استقلت وزيرة الخارجية البريطانية ليز تراس طائرة خاصة للسفر إلى أستراليا بكلفة تخطت نصف المليون جنيه استرليني (669 ألف دولار) سُددت من جيوب دافعي الضرائب، لأنها اختارت عدم استخدام الرحلات المجدولة التي كانت ستكون أبخس ثمناً كثيراً وأسرع.
وعوضاً عن السفر من لندن إلى سيدني عبر إحدى الرحلات اليومية التي تسيرها الخطوط الأسترالية "كانتاس" Qantas، أصرت تراس على السفر مسافة 22 ألف ميل إلى أستراليا ومنها وفي أنحائها على متن الطائرة الحكومية الخاصة من طراز إيرباص A321. وشرعة القوانين الوزارية توضح من غير لبس أن سلطة السماح بمثل هذه الرحلة مناطة بوزير الخارجية وحده.
ويُستخدم هذا الطراز لنقل 235 راكباً على متن خطوط "إيزي جت" easyJet، بيد أن النسخة المخصصة للحكومة تمتاز بتصميم داخلي فخم مخصص لكبار الشخصيات بما في ذلك أسرّة للاسترخاء.
واستهلكت المهمة إلى أستراليا ذهاباً وإياباً هذا الأسبوع نحو 150 طناً من الوقود وأسهمت في انبعاث ما يناهز 500 طن من ثاني أوكسيد الكربون.
يُشار إلى أن الرحلات المجدولة كانت متوفرة للوجهة نفسها، ولكن أفادت معلومات بأنه جرى اختيار الطائرة الخاصة "لدواعٍ أمنية" وسط مخاوف من أن يسترق الركاب الآخرون السمع لما يدور من أحاديث على متن الطائرة.
وفي هذا السياق، وصف أحد النشطاء البيئيين الرائدين خيار وزيرة الخارجية بأنه "مصدر انبعاثات صارخ وشائن في خضم الأزمة المناخية الطارئة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي التفاصيل، استهلت تراس رحلتها الجوية ظهر يوم 18 يناير (كانون الثاني) متجهةً من مطار ستانستيد في لندن إلى دبي. وأقلعت الرحلة بعد ساعتين من إقلاع خطوط "كانتاس" من مطار هيثرو التي توجهت من دون أي توقف إلى داروين في الجزء الشمالي من أستراليا قبل أن تتابع رحلتها إلى سيدني.
وبعد فترة توقف استغرقت 90 دقيقة للتزود بالوقود في الإمارات العربية المتحدة، طارت طائرة وزيرة الخارجية طوال الليل إلى كوالا لامبور حيث تزودت بالوقود مجدداً.
وحطت الرحلة XT645 كما سُميت في سيدني بعد منتصف الليل بوقت قليل بتاريخ 20 يناير، أي بعد خمس ساعات من وصول رحلة خطوط كانتاس الجوية الآتية من لندن.
رُكنت الطائرة في سيدني ليومين فيما كانت وزيرة الخارجية تلتقي المسؤولين الحكوميين الأستراليين قبل أن تطير إلى منطقة أديلايد حيث ألقت تراس خطاباً.
وتبعت رحلتها على متن الطائرة الخاصة في 22 يناير، رحلة محلية لخطوط كانتاس ذات الرقم QF733 التي انطلقت بالاتجاه نفسه قبل 17 دقيقة وحسب.
وأظهرت البيانات التي سجلتها خدمة "فلايت رادار 24" (Flightradar24) بأن طائرة إيرباص التي تقل وزيرة الخارجية غادرت أديلايد عند الساعة 10:50 ليلاً في اليوم نفسه. وأعادت التزود بالوقود في كل من كوالالامبور ودبي قبل أن تعود أدراجها إلى مطار ستانستيد عند الساعة 1:20 ظهراً بتاريخ 23 يناير.
إذا أردنا الحديث عن البديل التجاري، كان يمكن أن تستقلّ رحلة محلية تغادر في الليلة نفسها من أديلايد إلى داروين قبل أن ترتبط برحلة من دون توقف لخطوط كانتاس إلى هيثرو – أي إنها تصل قبل تسع ساعات من الطائرة الحكومية.
