السعودية وإيران في "حوار استكشافي" متقطّع بوساطة عراقية. لبنان الرسمي والشعبي يكرر يومياً الحرص على أفضل العلاقات مع المملكة. خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز يعلن أن "السعودية تدعم الشعب اللبناني الشقيق، وتحث جميع القيادات على تغليب مصالح البلد، وتحقيق ما يتطلع إليه الشعب".
لكن، السيد حسن نصر الله يرفع منسوب الهجوم على الرياض إلى حد التهجم على الملك سلمان شخصياً. هل هذا اختلاف بين "الأصل" في طهران و"الفرع" في الضاحية الجنوبية؟ كلا. هل هو تأكيد مكرر بأن السيد نصر الله يضع مصلحة إيران فوق مصالح لبنان واللبنانيين؟ نعم.
ذلك أن "حزب الله" يعرف أن جمهورية الملالي تناور في مد اليد للحوار مع السعودية، ضمن حركة تكتيكية في هذه المرحلة، لخدمة المشروع الاستراتيجي الإقليمي لإيران. وهو أنشئ لخدمة المشروع مثل الميليشيات الأخرى في العراق وسوريا واليمن التي كان "حاكمها" باعتراف طهران هو الجنرال قاسم سليماني، الذي اغتالته أميركا، وتركت إيران لوكلائها الثأر له. فضلاً عن أن "حزب الله" الذي يتحكّم بمفاصل السلطة والقرار في لبنان يتصرّف على أساس أن "المقاومة الإسلامية" كيان منفصل عن لبنان، وينظر إلى أي تحرك كأنه "مؤامرة" على المقاومة، ويعمل كل شيء من أجل المقاومة.
وبين الأهداف في خدمة "ولاية الفقيه" قطع لبنان عن العروبة وأشقائه العرب. وإساءة العلاقات مع السعودية وبقية دول الخليج هي من الأهداف، لا مجرد خطأ في التقدير أو تجاهل لمصالح اللبنانيين العاملين هناك. وهي تشتد كلما بدت في الأفق فرصة لتحسين العلاقات اللبنانية - السعودية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وما تسمى "جبهة المقاومة" بقيادة إيران، التي وصفتها صحيفة "كيهان" بأنها "أعظم إنجاز لثورة الإمام الخميني"، وتضم "نظام الأسد والحوثيين وحزب الله والحشد الشعبي ولواء فاطميين ولواء زينبيون وحماس والجهاد الإسلامي" هي سور دفاعي عن جمهورية الملالي ورأس حربة في مشروعها. ومن دونها "لا إيران ولا العراق ولا لبنان ولا سوريا ولا اليمن".
لا، بل إن البريغادير رمضان شريف، الناطق باسم الحرس الثوري، "يحذّر الكيان الصهيوني المرعوب من إيران من مواجهة قوة كبيرة في جبهة المقاومة في العراق وسوريا ولبنان وفلسطين إذا ارتكب أي خطأ استراتيجي". أي رد إيران بالواسطة من دون أن تشارك هي مباشرة.
الردود اللبنانية على نصر الله جاءت واسعة: ضعيفة من رئاسة الجمهورية، ومتوسطة من رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، وقوية من معظم التيارات والأحزاب والطوائف. لكن الكل يعرف أن هذه لا تبدّل شيئاً في ممارسة "حزب الله"، ولا تفيد من دون خطوة عملية تبدأ برفع الغطاء الرسمي عن السلاح خارج الشرعية التي يجب أن تكون "المحتكر الشرعي للعنف"، بحسب ماكس فيبر.
كيف يقيم لبنان "أفضل العلاقات مع السعودية"، وهو أسير "الحزب" الذي يتهجّم سياسياً على الرياض، ويلعب دوراً في تدريب الحوثيين على إطلاق المسيّرات والصواريخ الباليستية على المملكة، ويشارك في حرب سوريا، ويساند الفصائل التابعة لإيران في العراق؟
أي لبنان رسمي يريد أفضل العلاقات مع الأشقاء العرب والأصدقاء الدوليين، وهو فاقد لقرار الحرب والسلم، ويسمع السيد نصر الله يتهم "كل من يعاون الأميركي في لبنان والمنطقة بأنه شريك في القتل"، لا سيما في اغتيال قاسم سليماني، الذي ذكراه "تمس لبنان في الصميم، لكن من زاوية أعلى"؟ قمة الاستكبار على اللبنانيين من حلفائه قبل خصومه.
ليس قليلاً عدد الذين يتساءلون إن كان تصعيد "حزب الله" في التهجم على المملكة تعبيراً عن "فائض القوة" و"فائض الانتصارات" الإيرانية المزعومة أم عن "فائض القلق" حيال الصفقات المُحتملة في المنطقة ضمن التفاوض على "الاتفاق النووي".
لكن، الواضح أن الخطوة العملية الأولى هي تحقيق ما يطالب به اللبنانيون، وهو "استرداد الدولة من الأسر الإيراني"، وما تطالب به السعودية والدول العربية وأميركا وفرنسا وألمانيا وبريطانيا، وهو "وقف هيمنة حزب الله على مفاصل السلطة". وليس صحيحاً أن هذه مهمة مستحيلة إذا جرى تشكيل كتلة شعبية سياسية تاريخية أقوى من كل أسلحة "حزب الله".