خيم على القمة الأفريقية الـ35 التي عقدت بمقر الاتحاد الأفريقي في أديس أبابا بين الخامس والسادس من فبراير (شباط) مناخ غير مواتٍ وسط ظروف حافلة بالانقلابات العسكرية التي شهدها عدد من الدول الأفريقية، ولفت التباين حول العضوية الشرفية لإسرائيل كمراقب، تخطى النطاق البروتوكولي في أدبيات المنظمة، ليمثل قضية وخلافاً سياسياً بين الدول الأعضاء، والسؤال: هل أعطت هذه القمة دفعاً باتجاه هموم الإنسان الأفريقي في عهد كورونا؟
وجاءت القمة الأفريقية تحت شعار "بناء المرونة والتغذية بالقارة الأفريقية، وتسريع رأس المال البشري، والتنمية الاقتصادية والاجتماعية"، باعتبار عام 2022 هو عام التغذية، وغاب عن القمة التي انعقدت حضورياً ثلاثة من الرؤساء في مقدمهم رئيس جنوب أفريقيا سيريل رامافوزا، والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، والأوغندي يوري موسفيني.
وفي حين أبطلت قرارات مجلس السلم والأمن عضوية ومشاركة أربع دول هي السودان وغينيا كوناكري، ودولة مالي، وبوركينا فاسو، بسبب ما يصفه الاتحاد الأفريقي بالتعدي على الشرعية الديمقراطية، وسيطرة المؤسسات العسكرية على هذه الدول.
نهج جديد
وقال رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي موسى فقي إن "الوضع الأمني في أفريقيا اليوم يتسم بانتشار الإرهاب، والعودة الخطيرة للتغيرات غير الدستورية"، مشيراً إلى أن واقع القارة الآن يستدعي نهجاً جديداً حقيقياً يجب أن يراعي هيكل السلام والأمن وعلاقته بالعوامل الجديدة المزعزعة للاستقرار في أفريقيا، لافتاً إلى التفاعلات السالبة الحادثة في القارة، وأضاف في كلمته الافتتاحية، "ظاهرة الانقلابات العسكرية المتكررة بالقارة أصبحت مقلقة جداً، في حين ما تزال تداعيات جائحة كورونا تسيطر على القارة."
حديث رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي موسى فقي وصفه مراقبون كإحدى دلالات الفشل "تجاه الهموم السياسية" التي حرص الاتحاد الأفريقي على علاجها، ويشير بعض المراقبين إلى أن قرارات الاتحاد ممثلاً في "مجلس السلم والأمن الأفريقي" تظل غير فاعلة في غياب الشفافية التي واكبت ظروف دول وانقلابات عسكرية سابقة تعامل معها الاتحاد وآلياته وفق تباين في اتخاذ القرارات.
وفي هذا السياق، لفت كلام رئيس المفوضية الذي قال إن "المنظمات التابعة للاتحاد الأفريقي بحاجة أكثر إلى التنسيق مع مفوضية الاتحاد الأفريقي في اتخاذ القرارات"، مشيراً إلى أن "هناك فجوة تتضح بشأن القرارات"، وتابع فقي أن "مجلس السلم والأمن الأفريقي" كان قد اتخذ قرارات حيال دولة مالي في أعقاب التغييرات غير الدستورية التي شهدتها، بينما اتخذت منظمة "إيكواس" (المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا)، قرارات أخرى ما يعكس الضرورة الملحة للتنسيق مع المفوضية، مشيراً إلى "وجود فجوة في تنسيق العمل وتوطيد مفهوم تبعية المنظمات المنبثقة من الاتحاد الأفريقي"، ولفت فقي إلى أن "من المهم أن تقدم قمتنا هنا الإيضاحات اللازمة لتجنب أي انحراف ضار في عمل بنيتنا السياسية والأمنية"، وأشار إلى أن "التغييرات غير الدستورية في القارة السمراء قد تضاعفت وتعكس مؤشرات خطيرة لتراجع الإرادة السياسية."