وفي سياق متصل، أشار مصدر رفيع المستوى من قطاع تأجير الطائرات الخاصة لصحيفة "اندبندنت" بأن كلفة تشغيل الرحلة التي أقلت السيدة تراس ناهزت "500 ألف جنيه استرليني في الأقل". بينما تبلغ كلفة أغلى بطاقة في درجة رجال الأعمال لكامل رحلة الوزيرة عبر خطوط كانتاس التي توفر مقاعد تتحول إلى أسرة على متن طائرة بوينغ 787 نحو 7712 جنيهاً استرلينياً (10300 دولار).
ولم تكشف وزارة الخارجية عن عدد المسؤولين الذين كانوا على متن الطائرة، بيد أن القانون الوزاري يهيب بالبعثات الدبلوماسية أن "تبقي عديدها محدوداً قدر الإمكان". وتجدر الإشارة إلى أن إتمام الرحلة استوجب مجموعتين من طاقم العمل في الأقل.
وقالت نائبة زعيم حزب العمال، أنغيلا راين، إن استخدام الطائرة الخاصة أظهر "للجمهور بالضبط مدى ضآلة احترام حكومة المحافظين لأموال دافعي الضرائب".
وقالت "إنه لأمر فاحش أن يستقل وزراء الحكومة الطائرات [الخاصة] ولكنهم يرفعون الضرائب ويرفضون بذل أي شيء لمساعدة الأسر العاملة عندما يشعرون بأزمة غلاء المعيشة".
"المحافظون يهدرون مبالغ مثيرة للاشمئزاز من المال العام على غرورهم وراحتهم، يريد حزب العمال أن تلمس العائلات انخفاضاً في فواتير الطاقة، وهذا هو وجه الفرق [بين الحزبين]".
وفي غضون ذلك، قالت آنا هيوغ، مديرة المنظمة البيئية "فلايت فري" المملكة المتحدة Flight Free UK "لطالما أظهرت ليز تراس قلة فهمها تجاه الخطوات التي يتوجب علينا جميعاً اتخاذها لمعالجة الأزمة المناخية وهذا الأمر ليس استثناءً". وأضافت "يشكل السفر إلى أستراليا ذهاباً وإياباً على متن طائرة خاصة مستأجرة امتيازاً صادماً ومصدر انبعاثات صارخ في خضم هذه الأزمة المناخية الطارئة".
وهبطت تراس مجدداً في مطار ستانستيد قبل يوم من تصريح رئيس القمة المناخية "كوب 26" ألوك شارما في مناسبة نظمها مركز "شاثام هاوس" Chatham House بأنه يتوجب على قادة العالم "الوفاء بوعودهم" في أزمة التغير المناخي.
وأضاف الوزير قائلاً "ما لم نفِ بالوعود التي قطعناها لتحويل الالتزامات في وثيقة الاتفاق المناخية في غلاسكو إلى أفعال فإن هذه الوعود ستندثر".
ووصف شارما الاتفاقية التي تم التوصل إليها خلال مؤتمر "كوب 26" بأنها "انعكاس فعلي لمفهوم بريطانيا العالمية".
وتعقيباً على ذلك، قال متحدث باسم وزارة الخارجية "من المهم والضروري لوزيرة الخارجية أن تسافر إلى الخارج لمتابعة اهتمامات المملكة المتحدة في ما يتعلق بالأمن والتجارة والتكنولوجيا كما فعلت خلال زيارتها إلى أستراليا. استخدمت هذه الرحلة النقل الحكومي وكانت منضوية بالكامل تحت القواعد التي يلحظها القانون الوزاري".
يُشار إلى أن الطائرة التي استخدمتها وزيرة الخارجية هي من طراز أيرباص أ321 نيو (Airbus A321 neo) وعمرها 18 شهراً ويتم تشغيلها لصالح الحكومة من قبل خطوط "تيتان" Titan Airways، التي تتخذ من مطار ستانستيد مقراً لها.
سُلّمت الطائرة الجديدة مباشرةً من مصنع إيرباص في هامبورغ بتاريخ 26 أكتوبر (تشرين الأول) 2020.
© The Independent