسجن وغيره لأنه في حال لم يتم الحكم عليه قد تحبط وتسوء حالها النفسية".
ويدعو صديق إلى تجنب سوق الاتهامات، خصوصاً أنه "ليس من مصلحة الحكومة استخدام العنف الجنسي ضد المتظاهرين، لكونها حكومة يشارك فيها المدنيون. وهذا الأمر يجب أن يأخذ مجراه القانوني من دون توجيه الاتهامات لجهة دون غيرها".