كشف تقرير حديث أن لدى روسيا حليفاً واحداً واضحاً تلجأ إليه حيث تتطاير الشرارات الجيوسياسية مع الغرب فوق أوكرانيا. لكن لا تتوقع أن تقدم الصين ما هو أكثر من مجرد كلمات داعمة لجارتها الشمالية إذا ما تابعت الولايات المتحدة وأوروبا تهديدات بضرب الاقتصاد الروسي، في حال غزت موسكو أوكرانيا. فقد تكون العلاقات الدبلوماسية والعسكرية بين بكين وموسكو قوية، لكن الولاءات الاقتصادية للصين أكثر تعقيداً.
ويوم الجمعة، التقى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين نظيره الصيني شي جينبينغ، مع انطلاق دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في بكين. ووصف الكرملين الاجتماع بأنه دافئ وبناء. واتفق الرئيسان على تعميق تعاونهما، وفقاً لتقرير نشرته وكالة الأنباء الصينية الرسمية (شينخوا). فيما قالت شركة النفط الروسية العملاقة "روسنفت"، إنها وافقت على زيادة الإمدادات إلى الصين خلال العقد المقبل.
وكتب بوتين في مقال نشرته وكالة أنباء الصين الجديدة (شينخوا)، الخميس 3 فبراير (شباط)، "بالعمل معاً، يمكننا تحقيق نمو اقتصادي مستقر... والوقوف معاً ضد مخاطر اليوم وتحدياته". وقد تكون هذه المخاطر هائلة إذا ما غزت روسيا أوكرانيا. ونفت موسكو أن لديها أي نية للقيام بذلك.
عقوبات أميركية تنتظر روسيا
في الوقت نفسه، فإن المشرعين الأميركيين يهددون بفرض ما يسمونه "أم العقوبات" على روسيا إذا ما تجاوزت الخط الأحمر. فيما يستعد القادة الأوروبيون لعقوبات تتجاوز القيود المفروضة على روسيا عندما ضمت شبه جزيرة القرم في عام 2014.
وقد أعربت الصين- التي لديها توترات خاصة بها مع الغرب- عن دعمها الدبلوماسي لحليفها. وفي بيان مشترك صدر، الجمعة، عقب اجتماعهما، قال شي وبوتين، إن الجانبين يعارضان "زيادة توسيع حلف الناتو". وتخشى روسيا أن تنضم أوكرانيا إلى الحلف.
يرى كريج سينغلتون، كبير الزملاء الصينيين في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، "يعتقد شي، بالتأكيد، أن هناك مصلحة استراتيجية في دعم روسيا". وأشار إلى أن الصين "لا تزال على خلاف دائم" مع الولايات المتحدة. وهناك مجموعة من الأدلة على أن التوترات مع الغرب قد عمقت التعاون بين الصين وروسيا، وفقاً لألكسندر جابوييف، الزميل الأول ورئيس قسم روسيا في برنامج آسيا والمحيط الهادي في مركز "كارنيغي" في موسكو. وأشار إلى صفقات السلاح والتطوير المشترك للأسلحة و"زيادة عدد التدريبات المشتركة" بين القوتين.
لكن، ليس من الواضح إلى أي مدى يمكن أن يمتد ذلك إلى تعاون اقتصادي أعمق في مواجهة العقوبات القاسية. وتعتمد روسيا بشدة على الصين للتجارة، لكن هذا ليس هي الحال في الاتجاه المعاكس. والاقتصاد الصيني في وضع هش بالفعل، مما يعطي حافزاً أقل للرئيس شي لربط ثروات بلاده بثروات موسكو في حالة حدوث أزمة عسكرية.
وقال سينغلتون "سيكون انتصاراً لبوتين إذا التزم شي بشكل وثيق مع رغبة الصين المعلنة في حل دبلوماسي للأزمة، لأنه يعني ضمناً أن تظلمات بوتين مشروعة... أبعد من ذلك، قد تتعرض الصين لضغوط شديدة لتعميق علاقاتها الاقتصادية مع روسيا، على الأقل في أي وقت قريب".
الصين لديها أولويات أخرى
تعد الصين الشريك التجاري الأول لروسيا، إذ تمثل 16 في المئة من قيمة تجارتها الخارجية، وفقاً لبيانات منظمة التجارة العالمية والجمارك الصينية. لكن بالنسبة إلى الصين، فإن أهمية روسيا أقل بكثير. فقد شكلت التجارة بين البلدين 2 في المئة فقط من إجمالي حجم التجارة الصينية. ولدى الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة حصص أكبر بكثير.