ضغوط دولية
ورأى أستاذ العلوم السياسية بجامعة أم درمان الإسلامية بروفيسور صلاح الدين عبد الرحمن الدومة أن "للعامل الاقتصادي أثراً مباشراً في استقرار دول القارة الأفريقية في تحقيق السلام، والعدل التنموي للمجتمعات كافة، ما يحول دون التظلمات التي تقود إلى الحروب الأهلية، وتدخلات المؤسسة العسكرية، إلى جانب ظاهرة الهجرة المنتشرة نحو الغرب"، مضيفاً، "الاتحاد الأفريقي ظل يتبنى العديد من الأنشطة للخروج بالدول الأفريقية من ظروفها الاقتصادية، كتبني المجموعة الاقتصادية الأفريقية أو (الجماعة الاقتصادية الأفريقية) كمنظمة، وضع أسس التعاون والتطور المتبادل لاقتصاديات دول القارة"، وأشار إلى أن "من أهم واجبات الاتحاد الأفريقي للمرحلة المقبلة ترجمة البرامج إلى مشاريع متكاملة بين الدول والتفعيل الشامل لآليات كالتجارة الحرة، واتحاد الجمارك، والسوق المشتركة، والتمهيد العملي لأجندة أفريقيا 2063 لإخراج القارة من مشاكلها الاقتصادية وتحقيق أهداف اقتصادية كبرى وأنشطة تنموية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وما إذا كان شعار القمة الحالي "بناء المرونة في التغذية في القارة الأفريقية: تسريع رأس المال البشري والتنمية الاجتماعية والاقتصادية"، خاضعاً لتطبيق عملي للفترة المقبلة، قال أستاذ العلوم السياسية بجامعة أم درمان، "من أهم واجبات دول القارة والاتحاد الأفريقي على وجه الخصوص ملاحقة العالم على المستويين الاقتصادي والتنموي، وهو ما تشير إليه البرامج كأهداف رئيسة تتجدد وتستمر مهما تباين إيقاع تنفيذها. ليس لأفريقيا من حل لمشكلاتها سوى الشروع في تنفيذ برامجها الطموحة وهي القارة الأغنى من حيث الموارد الاقتصادية كافة."
مطالبات وتأجيل
وتناولت القمة كذلك هموم بعض الدول، ولا سيما مطالبة رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد بإنشاء "دار إعلامية قارية" للاتحاد الأفريقي، ومن الأمور التي تداولتها القمة ولم تصل فيها إلى قرار، أزمة الحضور الإسرائيلي، إذ خلق منحها وضع المراقب لدى الاتحاد الأفريقي مطالبات قادها رئيس الوزراء الفلسطيني محمد أشتية أثناء مخاطبته القمة بسحب "صفة المراقب"، الذي منحه رئيس المفوضية لإسرائيل في يوليو (تموز) الماضي، باعتباره "مكافأة غير مستحقة"، وهو ما دفع القمة، نتيجة معارضة العديد من الدول، إلى سحب هذه الصفة، وقرر الاتحاد تكوين لجنة مصغرة للنظر في الطلب الإسرائيلي المجمد.
ثنائية الحلول
وسط هذه الأجواء، قال السفير عبد المحمود عبد الحليم، مندوب السودان السابق في الأمم المتحدة إن "هناك نوعاً من الثنائية" التي صبغت أقدار القارة الأفريقية خلال تاريخها المعاصر والحديث، تراوحت بين ثنائية (الاستعمار والتحرر)، وثنائية (الثورية والرجعية)، و"المدنية والعسكرية"، وغيرها، والسعي الأفريقي لحل هذه التناقضات خلق نوعاً من التوافقية وإن كانت في بعض الأحيان على حساب الحلول.
أضاف عبد الحليم، "قد يرى البعض أن في ذلك عجزاً في مواجهة التحديات، بينما يراها آخرون من صميم الحكمة الأفريقية، إذ إن المنظمات الإقليمية أم الدولية مرآة عاكسة لأوضاع وحقائق ما بهذه الدول الأعضاء من رؤى وتوجهات"، لافتاً إلى أن "الموضوع المهم للقمة هو ظاهرة الانقلابات العسكرية المتجددة في الدول الأفريقية إذ أدانتها القمة، وسجلت موقفها تجاهها، وواقع الأمر يشير إلى أن خلف كل انقلاب عسكري انفراطاً أمنياً، وتنمية ضائعة."
وتابع أنه "كان بوسع الاتحاد الأفريقي تشجيع الحلول الوطنية، ولا يكفي التنديد أو تجميد العضوية، فهذه محطة ينبغي تجاوزها للوصول للوجهة النهائية، وهي الحلول المتوافق عليها قومياً عبر الحوار من دون إقصاء، والتصدي للتدخل الدولي في بعضها".
وحول جائحة كورونا، قال عبد الحليم، "من أهم ما تعهدت القمة به وجوب التصدي الجماعي لأخطارها، ودعوة المجتمع الدولي إلى إنصاف أفريقيا سواء في التوزيع العادل للقاحات، إلى جانب مساعدة الدول الأفريقية لإنتاجها محلياً وهو ما أشارت له بعض المطالبات".