يقول أليكس كابري، الزميل الباحث في مؤسسة "هينريش"، "يجب أن تكون بكين حذرة للغاية بشأن الخوض في صراع بين الناتو وروسيا بشأن أوكرانيا... العلاقات الاقتصادية الحالية للصين مع روسيا، بما في ذلك احتياجاتها من الطاقة، لا تبرر أن تخاطر بكين بمزيد من العزلة ورد الفعل العنيف من واشنطن وحلفائها... قد يعود هذا ليطارد بكين لاحقاً".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
فيما تدرك السلطات الغربية أن المخاطر كبيرة بالنسبة إلى الصين أيضاً. وخلال يناير (كانون الثاني) الماضي، حذر وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن بكين من أن غزو أوكرانيا سيخلق "مخاطر أمنية واقتصادية عالمية" يمكن أن تضر بكين أيضاً. وفي الوقت نفسه، فإن الاقتصاد الصيني يعاني مما قد يجعل من الصعب على بكين تعميق العلاقات مع موسكو- أو حتى الوفاء بالوعود التي قطعتها- مثل الاتفاقية الأخيرة لتعزيز التجارة بين الصين وروسيا إلى 200 مليار دولار بحلول عام 2024، أي قرابة 50 مليار دولار.
ويتوقع صندوق النقد الدولي أن ينمو الاقتصاد الصيني بنسبة 4.8 في المئة فقط هذا العام، انخفاضاً من 8 في المئة في عام 2021. وقد أدت أزمة العقارات وانخفاض الإنفاق الاستهلاكي إلى انخفاض معدل النمو.
يقول سينغلتون، إن من شأن الأزمة المتصاعدة في أوكرانيا أن "تصدم بالتأكيد" أسواق الطاقة والمعادن. مما يلقي بثقله على الاقتصاد العالمي. وهذا النوع من الطوارئ، إلى جانب سياسة الصين الصارمة الخاصة بعدم انتشار فيروس كورونا، "يمكن أن يسرع من التباطؤ الاقتصادي السريع بالفعل في الصين".
هناك حدود لمساعدة بكين
من المرجح أن تؤدي العلاقة القوية مع الصين إلى التخفيف بدلاً من تحييد تأثير العقوبات الغربية على روسيا، وفقاً لكابري من مؤسسة "هينريش". وأوضح أن "هناك بعض المشكلات التي لا تستطيع الصين المساعدة في شأنها على الإطلاق... لنأخذ الخيار النووي الذي يمكن أن يقلب الاقتصاد الروسي، على سبيل المثال... يمكن للغرب إزالة الدولة من قائمة سويفت، وهي شبكة أمنية مشددة تربط آلاف المؤسسات المالية حول العالم... وقد يؤدي ذلك إلى عزل روسيا عن النظام المصرفي العالمي".
وأشار كابري إلى أن اليوان الصيني "ليس قريباً من كونه دولياً بما يكفي لمنافسة الدولار الأميركي"، لافتاً إلى أن الدولار يلعب دوراً حاسماً في "سويفت" وكذلك تداول السلع مثل النفط والغاز، وهما شريان الحياة للاقتصاد الروسي.
في تقرير حديث، كتب محللون في "أوراسيا غروب"، أن بكين قد تضاعف جهودها لبناء نظام دفع مقوم باليوان، مما قد يسمح لها بممارسة الأعمال التجارية بحرية أكبر مع الدول التي فُرضت عليها عقوبات من جانب الغرب من دون استخدام الدولار أو اليورو. مع ذلك، فإن الشركات في كل من الصين وروسيا "لا تزال تفضل تصنيف التجارة في عملات قابلة للتحويل بحرية"، ما يعني أن أي جهود لتقليل النفوذ الغربي ستكون "أكثر طموحاً من كونها جوهرية".
كذلك، فإن التاريخ الحديث ليس في مصلحة روسيا. فبعد أن غزت روسيا شبه جزيرة القرم وضمتها في عام 2014، تحولت البلاد إلى دعم الصين حيث فرضت عليها عقوبات اقتصادية. وعلى الرغم من أن بكين عارضت علناً تلك العقوبات ووعدت بتعزيز العلاقات الاقتصادية، فإن جهودها لم تكن كافية لتعويض مشاكل روسيا. وتراجعت التجارة بين روسيا والصين في عام 2015 بنسبة 29 في المئة عن العام السابق، وفقاً لإحصاءات رسمية من الصين، كما عانى الاستثمار الصيني المباشر في روسيا.
واشتكى مصرفيون روس من أن البنوك الصينية كانت مترددة في التعامل معها لتجنب انتهاك العقوبات، وفقاً لمقال عام 2015 كتبه يوري سولوفييف، نائب رئيس بنك "في تي بي"، وهو مؤسسة مالية روسية كبرى. فيما كتب محللون في "أوراسيا غروب" في تقريرهم الأخير، أن "الصين هي الشريك الأول في العلاقات الثنائية"، مشيرين إلى أن الاقتصاد أكبر بحوالى تسعة أضعاف الاقتصاد الروسي. "من المحتمل أن تريد بكين تشكيل حسابات موسكو لمصلتحها".